إشهار "البناء والتطوير": محاولة تكريس زعامة جديدة شرقي الفرات

11 يناير 2022
يستهدف هذا الحراك تعزيز سيطرة "قسد" (دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -

أضيف إلى المشهد السياسي السوري المضطرب حزب جديد له صبغة قبائلية، تشير المعطيات إلى أن الهدف منه تعزيز سيطرة "قوات سورية الديمقراطية" (قسد)، والكيانات الملحقة بها في الشمال الشرقي من سورية المعروفة بمنطقة شرقي الفرات.

وأعلن أمس، الإثنين، في ريف مدينة القامشلي في محافظة الحسكة، أقصى الشمال الشرقي من سورية، عن تأسيس حزب سياسي جديد حمل اسم "البناء والتطوير السوري"، يترأسه محمد قانع حران الشمري، وهو شقيق رافع الشمري، الذي يقود مليشيا محلية ذات طابع قبلي تسمى بـ"قوات حماة الجزيرة".

ويعد زعيم "حماة الجزيرة"، والذي يحظى بدعم عسكري من "قسد" وقوات التحالف الدولي، من وجهاء قبيلة شمّر العربية التي تعد من كبريات القبائل في محافظة الحسكة ولها امتداد كبير في عدة مناطق داخل العراق.

تنافس على قبيلة شمّر

 

وأكد مسؤول المكتب السياسي لـ"البناء والتطوير السوري" طريف عبيد، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "من أولويات الحزب المشاكل العامة لسكان المنطقة، وترميم الطبقة الوسطى في المجتمع"، وأشار إلى أن الحزب "سيضع يده بيد الإدارة الذاتية"، مضيفاً: "الحزب ذو خلفية سورية وليست عشائرية أو قبلية".


يهدف الحزب الجديد إلى تقليص نفوذ شيخ مشايخ قبيلة شمّر حميدي دهام الجربا

ولكن مصادر مطلعة في الحسكة أكدت لـ"العربي الجديد"، أن الحزب الجديد يهدف إلى تقليص نفوذ حميدي دهام الجربا، شيخ مشايخ قبيلة شمّر، الذي يتزعم ابنه بندر مليشيا تدعى "قوات الصناديد"، وهي من تشكيلات "قسد". إلا أن العلاقة بين الطرفين شابتها الكثير من الخلافات في الآونة الأخيرة بعد رفض الجربا مشاركة قواته في معارك خارج محافظة الحسكة في سياق الحرب التي تشنها "قسد" ضد تنظيم "داعش" بدعم من التحالف الدولي.

ورأت هذه المصادر أن مهمة حران الشمري في طرح نفسه كزعامة بديلة أو منافسة للجربا داخل قبيلة شمّر "صعبة، إن لم تكن مستحيلة"، لأن الأخير "تربطه علاقة جيدة وتاريخية مع عائلة البارزاني التي تحكم إقليم كردستان العراق، ومع المملكة العربية السعودية، ودول خليجية أخرى".

كما بيّنت المصادر "أن الجربا ما زال يحتفظ بعلاقات مع النظام السوري، على الرغم من تقلده منصب حاكم الجزيرة أو كانتون القامشلي لدى الإدارة الذاتية ذات الطابع الكردي". كما يحتفظ الجربا أيضاً بعلاقة مع الجانب الروسي، وزار في فبراير/ شباط 2019 قاعدة حميميم الروسية الواقعة في ريف اللاذقية على الساحل السوري.

وأكدت المصادر أن "دعم قسد لفصيل حماة الجزيرة، يأتي في سياق كسر احتكار عائلة الجربا للقرار في قبيلة شمّر"، مضيفة: "هذه القبيلة التي يصل عدد أفرادها إلى عدة ملايين في سورية والعراق قادرة على تغيير معطيات عديدة في الشمال الشرقي من سورية".

من جهتها، اعتبرت صحيفة "الوطن" التابعة للنظام أن حزب "البناء والتطوير السوري" تابع لـ"قسد"، واتهمت هذه القوات بمحاولة تقويض نفوذ حميدي دهام الجربا، الذي كان قد أسس عام 2017 حزب "المحافظين الديمقراطيين".

واستفاد الجربا من تجارة النفط على مدى السنوات الماضية، وفق مصادر محلية، أكدت أن "له حصة في بعض الآبار النفطية الموجودة في مناطق نفوذ انتشار قبيلته في مناطق اليعربية وتل حميس، ومنطقة المالكية في ريف الحسكة المتاخم للجانب العراقي".

