قصفت إسرائيل أهدافاً في سورية للمرة الثانية خلال أقل من أسبوع واحد. ووفق مصادر متقاطعة، فقد استهدفت الضربات الجوية الإسرائيلية في محيط دمشق، ليلة أمس الأول الخميس، مستودعات تابعة لإيران تضم مصنعاً لتجميع الطائرات المسيرة، إضافة إلى مركز البحوث العلمية في منطقة جمرايا.
وأكد مصدر مطلع من دمشق، لـ"العربي الجديد"، أن انفجارات عدة سمعت على أطراف مدينة قطنا، جنوب غرب العاصمة، بالتزامن مع تحليق طائرات استطلاع إسرائيلية في أقصى ريف دمشق الجنوبي الغربي.
استهداف مصنع للطائرات المسيرة
ووفق المصدر، فقد استهدف الهجوم مواقع في بلدتي رخلة وعين الرضوان التابعتين لمدينة قطنا، يستخدمها "حزب الله" اللبناني و"الحرس الثوري" الإيراني لتصنيع وتطوير الطائرات المسيّرة وتدريب العناصر على استخدامها.
استهدف الهجوم مواقع يستخدمها "حزب الله" و"الحرس الثوري" الإيراني لتصنيع وتطوير الطائرات المسيّرة
من جهته، ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان، في بيان، أن الهجوم استهدف موقعين عسكريين على الأقل، واحد للمليشيات الإيرانية والآخر لجيش التحرير الفلسطيني. غير أن المصدر الذي تحدث لـ"العربي الجديد"، أكد أن الموقع الذي تم استهدافه في بلدة عين الرضوان كان في السابق يضم قوات من جيش التحرير الفلسطيني، لكن تم إخلاؤه في منتصف العام الماضي بطلب من "الفرقة العاشرة" في قوات النظام لصالح مليشيات إيرانية.
وأشار المصدر إلى أن سكان المنطقة يشهدون باستمرار تدريبات لعناصر المليشيات على استخدام الطائرات المسيرة، بعضها يتم ليلاً، في حين يُمنع على المدنيين الاقتراب من المواقع، فضلاً عن استيلاء "الفرقة العاشرة" على أراضٍ زراعية في محيطها، وإغلاق طرق رئيسية تمر بالقرب منها.
وأكد الباحث في مركز "جسور للدراسات" وائل علوان أن الغارات الإسرائيلية استهدفت مواقع للمليشيات الإيرانية في محيط مركز البحوث العلمية في جمرايا وبلدة رخلة، والأطراف الشمالية لمدينة قطنا، فيما لم تصب المضادات الأرضية للنظام السوري أي صاروخ إسرائيلي، وتسببت بإصابة سيارة واحتراقها في دمشق.
وأضاف علوان، في حديث مع "العربي الجديد"، أن مستودعات رخلة التي طاولها القصف الإسرائيلي تقع بالقرب من الحدود مع لبنان، وتضم "صواريخ ومنظومة تشويش ومنظومة رادار إنذار مبكر، وهي تابعة للحرس الثوري الإيراني، وتم نقلها من مطار دمشق الدولي قبل القصف بـ24 ساعة تقريباً".
وحسب دراسة صادرة عن المركز في 24 فبراير/ شباط الماضي، فإن الضربات الإسرائيلية تستهدف مستودعات أسلحة ورؤوس صواريخ ومنظومات دفاع جوي تابعة لإيران، قبل نقلها إلى لبنان، إضافة إلى نقاط رصد متقدمة لـ"حزب الله".
لماذا تكثف إسرائيل قصف سورية؟
وحول تكثيف إسرائيل غاراتها على سورية في الآونة الأخيرة، أشار علوان إلى أن سببه انشغال روسيا بالمعارك في أوكرانيا، ما انعكس على توزع النفوذ في سورية، حيث اضطرت إلى سحب قوات من سورية وتجنيد عناصر من السوريين لإرسالهم إلى أوكرانيا، بما في ذلك عناصر من مليشيات تابعة لـ"الحرس الثوري" الإيراني.
