إسرائيل أبرتهايد عابر للحدود بختم المحكمة

25 يوليو 2021
المحكمة الإسرائيلية العليا رفضت الالتماسات على قانون القومية (لوران فان ديرك ستوك/ Getty)
+ الخط -

لم تعد هناك حاجة للاعتماد على تقارير منظمات حقوقية إسرائيلية (مثل تقرير بتسيلم) أو دولية مثل تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش، للحديث عن الأبرتهايد في إسرائيل ومنظومته القانونية الشائكة والمعقدة الموزعة لضبط أدوات السيطرة على الفلسطينيين، سواء الذين تحكمهم مجموعة القوانين المدنية العامة للدولة باعتبارهم مواطنين يحملون الجنسية الإسرائيلية (في الجليل المثلث والنقب ومدن فلسطين التاريخية على الساحل) أو الفلسطينيون الواقعون تحت الاحتلال العسكري المباشر في الضفة الغربية المحتلة، فضلاً عن سكان القدس والقرى المحيطة بها الذين يحملون مكانة "مقيم" فلا هم مواطنون ولا هم "تحت الاحتلال العسكري المباشر".

لم تعد هذه الحاجة قائمة لأن المحكمة الإسرائيلية العليا رفضت في الثامن من يوليو/ تموز الماضي الالتماسات التي قدمتها مؤسسات وحركات وجمعيات ومؤسسات حقوقية وسياسية عربية في الداخل ضد قانون الأبرتهايد الأبرز الذي سنّه الكنيست الإسرائيلي (في تموز 2018) تحت مسمّى قانون القومية، ليحدد ليس فقط أن إسرائيل هي دولة الشعب اليهودي، بل ليحدد أن أرض فلسطين كلها، بما يتجاوز حدود دولة الاحتلال، ويشمل الضفة الغربية المحتلة وربما بحسب التفسيرات الدينية للجهات اليهودية المختلفة أجزاء من شرق الأردن باعتبارها ملكاً للشعب الهود ولا يحق لأي مجموعة سكانية أياً كانت أن تحظى بتقرير المصير.

ولا يقف القانون عند هذا التعريف الأولي في بنوده الأولى بل يتعدى ليقرر على مدار بنوده المختلفة أن على الدولة توجيه كل مواردها وقدراتها لتطوير الاستيطان اليهودي، ومرة أخرى في "أرض إسرائيل" والعمل لتعزيز العلاقات مع الجاليات اليهودية خارج إسرائيل لجلب اليهود وتشجيعهم على الهجرة إلى إسرائيل.

وبالرغم من أن القانون هو قانون أساسي ويفتقر إلى أي بند أو إشارة لمبدأ المساواة بين مختلف مواطني الدولة إلا أن المحكمة تجاهلت هذا الأمر وادعت أن الكنيست بصفته المخول منذ تأسيس إسرائيل بوضع الدستور المستقبلي للدولة (وهي عملية لم تنته لليوم بفعل خلافات في مسألة علاقات الدين بالدولة وتحدّد من هو اليهودي) لم تتجاوز صلاحيتها في سن القانون، وبالتالي لا حاجة للتدخل ورفض القانون أو تعديله ما دام لا يناقض ما اعتبرته المحكمة الطابع الديمقراطي لدولة إسرائيل بالرغم من أن القانون ينضح بالتمييز العنصري بدءاً من عدم الاعتراف بحق تقرير المصير لمجموعة غير يهودية في فلسطين وحصر هذا الحق باليهود، وحتى تشجيع الهجرة والاستيطان لمن ليسوا في الدولة ولا مواطنين فيها (يهود العالم) ومنحهم أسبقية وجعل تسهيل هجرتهم واستيعابهم على أراضي الفلسطينيين، بما في ذلك خارج حدود الدولة الرسمية (الضفة الغربية)، من أولويات مهام الدولة وأهدافها.

وعملياً فإن القانون الجديد نسبياً جاء ليقول صراحة بفوقية العرق اليهودي في فلسطين ومنحه الأفضلية في كل شيء حتى إذا كان اليهودي خارج حدود الدولة، أو منح هذه الأفضلية لليهود خارج الحدود الرسمية من خلال استخدام التعبير "أرض إسرائيل، ويعيد القانون بشكل مباشر إلى الأذهان قانون "العودة" اليهودي من عام 1950، الذي منح حق الهجرة لدولة الاحتلال لكل يهودي في العالم، كما يحيل مباشرة إلى قانون أملاك الغائبين من نفس العام الذي كان ضرورياً لتسهيل وقوننة عمليات نهب أراضي الفلسطينيين في أراضي 1948، سواء الذين طردوا خلال الحرب وبقيت وراءهم أملاكهم وبيوتهم، أم أراضي قرى وبلدات فلسطينية ظلت خارج حدود إسرائيل بعد الحرب وتم ضمها لاحقاً، في اتفاقيات رودزس، مثل قرى المثلث ووادي عارة لكن أراضيها الزراعية كانت غربي حدود وقف إطلاق النار.

