إسبانيا تريد التأثير على أولويات الناتو للاهتمام بجناحه الجنوبي.. وتظاهرات ضد الحلف في مدريد

26 يونيو 2022
من التظاهرات في مدريد اليوم (Getty)
+ الخط -

تعتزم إسبانيا التي تستضيف الأسبوع المقبل قمة لحلف شمال الأطلسي (ناتو)، إقناع التكتل بالأهمية الاستراتيجية للتهديدات التي يتعرّض لها جناحه الجنوبي، لكن في ظلّ الحرب في أوكرانيا، فإن الأولوية بالنسبة إلى شركائها هي بشكل واضح في مكان آخر، بحسب محللين.

الوحدة في مواجهة روسيا كانت هاجس الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي أكد للمستشار الألماني أولاف شولتز، الأحد، أن الغرب يجب أن يبقى موحّدًا في مواجهة الحرب الروسية على أوكرانيا.

وقال بايدن لشولتز خلال لقاء قبيل قمة لمجموعة السبع: "علينا أن نبقى معًا".

واعتبر أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كان يأمل في أن "ينقسم حلف شمال الأطلسي ومجموعة السبع بطريقة ما". وأضاف: "لكنّنا لم نفعل ولن نفعل ذلك".

ووصف ألمانيا بأنها "أقرب حليف" للولايات المتحدة.

وأشاد بشولتز معتبرا أنه كان له "تأثير رائع على سائر أوروبا للتحرك، خصوصًا في ما يخصّ أوكرانيا".

 بايدن لشولتز:"علينا أن نبقى معًا" (فرانس برس)

ويُفترض خلال هذه القمة التي تُعقد من 28 إلى 30 يونيو/حزيران في العاصمة الإسبانية، أن يتمّ تبني "المفهوم الاستراتيجي" الجديد للناتو، الذي سيمثّل المراجعة الأولى لخريطة طريق الحلف منذ 2010.

وهذه فرصة كانت تحلم بها مدريد للدفع من أجل النظر إلى الأمور "من كل الزوايا" بما في ذلك التهديدات غير التقليدية مثل الإرهاب أو "الاستخدام السياسي لموارد الطاقة والهجرة غير القانونية" من الجنوب، وفق ما أكد وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس، الأربعاء.

وشدد ألباريس خلال مؤتمر صحافي على أن "التهديدات تأتي من الجناح الجنوبي بقدر ما تأتي من الجناح الشرقي".

من جانبها، قالت وزيرة الدفاع مارغاريتا روبلس: "هناك هذه الحرب في أوروبا لكنّ الوضع في أفريقيا مقلق بالفعل"، مشيرةً خصوصاً إلى الجماعات الجهادية النشطة في منطقة الساحل.

أصبحت إسبانيا الواقعة على مسافة كيلومترات قليلة من السواحل الأفريقية، إحدى أبرز بوابات دخول المهاجرين غير القانونيين إلى أوروبا. ودليل إضافي على ذلك، هو ما حصل الجمعة من محاولة دخول جماعية إلى جيب مليلية الإسباني الواقع على الساحل الشمالي للمغرب.

وسبق أن دخل أكثر من عشرة آلاف مهاجر في مايو/أيار 2021 إلى جيب سبتة الإسباني، مستفيدين من تساهل في عمليّات التدقيق الحدوديّة في الجانب المغربي. وجاء ذلك في خضمّ أزمة دبلوماسية مع الرباط بشأن الصحراء وندّدت آنذاك مدريد بما اعتبرته "ابتزازًا" و"اعتداءً".

وإذ تصالحت إسبانيا مع المغرب أخيرًا على حساب تبدّل موقفها بشأن الصحراء، فإن علاقاتها توتّرت مذاك مع الجزائر الداعمة للانفصاليين الصحراويين، ما يهدّد برفع سعر الغاز الذي تشتريه مدريد منها.

أوكرانيا غيّرت "المعطيات"

لكن في ظلّ النزاع في أوكرانيا في الجناح الشرقي لـ"ناتو"، تواجه مدريد صعوبة في إقناع شركائها بأهميّة جناحها الجنوبي. ويقول الخبير سنان أولغن في مؤسسة "كارنيغي أوروبا" للدراسات في بروكسل، لوكالة فرانس برس إن ذلك سيكون "مهمّة شاقّة".

ويرى أولغن وهو دبلوماسي تركي سابق أن "الحرب في أوكرانيا غيّرت المعطيات" لأن "تهديد روسيا أصبح القلق الأساسي بالنسبة إلى معظم دول" الناتو.

في واشنطن، قال جون كيربي الذي ينسّق موقف البيت الأبيض بشأن مسائل الأمن القومي والاستراتيجي، لوكالة فرانس برس إن "مركز الاهتمام الرئيسي اليوم هو الجناح الشرقي" حتى لو "أننا نولي أيضًا اهتمامًا للجناح الجنوبي".

