قبل نحو أسبوع، قالها وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، صراحةً، بأن بلاده اختبرت في سورية حوالي 320 نوعاً من الأسلحة المختلفة حتى الآن، وهو ما سبقته إليه تصريحات عدة صدرت في موسكو، من مستويات مختلفة، وأولها من الرئيس فلاديمير بوتين حول توفير ساحة الحرب السورية مجالاً واسعاً لاختبار الأسلحة الروسية، لإرفاق النتائج الحيّة في سوق السلاح العالمي. هذه الاختبارات، خلّفت العديد من المجازر بحق المدنيين السوريين، راح ضحيتها الآلاف منهم، وذهبت بجزء كبير من البنية التحتية لمدن وبلدات كثيرة في أنحاء البلاد، التي باتت عبارة عن ركام وأنقاض. اليوم، لا تزال روسيا تختبر أسلحتها في سورية، وهو ما يحدث في جبل الزاوية بريف إدلب الجنوبي، حيث خلّف تصعيد الروس والنظام السوري أخيراً مجازر راح ضحيتها عشرات المدنيين خلال شهر واحد. هذه المجازر كان عنوانها الرئيسي، اختبار الروس لقذائف "كراسنبول" الدقيقة والموجهة بالليزر، ما يضع موسكو مجدداً في دائرة الاتهام بوضع المدنيين أمام اختبار تحقيق أهداف الأسلحة على العنصر البشري، لغرض الوقوف على دقّة تلك الأسلحة.
يختبر الروس اليوم في إدلب قذائف "كراسنبول" الدقيقة والموجهة بالليزر
وأمس الخميس، قضى سبعة مدنيين، بينهم ثلاثة أطفال وسيّدة، وأصيب سبعة آخرون بجروح، بينهم طفلتان وسيّدة، وجميعهم من عائلة واحدة، جرّاء قصف قوات النظام والمقاتلات الجوية الروسية، لقرية إبلين في ريف ادلب الجنوبي. وتعتبر هذه المجزرة الرابعة التي تقع في البلدة منذ بدء التصعيد الأخير للنظام وروسيا بداية شهر يونيو/حزيران الماضي، والتي استخدما فيها قذائف "كراسنبول" الموجهة بالليزر، والمخصّصة لاختراق التحصينات. كما ارتكبت قوات النظام وروسيا خلال هذه المدة، العديد من المجازر والانتهاكات باستخدام هذه القذائف الدقيقة في معرض اختبارها، وأيضاً في إطار زيادة التصعيد الذي ينبئ بعمل عسكري برّي واسع للتوغل أكثر في جنوبي إدلب، لجهة السيطرة على مناطق جبل الزاوية والأجزاء المتبقية من ريفي حماة وحلب التي لا تزال في يد المعارضة. وتتبع جميع هذه المناطق لما يعرف بـ"منطقة خفض التصعيد الرابعة" (إدلب ومحيطها)، التي قضم النظام وحلفاؤه الروس والإيرانيون أجزاء واسعة منها على مراحل. ويصّر النظام على أحقية التقدم أكثر في المنطقة لفرض سيطرته على إدلب بأكملها، أو على الأقل الوصول إلى الطريق الدولي حلب - اللاذقية "أم 4"، بهدف تفعيله أمام الحركة التجارية للحد من مشكلاته الاقتصادية.
وغالباً ما يقدم النظام والروس على التصعيد من خلال القصف الجوي والمدفعي، لإحداث مجازر بين المدنيين، لدفع الناجين إلى المغادرة والنزوح في كل منطقة ينوون التقدم إليها. وبناء على ذلك، يمكن تحديد البقعة التي يضعها النظام والروس في تفكيرهم للتقدم إليها، وحصرها بجبل الزاوية وما يجاوره من مناطق ريف حماة الغربي.
وتستخدم قذائف "كراسنبول" لتدمير مختلف المنشآت الميدانية المحصنة، وهناك عياران لتلك القذائف: أولهما هو عيار 152 ميليمترا الروسي الكلاسيكي، وثانيهما، عيار 155 ميليمترا. وتمتلك قذيفة "كراسنبول" من العيار الثاني، مواصفات متطورة، وهي بوزن 54.3 كيلوغراما (وزن الرأس القتالي 22.5 كيلوغراما، ووزن المتفجرات 11 كيلوغراماً). يبلغ طول القذيفة 120 سنتيمتراً، ويعتبر المدى الأقصى للرمي 26 كيلومتراً. كذلك يوجد منظومة منقولة تستخدم لاكتشاف وتوجيه القذيفة من طراز "مالاخيت"، يتم تزويدها بمقياس المسافة الليزري وجهاز الرؤية الليلية وأجهزة الملاحة الفضائية وأجهزة الاتصال، وغالباً ما تعتمد القوات الروسية على توجيه تلك القذائف بواسطة الطائرات المسّيرة (درون).