وقد شكّل القانونان المذكوران أساساً لسلب ونهب أراضي الفلسطينيين، ولا سيما اللاجئين، من جهة، لكن تبعتهما سلسلة قوانين وبالأساس أوامر عسكرية خلال فترة الحكم العسكري مكّنت الدولة من سرقة مزيد من الأراضي وتنفيذ سياسيات تمييز عنصري تحت غطاء الأوامر العسكرية والحاجات العسكرية، حتى لنقض ورفض احترام قرار المحكمة الإسرائيلية عندما قضت مثلاً بإعادة أهالي أقرث وبرعم فردّت الحكومة بقصف القريتين ثم منعت تطبيق القانون بحجج أمنية وعسكرية.

ونفس المنظومات العنصرية لتثبيت أبرتهايد داخل إسرائيل والتي سنتها حكومات اليسار، تم اللجوء إليها لاحقاً في الضفة الغربية المحتلة والقدس، وفي كل الحالات، كما في حالة قانون القومية كانت المحكمة الإسرائيلية العليا تثبت القرارات العنصرية أو في حال نقض قرار واحد منها، تسدي للدولة والحكم النصيحة في كيفية تحقيق الهدف بطرق شرعية.

وقد تجلّى ذلك بشكل واضح في قرار المحكمة الإسرائيلية العليا في عهد ولاية حكم الليكود الأولى، برئاسة بيغن عندما أمرت المحكمة بتفكيك مستوطنة ألون موريه، ونصحت الحكومة بالاستيطان على ما سمته المحكمة "أراضي دولة"، وبرز في تلك الفترة الفرق بين حكومات اليسار العمالي التي مارست التمييز من خلال إجراءات بيروقراطية معقدة، فيما حافظت على نصوص قانونية عامة لا تظهر التمييز، وبين أسلوب اليمين بقيادة بيغن ومن تبعه لاحقاً في الاندفاع نحو الاستيطان على كل شبر، مستغلاً نفس منظومة قوانين أملاك الغائبين لسرقة ونهب أراضٍ في القدس المحتلة ومحيطها، خاصة إذا كان أصحابها ممن يسكنون في مدن الضفة الغربية.

لكن السنوات الأخيرة، وتحديداً العقد الأخير، شهدت بشكل علني وسافر مجاهرة إسرائيلية رسمية وأكاديمية وحتى قضائية بإعلاء الفوقية اليهودية، ولم تأت هذه فقط من أوساط اليمين أو أوساط محافظة ويمينة في القضاء الإسرائيلي، بل من رأس ورمز "اليسار اللبرالي" للقضاء الإسرائيلي، القاضي أهرون براك الذي خلص قبل سن القانون الجامع للأبرتهايد (قانون القومية) إلى أنّ إسرائيل دولة يهودية وديمقراطية، وأن هذا البيت هو أولاً بيت يهودي، لكنه يمنح المساواة الكاملة لكل من يعيش في داخله وإن لم يكن يهودياً.

وعملياً يمكن القول إنه لا مجال هنا لإيراد الحالات التي وقف فيها القضاء الإسرائيلي إلى جانب قرارات وقوانين عنصرية، حتى عندما اتهم من اليمين بأنه يحمل أجندة يسارية، إذ تكفي الإشارة إلى أنه عندما كان على قضاة المحكمة البت في شرعية قانون القومية اليهودي فقد كان الاصطفاف واضحاً على أساس عنصري فوقي، إذ صوت 10 قضاة يهود في تشكيلة المحكمة التي رفضت الالتماسات ضد هذه الالتماسات ومع شرعنة القانون، مقابل صوت واحد معارض في تشكيلة المحكمة للقاضي العربي، جورج قرا الذي دعا إلى رفض القانون، وهذا الاصطفاف على أساس عنصري قومي وحده كافٍ لدمغ القضاء الإسرائيلي بعنصرية وفوقية يهودية لم يكن لها إلا أن تضع ختمها الرسمي على قانون يكرس الأبرتهايد الإسرائيلي والفوقية اليهودية حتى خارج حدود الدولة وفي أراضي محتلة عسكرياً بحسب القانون الدولي.

المساهمون