كشفت مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني التي وضعها الاحتلال الإسرائيلي على قائمة الإرهاب، أن عدداً من موظفيها وناشطين وموظفين في السلطة الفلسطينية، تعرضت هواتفهم الذكية للاختراق والتجسس من برنامج "بيغاسوس" الإسرائيلي، في أول فضيحة تجسس من نوعها في الضفة الغربية لهذا البرنامج.
وبحسب مصادر موثوقة لـ"العربي الجديد"، فإن التجسس طاول عدداً من موظفي وزارة الخارجية الفلسطينية الذين لم تُكشف هوياتهم بعد، لكن من المرجح أن يكونوا موظفين على علاقة وثيقة بملف المحكمة الجنائية، كما طاول ناشطين في منظمات مجتمع مدني فلسطينية وموظفين في السلطة الفلسطينية.
تأكيد اختراق هواتف 10 فلسطينيين على الأقل
كشفت المصادر عن اختراق عشرة هواتف على الأقل حتى الآن، منها ثلاثة تعود لعاملين في المؤسسات الحقوقية التي وضعتها إٍسرائيل على قائمة الإرهاب، وثلاثة أخرى تعود لنشطاء فلسطينيين، وأربعة لموظفين رسميين في السلطة الفلسطينية يعملون على ملف الجنائية الدولية.
واتضح أن أكثر من 3 موظفين من المؤسسات التي وضعها الاحتلال على قائمة الإرهاب، قد تحولت هواتفهم الذكية إلى أدوات تجسّس عليهم بموجب برنامج "بيغاسوس" الإٍسرائيلي، وهم من حمَلة هوية القدس، والجنسيتين الأميركية والفرنسية، في مؤسسات "الحق" و"الضمير" ومركز "بيسان للبحوث والإنماء"، وأصابع الاتهام تتجه للاحتلال الإسرائيلي.
وفي التفاصيل، كشفت مؤسسة "الحق" بشكل حصري، لـ"العربي الجديد"، عن أنها اكتشفت يوم 16 أكتوبر/تشرين الأول، أن أحد موظفيها، وهو الباحث الميداني في القدس غسان حلايقة، قد تم اختراق جهازه من قبل برنامج "بيغاسوس"، ما دفع مؤسسة "الحق" إلى التواصل مع بقية المؤسسات المستهدفة من الاحتلال، وفحص بعض الهواتف الذكية لموظفيها، وتحديداً "آيفون"، ليتضح أن جهاز مدير مؤسسة "بيسان" للأبحاث، أبي العابودي، والذي يحمل الجنسية الأميركية، قد تعرّض أيضاً للاختراق، والمحامي المدافع عن حقوق الإنسان صلاح الحموري، والذي يحمل الجنسية الفرنسية، قد تم اختراق هاتفه فعلياً".
وتفيد المعلومات بأنه تم إخضاع أجهزة "آيفون" التابعة لبعض الموظفين للفحص، فيما تعذّر فحص هواتف "أندرويد" وغيرها.
وبحسب المعلومات التي توفرت لـ"العربي الجديد"، فإن الباحث المقدسي في مؤسسة "الحق" غسان حلايقة كان قد ساوره الشك في أن أصدقاءه يخبرونه أنه اتصل بهم، وعادوا ليسألوه عن سبب الاتصال، لكنه نفى أنه قد قام بالاتصال من الأساس. وبعد تكرر الموضوع أكثر من مرة، تم إخضاع جهازه للفحص، ليتضح بتاريخ 16 أكتوبر/تشرين الأول أن جهازه مخترق من قبل برنامج "بيغاسوس".
وتضيف المصادر أن "الفحوصات التكنولوجية أثبتت أن هاتف حلايقة مخترق من شهر يوليو/تموز 2020".
ويعمل حلايقة باحثاً ميدانياً في القدس، ويلتقي عادة مع ضحايا الاعتداءات الإسرائيلية في القدس المحتلة، ومع مسؤولين ودبلوماسيين بحكم عمله.
