أغلق محتجون في السويداء جنوب سورية، صباح اليوم الأحد، معظم المؤسسات العامة في المدينة، وفي مقدمتها فرع حزب البعث والمباني التابعة له، وأشعلوا الإطارات في عدد من الطرقات وأمام المباني الحزبية، في حركة احتجاج واسع على سوء الأوضاع المعيشية، في الوقت الذي ما زال فيه الحراك الشعبي السلمي محافظاً على أولوياته بالحرية وتطبيق القرار الدولي 2254.
ورصد "العربي الجديد" إغلاق مؤسسات الخدمات الفنية ومديريات التربية والشؤون المدنية والتموين والاتصالات ومراكز خدمة الخلوي. وكتب المحتجون رسالة تحذيرية على أبواب مديرية التربية جاء فيها: "أهلنا الأعزاء، نحن منكم ومعكم، خرجنا لرفع الضيم والذل عنا وعنكم وعن أطفالنا، إضراب حتى توقف ترديد شعار حزب البعث في المدارس. لا لتدجين الأطفال".
وتوقفت معظم مدارس المدينة والأرياف خلال الأيام القليلة الماضية عن ترديد الشعار الصباحي، والحصص الخاصة بـ"منظمة طلائع البعث" في جميع المدارس الابتدائية.
وأكدت المعلمة هناء الناصر لـ"العربي الجديد" توجيه المحتجين رسائل لمديرية التربية والمدارس خلال الأسابيع الماضية، حذروا فيها من ترديد شعارات حزب البعث والشبيبة والطلائع، أو إقامة أي فعاليات تخص هذه المنظمات الحزبية، مشيرة إلى "التزام العديد من المدارس بذلك طوعاً؛ إيماناً من معلميها بانتهاء زمن تدجين الطلاب وتلقينهم علوم الإذعان والولاء الأعمى".
وأكدت أن "التحذيرات والرسائل وجدت صداها لدى معظم العاملين في مديرية التربية، وساهمت برفع صوت العديد من المعلمات والمعلمين رفضاُ لكل المناهج التعليمية المسيسة على مقاس الحزب والقيادة". وبحسب قولها، فإن "الأمر لا يتوقف عند الشعارات والاجتماعات الحزبية، بل هناك إيديولوجية تعبث بعقول الأطفال والشباب وترسخ في ذهنهم حكم الفرد والحزب الواحد إلى جانب الخوف والإذعان".
وتضيف الناصر: "منذ أسابيع بدأ العديد من الأطفال يرددون شعارات وأناشيد الانتفاضة في بعض الباحات وأثناء الخروج من أسوار المدارس، كحالة من التحدي والتمرد على الواقع الإداري والتعليمي، ولا يلقون أي قمع أو عقاب من الكادر التدريسي".
وكان "العربي الجديد" قد حصل على معلومات خاصة تؤكد أن السلطات حاولت تدارك هذا الإضراب قبل حصوله بالتوسط لدى بعض الشخصيات الفاعلة في الحراك، وعمدت لإرسال عدد كبير من طلبات مازوت التدفئة خلال اليومين الماضيين، كما حثت شركة المحروقات للإسراع بالتوزيع، أملاً في الحد من توسع الحراك الشعبي والإضراب العام.
وقال أحد العاملين في الشركة، لـ"العربي الجديد"، طالباً عدم ذكر اسمه، إنه لأول مرة يصل إلى المديرية 10 طلبات مازوت للتدفئة وللفلاحين يوم الجمعة، وهو غالبا يوم عطلة، ورافق هذا الأمر تغير واضح في عمل الإدارة بعد تبديل المدير العام وعدد من الإداريين، بالإضافة إلى حملة رقابة ومخالفات طالت عددا من محطات الوقود في أنحاء المحافظة.
وأضاف: "هناك متابعة كبيرة واهتمام مختلف طاول شركة المحروقات، ولكن هذه المحاولات تبقى بسيطة بعد تفشي حالة الفساد في معظم المرافق التابعة للشركة، والتي لا يمكن ضبطها، طالما أن المنتفعين ما زالوا بالسلطة وعلى رأس عملهم".
وكان ناشطون في الحراك الشعبي في السويداء قد دعوا لتنفيذ إضراب جزئي اليوم الأحد، يشمل إعادة إغلاق فرع الحزب وبعض المؤسسات التابعة له، بالإضافة إلى الأسواق التجارية لعدد من الساعات المحدودة.
وجاء في بيان الإضراب الذي أطلقه الناشطون؛ إن "هذا الإضراب العام غايته المطالبة بالحقوق المعيشية لجميع أبناء سورية، وهي حاجة لا سياسية ولا تفرق بين معارض أو موالي، بل هي حقوق إنسانية لكل أبناء سورية".
وأضاف البيان أن "سعينا لتطبيق القرار 2254 لا يقف عائق أمام المطالبة بالحقوق المعيشية، وهو فرصة لمساندة أهلنا لتحقيق حاجاتهم الرئيسية". وأوضح أن أهداف الإضراب الأولى هي "منع المؤسسة الحزبية من ممارسة أعمالها وتأمين وإيقاف العمل بالبروتوكول البعثي من شعارات وأناشيد في جميع المدارس، وتأمين مادة المازوت لجميع المواطنين، وبالأخص الفلاحين".
وأشار الناشطون إلى أنهم يستهدفون في هذا الإضراب الفئات الشعبية التي ما زالت بعيدة عن الحراك الشعبي، مؤكدين أن المطالب المعيشية جزء من أهداف الانتفاضة الشعبية.
وقد كتب مرهج الجرماني، أحد قادة الفصائل المشاركة في الاحتجاجات، على حسابه الشخصي: "نحن نقف مع مطالب الناس المحقة في الوقت الذي لا نطالبهم بالوقوف معنا في حراكنا الشعبي".
يقول الناشط المدني علي جريرة لـ"العربي الجديد"، إن الإضراب يأتي إلى جانب الحراك الشعبي السلمي، وأضاف: "من خلاله نوجه رسائل لعموم المواطنين وللسلطة، مفادها أننا مع المطالب الشعبية المحقة والعاجلة، وسنسعى في كل وقت لتأمينها دون التراجع عن أهدافنا بإسقاط النظام الحاكم والانتقال السياسي وتطبيق القرار الدولي 2254"، كما أضاف أن الإضراب يأتي في سياق توجيه رسالة إلى النظام "بأننا لن نكتفي بالحراك السلمي طالما أنه لم يقدم نتائج ملموسة على الصعيد المعيشي".
ويضيف: "لقد أنجزنا خلال الأشهر الثلاثm الماضية أكثر من المتوقع.. الموظفون يشاركون بكل حرية بالاحتجاجات الشعبية وفي كل الساحات دون خوف من ملاحقة أمنية أو فصل من العمل أو اعتقال، كما استطاع المدرسون التعبير جهرًا عن سوء النظام التعليمي، ورفض التعليمات الحزبية في المدارس".