إسبانيا: اليمين يسعى إلى نفوذ في السلطة واليسار يناور بالتوحد

20 يونيو 2023
لوحة إعلانية لحزب "فوكس" المتطرف تظهر إلقاء علم كتالونيا ورموز المثلية (Getty)
+ الخط -

إذا صحّت الاستطلاعات التي نُشرت نتائجها، الأحد والاثنين الماضيين، قبل الانتخابات العامة الإسبانية في 23 يوليو/تموز القادم، فإن اليمين المتطرف الإسباني ممثلا بحزب "فوكس" (بوكس) يمكن أن يتحول إلى بيضة قبان لحكومة المحافظين.

وأشارت الاستطلاعات التي أجرتها قناة "آر تي في إي" الإسبانية، إلى أن حزب الشعب (بارتديو بوبلار) يحصل على نحو 32% من الأصوات، بزيادة 12 نقطة عن نوفمبر/تشرين الثاني 2019، في زيادة يقدر أنها بسبب تراجع حزب يمين الوسط "سيدادانوس"، الذي لن يخوض الانتخابات القادمة، ويرجح ذهاب أصواته (7% في 2019) إلى "الشعب" المحافظ.

مؤشرات الاستطلاعات تعطي تراجعا بـ2% للحزب الاشتراكي، ليحصل على 26.6%، وتحالف "سومار" اليساري (تأسس قريبا) على 13%، وهو ما يقلص حظوظهما في تشكيل حكومة ائتلافية.

ورغم محافظة الحزب اليميني المتطرف "فوكس" على نحو 14%، إلا أنه يمكن أن يلعب دورا حاسما في إيصال المحافظين إلى السلطة.

ويشكل اقتراب "فوكس" من تقرير مصير السلطة الحاكمة، سابقة على المستوى الإسباني، منذ انتهاء فترة الديكتاتورية العسكرية لحكم فرانشيسكو فرانكو 1939- 1975.

وبحسب القناة، فإن "الشعب" و"فوكس" يقتربان من تحقيق الأغلبية لتحقيق رغبتهما بإزاحة حكومة ائتلاف الاشتراكيين واليسار بزعامة بيدرو سانشيز.

 واختار سانشيز، بعد خسائر معسكره واليساريين في انتخابات محلية في مايو/أيار الماضي، الذهاب إلى انتخابات مبكرة، على أمل إحراج المحافظين الذين عانوا أزمة قيادة، وبافتراض أن حزب "الشعب" غير مستعد لانتخابات صعبة، وبات في قبضة اليمين المتطرف "فوكس".

ويكشف الاستطلاع أن مراهنات سانشز يمكن أن تكون مكلفة بعدما أصبح لحزب الشعب المحافظ زعيم جديد، هو ألبرتو نونيز فييغو، متقدما عن انتخابات 2019، على وقع الأزمات التي تعيشها إسبانيا منذ تسلم سانشيز السلطة قبل نحو ثلاثة أعوام ونصف العام.

وعود بالتراجع عن تشريعات

يعد "فوكس" المتشدد، من بين أمور كثيرة، بالتراجع عن تشريعات سنت في السنوات الماضية، ونُظر إليها على أنها "تقدمية"، وبشكل خاص مسائل الإجهاض وتحديد الجنس والعنف في العلاقة الزوجية، وغيرها من قوانين.

وكرر زعيم الحزب، سانتياغو أباسكال، وعوده الانتخابية، مشددا على أن حزبه "لا يقدم دعما (للمحافظين) بالمجان"، وأن حزبه القومي المتشدد سيعمل على تغيير اتجاهات البلاد.

وتعهد بفرملة الحقوق المتزايدة للحكومات القومية المحلية في إقليمي الباسك وكاتالونيا، إلى جانب مطالبة الإسبان بزيادة النسل.

ومن القضايا الشعبوية الأخرى التي يلعب على وترها اليمين المتطرف، وعوده للشارع بـ"الحفاظ على التقاليد الإسبانية"، وإعادة مصارعة الثيران إلى المناطق والمدن التي حظرتها، وإعادة الاعتبار لمكانة نظام فرانكو الفاشي.

أضف إلى ذلك قضايا اللاجئين والمهاجرين، حيث يعد الحزب بإغلاق المراكز البلدية للمهاجرين. وكذا التراجع عن بعض قوانين التحول الأخضر البيئية والمناخية.

واستطاع المحافظون والقوميون المتشددون خلال الأسابيع الأخيرة تحويل مسألة الهجرة إلى مادة انتخابية دسمة، حيث تتعالى بالفعل الأصوات المطالبة بوقف الهجرة وإدخال تعديلات متشددة، مع استخدام صور وأشرطة لوصول مهاجرين بقواربهم إلى جزر الكناري.

لذا، ليس مستبعدا أن يحصل اليمين المتطرف الإسباني على نفوذ سياسي وتشريعي شبيه بما جرى التدرج فيه في إيطاليا، حيث تستغل رئيسة الحكومة جيورجيا ميلوني رحيل رئيس الوزراء الأسبق سيلفيو برلسكوني لتأكيد زعامتها للشارع القومي، ومساعي نسخته الفرنسية في "التجمع الوطني" بزعامة مارين لوبان لاستغلال الأزمات لتسجيل نقاط تراكمية.

كل تلك الوعود، وغيرها كثير في قائمة "فوكس"، تحرج يمين الوسط الذي يرى زعيمه فييغو أن حزبه "لديه خطوط حمراء، ومن غير المقبول أن يتجاوزها فوكس".

ورأت صحيفة "إل باييس"، اليوم الثلاثاء، أن مواقف المحافظين غير واضحة وغير حاسمة "فهم يريدون الأغلبية المطلقة في الأندلس ومدريد، وعليه يبرزون مواقف متطرفة، ليس أقلها مناهضة الهجرة، لإزاحة الرياح عن سفن اليمين الراديكالي".

وفي مقابل مساعي اليمين لتحقيق أغلبية، يجد الاشتراكيون أنفسهم في موقف صعب، في ظل تراجعهم بـ2% عن 2019، وتوقع تحقيقهم 26% بعد شهر.

وبحسب تفسيرات كبيرة معلقي "إل باييس"، بيلين باريريو، فإن تراجع الاشتراكيين يأتي "بسبب السياسات الاقتصادية والإصلاحات الاجتماعية".

وقالت باريريو: "مشكلة الاشتراكيين تكمن في تحالفاتهم واتفاقياتهم التي كان يصعب على الجمهور فهمها".

وتساءلت باريريو في مارس/آذار الماضي، في "إل باييس": "هل لوقف فوكس يجب وقف السانشيزية؟".

وأخذ الشارع القومي على سانشيز ما يسمونه "تقديم تنازلات" كبيرة للباسكيين والكتالونيين، إذ إن حتى أجزاء من اليسار ترفض الانفصال وما تسميه "إضعاف الوحدة الإسبانية".

ولا تبدو الأمور محسومة تماما بالنسبة لليسار، فقد استطاعت نائبة رئيس الحكومة، يولاندا دياز، من الحزب الشيوعي جمع معسكر اليسار في تحالف جديد يسمى "سومار"، ويهدف إلى منع إهدار الأصوات، للوصول إلى أكثر من 13% التي تمنحها الاستطلاعات، وربما تحقيق نتيجة أفضل لليسار يشكل طوق نجاة لمستقبل سانشيز وحكمه.

المساهمون