وبيّنت هذه المصادر أن هناك تنافساً معلناً بين "قوات حماة الجزيرة" وقوات "الصناديد" على النفوذ في محافظة الحسكة التي تأتي في مقدمة المحافظات لجهة الغنى بالموارد النفطية، حيث تنتشر فيها أكبر حقول وآبار النفط والغاز.

وتسيطر "قوات حماة الجزيرة" منذ مطلع العام الماضي على جزء كبير من الشريط الحدودي بين سورية والعراق، وتنشط في تهريب المحروقات والأغنام إلى شمال العراق، وهو ما يدر عليها مكاسب مادية، ولزعيمها "علاقات جيدة" مع التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، وفق المصادر، التي أشارت إلى أن حران الشمري يعطي رواتب للمنتسبين لمليشياته تصل إلى 100 دولار أميركي لجذب الشبان للتطوع في هذه المليشيا، بينما رواتب المنتسبين لـ"الصناديد" نحو 50 دولاراً.

"قسد" تدفع لانقسام داخل القبائل العربية

 

وعن ذلك، قال الباحث السياسي في مركز "جسور" للدراسات أنس شواخ، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "قسد تدعم رافع حران الشمري في تأسيس هذا الحزب كما دعمته سابقاً في تأسيس فصيل عسكري".

ورأى شواخ، وهو من أبناء منطقة شرقي نهر الفرات، أن "قسد تحاول خلق حالة من الانقسام داخل قبيلة شمّر بشكل خاص والقبائل العربية الأخرى المنتشرة في المناطق الحدودية مع العراق في كل من تل حميس واليعربيّة والشدادي". وتابع: "على الرغم من التبعية التنظيمية لقوات الصناديد إلى قسد، فإنّ الشيخ الجربا وابنه بندر غير راضيين عن حجم القوة والسلطة والاستقلالية التي يتمتع بها هذا الفصيل في محافظة الحسكة".


قسد تحاول تحشيد أبناء شمّر والقبائل العربية الأخرى في المناطق الحدودية مع العراق ضمن تشكيل عسكري وسياسي جديد

وبيّن شواخ "أنّ لدى قسد توجّساً دائماً من العلاقات العريقة لهذه العائلة (الجربا) مع عدد من الأطراف المحلية والدولية، كحكومة إقليم شمال كردستان العراق، والنظام السوري، والسعودية".

وخلص إلى القول: قسد تحاول تحشيد أبناء قبيلة شمّر والقبائل العربية الأخرى في المناطق الحدودية مع العراق ضمن تشكيل عسكري وسياسي جديد يقوم عليه أحد أبناء قبيلة شمّر مضموني الولاء لقسد ومن غير أبناء بيت مشيخة قبيلة شمّر التقليدي من آل الجربا، في محاولة منها لتقويض دور هذه العائلة والأجسام التابعة لها (العسكرية: قوات الصناديد، السياسية: حزب المحافظين).

وتتزاحم العديد من الأحزاب والمجالس والتيارات السياسية في منطقة شرقي الفرات من مكونات هذه المنطقة كافة من عرب وأكراد وسريان. ولكن حزب الاتحاد الديمقراطي المهيمن على "قسد" من خلال ذراعه العسكرية (الوحدات الكردية)، لا يعطي هذه الأحزاب والتيارات هامشاً سياسياً كافياً للعمل، إذ يضيّق الخناق على المجلس الوطني الكردي ويعتدي على مقراته بين وقت وآخر، ويمنع ظهور أحزاب ذات طابع عروبي على الرغم من أن العرب يشكلون غالبية سكان منطقة شرقي نهر الفرات الواقعة تحت سيطرة "قسد".

وكانت قد ظهرت في منتصف عام 2020 في شرقي الفرات ما سمّيت بـ"جبهة السلام والحرية"، والتي ضمّت المنظمة الآثورية الديمقراطية، والمجلس الوطني الكردي، وتيار الغد السوري، والمجلس العربي في الجزيرة والفرات. إلا أن هذه الجبهة لم تُحدث فرقاً كبيراً في المشهد في المنطقة التي تشهد تنافساً من مختلف اللاعبين في الملف السوري.

المساهمون