من جهة أخرى، يفتح تصعيد الروس والنظام في جنوبي إدلب، أو استمراره دون توقف على الرغم من المطالبات الدولية بذلك، الباب أمام احتماليات إنهاء التصعيد بعمل عسكري برّي واسع، كما في كل مرة يضمر فيها النظام وحلفاؤه التوسع جغرافياً في عمق إدلب. ويأتي ذلك لاسيما أن النظام والروس لوحا مراراً بأحقية تحقيق تقدم في إدلب والوصول إلى طريق "أم 4" الذي يقطع إدلب عرضاً، بذريعة عدم إنجاز التفاهمات التركية - الروسية حول المنطقة، ومن بينها فتح الطريق وإبعاد التنظيمات المصنفة إرهابية. هذا الأمر سيتطلب من أنقرة والمعارضة السورية، إعادة النظر بالخيارات المطروحة للتعامل مع هذه المعطيات والتصرف على أساسها، وإن كانت المؤشرات تذهب إلى أن تركيا باتت أكثر استعداداً لوقف أي توغل جديد في إدلب، بعدما نشرت عدداَ من النقاط العسكرية لها جنوبي إدلب، لتكون جداراً نارياً قوياً أمام قوات النظام على خطوط التماس الحالية، وتلك نقاط تحتوي على قوات ومعدات ذات طبيعة هجومية ودفاعية في آن.
يفتح تصعيد الروس والنظام في جنوبي إدلب، الباب أمام احتمال إنهائه بتوغل عسكري برّي واسع
من جهتها، باتت المعارضة السورية تتحسب أكثر فأكثر من زيادة التصعيد. وعلى هذا الأساس، شكّل الاجتماع الأخير لرئيس الائتلاف السوري المعارض، المنتخب حديثاً، سالم المسلط، والذي جمع الهيئتين السياسية والرئاسية في "الائتلاف" مع الحكومة السورية المؤقتة (المعارضة) ووزارة الدفاع فيها، محطة لتكليف العسكريين في الهيئتين السياسية والعامة ضمن الائتلاف، لدراسة تصعيد حدة الرد على خروقات النظام من قبل المعارضة، والوقوف على الاحتمالات التي يمكن أن يأتي بها تصعيد الرد. وينتظر ذلك تقديم النتائج لرئاسة "الائتلاف"، ومن ثم التشاور مع وزارة الدفاع بها، لكن أي قرار حيال تصعيد الرد، لن يكون محل تنفيذ إلا بمراجعة الجانب التركي، الذي يعد الضامن والحليف للمعارضة في إدلب.
من جهته، رأى المحلل السياسي التركي، طه عودة أغلو، أنه "على الرغم من جهوزية تركيا وفصائل المعارضة السورية للرد على التهديدات الروسية ومعها النظام السوري، إلا أنه من الممكن القول بوضوح، أنه لا توجد خطة تركية واضحة أو رؤية للتعامل مع هذه التهديدات، بل جلّ التصريحات التركية تركز على ضرورة المحافظة على التفاهمات التركية - الروسية التي أبرمت في مارس/آذار 2020 (اتفاق وقف إطلاق النار)".
ويضيف عودة أغلو، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "على الرغم من استمرار القوات التركية بالانتشار في مختلف بلدات وقرى جبل الزاوية من أجل تعزيز مواقعها، لكن من المستبعد مواجهة مع النظام خلال المرحلة المقبلة".
أما القيادي في المعارضة السورية، والمحلل العسكري، فاتح حسون، فيستبعد أن تغامر روسيا في شنّ عملية عسكرية للوصول إلى الطريق "أم 4" من جهة جبل الزاوية، معللاً أن السبب يعود لكثافة الانتشار التركي عبر القواعد المجهزة بالأسلحة الثقيلة والصواريخ المضادة للطائرات، إضافة إلى التحذيرات الدولية المتعددة والصارمة.
ويضيف حسون، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "الأتراك أنشأوا في المنطقة، 60 نقطة عسكرية جديدة خلال الفترة الماضية، ودفعوا بأرتال كبيرة من الجنود والضباط، واستقدموا أسلحة ثقيلة ونوعية، ما يشير إلى أن أنقرة لن تسمح بتكرار سيناريو السماح لنظام الأسد وداعميه بالتمدد أكثر في المنطقة، وشن هجوم على إدلب". ويتوقع أنه "بسبب ذلك، قد يشارك الجيش التركي هذه المرة بفاعلية كبيرة ومؤثرة، في حال حدوث توغل برّي لنظام الأسد، مع مراعاة عدم التصادم مع الجانب الروسي، حيث إن الطرفين لا مصلحة لهما في الصدام، وليست لديهما نيّة للتصعيد".
حسون: قد يشارك الجيش التركي بفاعلية في حال توغل النظام، مراعياً عدم التصادم مع القوات الروسية
وينوه حسون إلى تشابك ملف إدلب مع الملفات الإقليمية الحالية بين روسيا وتركيا، بالقول إن "الخلاف الروسي التركي في ملف أفغانستان، وهاجس روسيا من دور مستقبلي مؤثر لتركيا قرب حدود جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق يلقي بثقله على منطقة إدلب، وأرى أن روسيا سترضخ من جديد لتفاهمات لصالح تركيا، فهواجسها في أفغانستان باتت تؤرقها بشكل تصاعدي، وليس أمامها سوى التفاهم مع تركيا".
أما بالنسبة لقوات المعارضة الحليفة لتركيا، فيرى حسون أن "الجيش الوطني لا خيار له سوى مواصلة القتال، فهو دائماً على أهبة الاستعداد لردع أي سيناريو يقوم به النظام وحليفه الروسي والرد على خروقات وقف إطلاق النار، لوقف حملة القصف العسكرية على المدنيين".