من جانبه، أكد الأمين العام للناتو ينس ستولتنبرغ في مقابلة السبت مع صحيفة "إل باييس"، أن الحلف "سيعزز تعاونه مع بلدان الجنوب"، وذكر موريتانيا في هذا السياق.

لكن الأولوية الاستراتيجية للرئيس الأميركي جو بايدن هي الصين التي يُتوقع أن تُذكر للمرة الأولى في "المفهوم الاستراتيجي" الذي سيصدر بعد قمة مدريد.

"تهديدات روسية" في أفريقيا

لمحاولة إقناع شركائها بأهميّة الجناح الجنوبي، تلوّح مدريد بالتهديد الروسي في أفريقيا، ولمحت أيضًا إلى أن موسكو هي التي تقف خلف خلافها مع الجزائر.

وقال ألباريس، الأربعاء: "للأسف، التهديدات التي تأتي من الجنوب هي أكثر فأكثر تهديدات روسية آتية من الجنوب". وتندد الحكومة الإسبانية بالوجود المتزايد لمرتزقة روس من مجموعة "فاغنر" الخاصة في مالي وأفريقيا الوسطى.

وتخشى مدريد خصوصًا من أن يؤدي انعدام الاستقرار في هذا الجزء من القارة الأفريقية إلى زيادة الهجرة غير القانونية نحو أوروبا، وفي المقام الأول إسبانيا.

ويرى سنان أولغن أن ثمة عقبة أخرى أمام مدريد وهي أن دولًا أعضاء أخرى في الحلف منخرطة في أفريقيا على غرار فرنسا وإيطاليا وتركيا، لديها أهداف أخرى، ما يجعل تبني استراتيجية مشتركة للحلف صعبًا.

ويقول إن ذلك "هو السبب الجوهري لعدم وجود دعوة أقوى كي يلعب الناتو دورًا أكبر" في جناحه الجنوبي.

ويعتبر مسؤولون أميركيون كثر أنه يجب على الحلف أن يركّز على مسألة الدفاع الإقليمي وليس على مسألة "التهديدات الهجينة" أي غير التقليدية، بحسب أنجيل ساز مدير مركز الاقتصاد الكلي والجيوسياسة في كلية التجارة الإسبانية.

ويقول إن "التهديد الإقليمي الوحيد هو روسيا. منطقة الساحل يمكن أن تزعزع استقرار أوروبا، لكنّها لن تقتحم إسبانيا أو إيطاليا".

تظاهرات مدريد

وظهر اليوم الأحد، تظاهر آلاف الأشخاص، في وسط مدريد للمطالبة بالسلام وبحل حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وذلك قبل يومين من افتتاح القمة للحلف في العاصمة الإسبانية.

وشارك في المسيرة التي نظّمت للتنديد بعقد الاجتماع المقبل لحلف شمال الأطلسي، ناشطون يساريون ومناهضون للرأسمالية والعولمة وخبراء بيئة ومدافعون عن حقوق المرأة وشيوعيون، وكذلك حركات مثل "فرايديز فور فيوتشر" و"إكستنكشن ريبيليين"، في ظل انتشار كثيف للشرطة.

ومن الشعارات التي رددها المتظاهرون "لا للحرب، لا للناتو!" فيما حلقت مروحيات فوق المسيرة التي سلكت طريقا رئيسيا في العاصمة.

وحملت لافتات كتب عليها "اصنعوا السلام وليس الحرب" و"أوقفوا الانفاق العسكري، قدّموا للمدارس والمستشفيات".

وقال دافيد لورينتي (45 عاما) الذي يعمل في إحدى الجمعيات إنه أتى للاحتجاج على "الناتو الذي تم إنشاؤه خلال الحرب لخدمة الإمبريالية الأميركية، والذي ما زال موجوداً بدون أن يساهم في الحفاظ على السلام".

بحسب السلطات في مدريد شارك 2200 شخص في التظاهرة (Getty)

وفي رأي هذا الناشط المناهض للرأسمالية، فإن الحلف "يروج للحرب وتجارة الأسلحة" فيما "تزيد السياسة الخارجية لإسبانيا من التكاليف العسكرية بدلاً من زيادة الإنفاق الاجتماعي والصحي".

بالنسبة إلى فيرخينيا كاديث (74 عاماً) التي تقدم نفسها على أنها مناهضة للعسكرة، فإن هذا الاجتماع ليس إلا قمة "المال والسلاح والموت".

وبحسب السلطات في مدريد، شارك 2200 شخص في التظاهرة، فيما لم يذكر المنظمون تقديراتهم لعدد المشاركين.

وستخضع مدريد لإجراءات أمنية مشددة مع استضافتها قمة الناتو التي سيحضرها الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون والمستشار الألماني أولاف شولتز، مع نشر 10 آلاف عنصر من القوى الأمنية.

وتهيمن على هذه القمة مسألة التهديد الروسي وغزو أوكرانيا الذي بدأه الرئيس فلاديمير بوتين في 24 فبراير/شباط.

(فرانس برس)

المساهمون