إسرائيل توسّع ضرباتها في لبنان: الآفاق والأهداف والحرب الشاملة

15 مارس 2024
من آثار الغارات الإسرائيلية على سرعين البقاعية، الثلاثاء (محمد عزاقير/رويترز)
+ الخط -

يرفع التصعيد الإسرائيلي في الأيام الماضية في لبنان من احتمالات توسّع رقعة الحرب، مع تكثيف جيش الاحتلال ضرباته العسكرية خارج إطار الجبهة الجنوبية اللبنانية، في مقابل توعد "حزب الله" بالردّ بالمستوى نفسه، مع حرصه على إبقاء عملياته ضمن الإطار "المضبوط"، وعدم تحقيق هدف إسرائيل بجرّه إلى فتح مواجهة شاملة.

واستهدف الاحتلال الإسرائيلي في يومين متتاليين محيط مدينة بعلبك، شرقي لبنان، إحدى معاقل "حزب الله"، موقعاً شهداء وجرحى، في عملياتٍ هي الثانية له في البقاع منذ بدء المواجهات في 8 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بعد الهجوم الأول منذ 26 فبراير/شباط الماضي.

وتطرح هذه التطورات علامات استفهام حول انتقال الاحتلال إلى "جبهات" ثانية لبنانياً بالتوازي مع الجنوب، خصوصاً أنه سبق أن وجّه ضربات إلى مناطق ما خلف شمال نهر الليطاني، منها الضاحية الجنوبية لبيروت، وصيدا، وقضاء جزين، ومنطقة إقليم التفاح.

تصاعد التهديدات الإسرائيلية ضد لبنان

يأتي ذلك، في وقتٍ تتصاعد التهديدات الإسرائيلية بتوسيع الهجمات على الأراضي اللبنانية وشنّ هجوم بري، خصوصاً إذا لم ينسحب مقاتلو "حزب الله" بعيداً عن الحدود مع شمال فلسطين المحتلة، وآخرها، دعوة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، الثلاثاء الماضي، وزير الأمن يوآف غالانت، إلى إعلان الحرب على لبنان فوراً.

رامي أبو حمدان: الأهداف التي يضربها العدو ليست ذات جدوى ولا مكان لها في بنية المقاومة

كما ذكر جيش الاحتلال، الثلاثاء أيضاً، أنه استهدف نحو 4500 هدف لـ"حزب الله" خلال الأشهر الخمسة الماضية في لبنان وفي سورية، وأنه "أوقع 300 قتيل بين مقاتلي الحزب و750 إصابة"، مدعياً أن الأهداف شملت منشآت تخزين أسلحة ومنشآت عسكرية مخصصة للأنشطة الهجومية لـ"حزب الله" ومراكز قيادة وسيطرة عملياته.

من جهته، كثف "حزب الله" من ضرباته التوسعية، في شمال فلسطين المحتلة، والجليل الأعلى، مستهدفاً مستوطنات إسرائيلية وقواعد عسكرية وثكنات ذات أهمية كبيرة لدى الاحتلال، ملحقاً بها إصابات مباشرة، منها قصف صفد، وميرون، وثكنة عرعر، مستخدماً المسيّرات الانقضاضية وأسلحة نوعية وأكثر تطوّراً لم يلجأ إليها في بدء المواجهات التي بدأت بعد يوم من عملية "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر الماضي.

في الإطار، اعتبر عضو كتلة "الوفاء للمقاومة" (كتلة حزب الله النيابية)، النائب رامي أبو حمدان في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "القاعدة التي يعمل عليها العدو ليست قاعدة اشتباك ولا يحكمها أي مبدأ مما اعتدنا عليه في الحروب التقليدية معه، وهو يحاول الاستفادة من أي فرصة لتعميق التهديد والقول إنه جاهزٌ لتوسعة الحرب، ونحن نعرف أنه ليس قادراً على ذلك، وأنه يريد خلق سياسة ردع مقابل ما تصنعه المقاومة بموقفها النهائي وغير المتردد في الوقوف دفاعاً عن الوطن ودعم أهلنا بغزة".

وشدّد أبو حمدان على أن "الأهداف التي يضربها العدو ليست ذات جدوى ولا مكان لها في بنية المقاومة"، لافتاً إلى أن "كل ما يفعله يأتي في إطار الرسائل لمحاولة تخويفنا، محاولاً كذلك إعلاء السقف لزيادة الضغط الشعبي الداخلي في لبنان وهو مستفيدٌ من هذا الجو، بوجود أصوات معارضة وإن كانت قليلة".

 

كما لفت النائب عن البقاع اللبناني، إلى أننا "لا نتأثر ولا ننهزّ ولا شيء سيمنعنا من الردّ بالعمق كما يفعل العدو، وكما قال الأمين العام لحزب الله، بدك تعلّي منعلّي، وبدّك توسّع منوسّع"، مشيراً إلى أنه "بمعرفتنا بالإسرائيلي فهو قد يذهب إلى غير بعلبك، وهذا طبيعي في المواجهة، نحن بحرب وإن من حيث الشكل لا تشبه الحروب التقليدية لكنها حرب ونحن نقوم بكل ما يمليه علينا واجبنا الوطني واخلاقياتنا بالرد".

من جهته، اعتبر الباحث والكاتب السياسي حسن الدّر، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "العدو الإسرائيلي قد يكون يعمل على فرض معادلة جديدة وتثبيتها تتمثل بالبقاع في مقابل المسيّرات والدفاع الجوّي التابع للمقاومة".