ترى أوساط في هذه المؤسسات، أن قرار حكومة الاحتلال وضع ستّ مؤسسات مجتمع مدني على لائحة الإرهاب بعد خمسة أيام من كشف أمر التجسس، هو بهدف تبريره أمام العالم
أما الشخص الثاني الذي ثبت اختراق جهازه من قبل "بيغاسوس"، فهو المحامي صلاح الحموري، وهو مقدسي ويحمل الجنسية الفرنسية، وبعد يوم واحد من كشف نتائج الفحص بشأن هاتف حلايقة، أصدرت سلطات الاحتلال أمراً بسحب الهوية المقدسية من الحموري، الذي خضع هاتفه "آيفون" هو الآخر للفحص، وتبيّن أنه مخترق.
ويقول حموري لـ"العربي الجديد": "لقد فحصت هاتفي في 19 أكتوبر/تشرين الأول واتضح أنه مخترق أيضاً".
ويقول الحموري وهو يبتسم: "الآن عرفت لماذا قال لي المحقق الإسرائيلي عند الإفراج عني في 30 سبتمبر/أيلول 2018 "إنت لازم تشتري تليفون ذكي ويضل معك"، أعتقد أن الأمر مجرد دعابة ليس أكثر، ومن جهة ثانية كل شخص حالياً يعمل، يحمل هاتفاً ذكياً لضرورات العمل المرتبطة بالإيميلات ومعرفة ماذا يحدث من أخبار وغيرها". وحسب الحموري، فإن "سحب هويته المقدسية بعد اكتشاف اختراق هاتف حلايقة ليس من باب الصدفة".
أما الشخص الثالث الذي ثبت تعرّض هاتفه للاختراق، فهو رئيس مركز "بيسان" للبحوث أبي العابودي الذي يحمل الجنسية الأميركية، حيث تبين بعد الفحص أن جهازه مخترق منذ شهر فبراير/شباط 2021.
ويقول العابودي: "حالياً، أفحص كل الخيارات القانونية وغير القانونية لملاحقة الجهة المسؤولة عن الاختراق".
وتم تأكيد الاختراق، حيث استعانت هذه المؤسسات بخبراء الأمن الرقمي في منظمة "فرونت لاين ديفندرز للشرق الأوسط وشمال أفريقيا"، و"سيتيزن لاب" في كندا، ومنظمة العفو الدولية "أمنستي".
وترى أوساط في هذه المؤسسات، أن قرار حكومة الاحتلال وضع ستّ مؤسسات مجتمع مدني على لائحة الإرهاب بعد خمسة أيام من كشف أمر التجسس، هو بهدف تبريره أمام العالم، علماً أن الاحتلال الإٍسرائيلي لا يملك أي أسباب أمنية ضد هذه المؤسسات أو موظفيها.
والمؤسسات الستّ التي شملها القرار، هي مؤسسات معروفة بنشاطها في مجال حقوق الإنسان والدفاع عن الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، وهي مؤسسات "الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان"، و"الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال-فلسطين"، و"اتحاد لجان العمل الزراعي"، و"اتحاد لجان المرأة العربية"، و"مركز بيسان للبحوث والإنماء"، و"الحق".
وتشترك المؤسسات الستّ في قواسم عمل مشتركة هي عملها في تحضير ملفات للمحكمة الجنائية الدولية لإدانة الاحتلال الإسرائيلي، مثل "الضمير"، و"الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال"، ومؤسسة "الحق"، وثانيا عملها في الأراضي الفلسطينية التي يصنّفها الاحتلال "ج"، مثل "اتحاد لجان العمل الزراعي"، و"اتحاد لجان المرأة العربية"، وثالثا دعمها لحركة "مقاطعة إسرائيل"، وسحب الاستثمارات منها، وفرض العقوبات عليها، وتقديم دراسات اقتصادية وأبحاث تعزز صمود الشعب الفلسطيني.
يذكر أن برنامج التجسس "بيغاسوس" طوّرته شركة الأمن السيبراني الإسرائيلية "إن إس أو غروب"، ويهدف إلى تحويل أجهزة الهواتف الذكية إلى أدوات تجسس على مالكيها ومحيطهم، وفجرت سلسلة فضائح بعد اكتشاف اختراقها لهاتف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، واستخدام عدة دول عربية لهذا البرنامج، منها السعودية والإمارات والمغرب.