وأضاف علوان، في حديثه مع "العربي الجديد"، أن الانشغال الروسي تزامن مع تزايد الحضور الإيراني في سورية بطلب من نظام بشار الأسد لسد الفراغ الحاصل، وهو ما شكل فرصة لطهران لنقل تعزيزات كبيرة إلى سورية من "الحرس الثوري" والمليشيات والأسلحة الجديدة، الأمر الذي دفع إسرائيل إلى تكثيف عمليات المراقبة والاستهداف للتحركات الإيرانية في سورية.
ورأى أن حرب أوكرانيا لم تؤثر، كما يبدو، على التنسيق المستمر بين روسيا وإسرائيل بشأن عمليات الأخيرة في سورية.
وكانت إسرائيل قد استهدفت قبل أيام مواقع للنظام السوري، بينها مركز للأبحاث العملية في مصياف بريف حماة، بعد أيام من تسلم تومر بار قيادة سلاح الجو الإسرائيلي، والذي يبدو أنه أطلق عملية واسعة لاستهداف المواقع الإيرانية في سورية.
ونهاية مارس/ آذار الماضي، كشفت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية أن الاحتلال نفّذ أكثر من 1000 غارة جوية على أهداف في سورية منذ العام 2017، بهدف "منع توسع إيران وإرسال الأسلحة المتطورة إلى حزب الله اللبناني".
ولفتت الصحيفة إلى أن سلاح الجو الإسرائيلي استهدف خلال خمس سنوات 1200 هدف بأكثر من 5500 قنبلة، خلال 408 مهمات قتالية، وفي العام 2021 وحده تم تنفيذ عشرات العمليات الجوية باستخدام 586 قنبلة ضد 174 هدفاً.
موقع جمرايا: حصن منيع
ومن بين المواقع التي استهدفها الهجوم الإسرائيلي موقع جمرايا التابع لمركز البحوث العلمية في محيط دمشق، وهو المركز الذي يتعرض لهجمات متكررة خلال السنوات الماضية، من بينها هجمات صاروخية وجوية شنتها بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة في إبريل/ نيسان 2018.
والموقع الذي يقع قربه مقر الكتيبة 105 من قوات الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة في الحرس الجمهوري التي يرأسها ماهر الأسد، شقيق رئيس النظام، هو المسؤول عن إنتاج أسلحة كيميائية، مثل تلك التي استخدمت في هجوم خان شيخون في محافظة إدلب في 2017، وكذلك وسائل إطلاقها، بحسب بيانات أميركية.
ويخضع المركز والمواقع المرتبطة به لإجراءات أمنية مشددة وتحيط بها السرية التامة. ويخضع موظفو وخبراء المركز لرقابة أمنية مشددة ومتابعة، لمنع أي تسريبات أو اختراق من قبل أجهزة الاستخبارات الأجنبية، وعلى رأسها الإسرائيلية.
علوان: الانشغال الروسي بأوكرانيا تزامن مع تزايد الحضور الإيراني في سورية
ولا يعرف بالضبط عدد العاملين في المركز، لكنهم يقدرون بالآلاف. وكان المركز، الذي أنشئ في العام 1971، يقوم، قبل العام 2011، بإيفاد مئات المهندسين والخبراء سنوياً للدراسة في الخارج، في مجالات لها علاقة بإنتاج الأسلحة.
وقال مصدر كان موظفاً في المركز، لـ"العربي الجديد"، إن مساحة مركز البحوث العلمية تبلغ نحو 3 كيلومترات مربعة، وله خمسة مداخل رئيسية، ومدخل احتياطي، ومدخلان سريان، ويحتوي على أكثر من 50 نفقاً بأعماق تفوق الـ100 متر تحت الأرض، محصنة بشكل جيد، وهذا ما يجعله لا يتأثر كثيراً بالغارات وعمليات القصف التي تستهدفه بشكل مستمر.
وفرضت الولايات المتحدة عقوبات على 271 موظفاً في المركز لدورهم المفترض في إنتاج مواد كيميائية استخدمت في هجوم بأسلحة كيميائية على مدينة خان شيخون في محافظة إدلب في العام 2017. وفي يناير/ كانون الثاني الماضي، فرضت باريس أيضاً عقوبات على نحو 25 شخصاً وشركة في فرنسا ولبنان والإمارات والصين، متهمة إياهم بالعمل مع المركز المذكور في إنتاج أسلحة كيميائية.