وأوضح أن "الإسرائيلي يعلم أن البقاع هو خط امداد استراتيجي لحزب الله، وخط ربط مع سورية، كما أنه خزان المقاومة والهرمل تسمى بمدينة الشهداء"، لافتاً إلى أن "الأهم بالمعنى الاستراتيجي أن المنطقة هي على الحدود السورية، وهذه النقطة شريان حياة المقاومة، وأحد شرايين الحياة الأساسية للدعم اللوجستي والعسكري وكل أنواع التواصل الجغرافي، وبالتالي، فإن بعلبك هي سند وظهر الحزب، والبقاع والقصير السورية هما الخزان أو المخزن أو المكان الذي سيكون بمثابة مسرح العمليات فيما لو حصلت حرب كبرى مثلاً على تل أبيب أو إيلات وغيرهما، من هنا كان أيضاً لبعلبك حصّتها من حرب يوليو/تموز 2006".

ولفت الدّر إلى أن "هناك تدميراً منهجياً من جانب العدو، فهو يستهدف نقاطاً أو منازل أو مباني تحجب الرؤية عنه أو يعتبرها نقاط مراقبة أو تجسّس، مثلاً، ويركز على بلدات محددة أكثر من غيرها مثل بليدا لقربها من الحدود وهي متداخلة مع فلسطين المحتلة"، لافتاً إلى أن "العدو يعمل كذلك على معادلة النازحين بالنازحين، من خلال تدميره المنازل والقرى المدنية واستهدافه المدنيين".


مهند الحاج علي: إسرائيل أعادت تعريف كل قواعد الاشتباك بقصف العمق اللبناني

كما رأى الدّر أن "القصف تطوّر منذ 8 أكتوبر، والاستهدافات توسّعت وطاولت قياديين ومسؤولين في محور المقاومة، وشملت مناطق خارج الجنوب الحدودي، ومنها الضاحية الجنوبية لبيروت، والنبطية، والبقاع، وجدرا بإقليم الخروب، وغيرها. وفي العمليات الأخيرة زعمت إسرائيل أنها أتت ردّاً على عمليات قام بها حزب الله في العمق الإسرائيلي، خصوصاً بمسيّراته، ومع ذلك، فإن كل التقديرات العقلانية، وطبيعة انتشار جيش الاحتلال، والاتصالات السياسية، وعوامل أخرى، تقول إن لا مؤشر بعد يدلّ على حرب واسعة مفتوحة بلا أسقف، كما أن الخارج، سواء الأميركي، أو الإيراني، أو الأوروبي وحتى حزب الله لا يريدون الحرب".

إعادة تعريف قواعد الاشتباك

بدوره، لفت الباحث في معهد "كارنيغي" للشرق الأوسط مهند الحاج علي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أنه "لا نزال في إطار إعادة تعريف قواعد الاشتباك مع إسرائيل، إذ إن حزب الله يستهدف منذ بداية المواجهة مراكز مراقبة وأجهزة تجسّسية وقواعد عسكرية من دون إيقاع خسائر بشرية، وبالتالي، من الواضح أن قرار الحزب كان بالمشاركة الشكلية بالحرب لا الفعلية الواسعة".

ولفت الحاج علي إلى أن "إسرائيل أعادت تعريف كل قواعد الاشتباك بالقصف بالعمق اللبناني، وبكل منطقة يتسنى لها ضربها، ومستوى تعاطي حزب الله معه غير مسبوق"، مشيراً إلى أن "إسرائيل أظهرت قدرة على ضرب أي هدف في لبنان، تماماً كما يحصل في سورية منذ سنوات، من دون أن يقابل بردّ فعلي من حزب الله، وهذا واقعٌ جديدٌ".

وبتقدير الحاج علي فإن "الهدنة في غزة من شأنها أن تنسحب على لبنان، لكن إذا سنحت فرصة للإسرائيلي بضرب هدف ما لحزب الله فسيضربه، حتى لو بعد وقف إطلاق النار، لنكون أمام سيناريو سورية، وبوتيرة القصف نفسها. ومن الواضح أن هناك معلومات استخباراتية يتصرّف على أساسها العدو، الذي يعمل بدوره على إظهار القدرة الإسرائيلية بالاختراق على المستوى الأمني والاستخباري وهذا جزء من عدّة الشغل عنده".

ورأى الحاج علي أن "الحزب لن يقوم بعملية واسعة، لكن تصعيد إسرائيل خطير بما يكفي ليضطر الحزب إلى تنفيذ عمل عسكري ما قد يؤدي إلى حرب وهنا المخاطرة الحقيقية، وقد نرى تبعاً لذلك ضغطاً أميركياً حقيقياً على الجانب الإسرائيلي للتخفيف من حدة الهجوم، خصوصاً أن حزب الله وهو كتنظيم بمأزق اليوم أمام جمهوره، بظهوره غير قادر على وقف أو ردع الإسرائيلي عن تنفيذ ضربات بالعمق اللبناني، خصوصاً في الضاحية الجنوبية لبيروت، كما لا يمكنه البقاء في مستوى المتلقي والرد الشكلي، بل يحتاج إلى رفع وتيرة هجماته ونتائجها لتحقيق بعض الردع بالمواجهة مع إسرائيل".