إدانة النظام السوري باستخدام الأسلحة الكيميائية: خطوة باتجاه المحاسبة؟

14 ابريل 2021
قصف النظام دوما بالكيميائي عام 2013 (فرانس برس)
+ الخط -

للمرة الثانية خلال عام، تتهم منظمة حظر الأسلحة الكيميائية النظام السوري باستخدام أسلحة محرمة دولياً في الحرب التي بدأها للقضاء على الثورة السورية. وتعزز هذه الخطوة الآمال بقرب محاسبة المسؤولين عن استخدام هذه الأسلحة في النظام، الذي أوهم المجتمع الدولي أنه سلّم كل ترسانته من الأسلحة المحرمة الدولية، ولكن الوقائع أثبتت بطلان هذا الادعاء. وأفادت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، أول من أمس الاثنين، بأن لديها "أسباباً معقولة للاعتقاد" بأن قوات النظام ألقت قنبلة تحتوي على غاز الكلور على حي سكني في مدينة سراقب، الواقعة على بعد 50 كيلومتراً جنوبي حلب، في فبراير/ شباط 2018. واعتبر فريق المحققين المكلف تحديد هوية الطرف المسؤول عن هجمات كيميائية أن "ثمة دوافع معقولة" بإلقاء مروحية عسكرية تابعة للنظام السوري "برميلاً واحداً على الأقل". وأوضح التقرير أن "البرميل انفجر ناشراً غاز الكلور على مسافة واسعة، مصيباً 12 شخصاً". واتهم التقرير قوات العميد سهيل الحسن، المعروف بـ "النمر" والذي يُنظر إليه باعتباره "رجل روسيا" في سورية، بالوقوف وراء عملية القصف، الذي حصل بعد يوم واحد من إسقاط طائرة روسية في ريف إدلب، في مؤشر إلى دور روسي محتمل في عملية القصف.


اتهمت المنظمة قوات سهيل الحسن بقصف سراقب بالكلور

 

ولم تكن هذه المرة الأولى التي تدين بها منظمة حظر الأسلحة الكيميائية النظام السوري باستخدام أسلحة محرمة دولياً، بعدما اتهمته في إبريل/ نيسان 2020 باستخدام الأسلحة الكيميائية في ريف حماة عام 2017. وذكر منسق فريق التحقيق التابع للمنظمة سانتياغو أوناتي لابوردي، في بيان، أن فريقه "خلص إلى وجود أسس معقولة للاعتقاد بأن مستخدمي السارين كسلاح كيميائي في اللطامنة (محافظة حماة) في 24 و30 مارس/ آذار 2017 والكلور في 25 مارس 2017 هم أشخاص ينتمون إلى القوات الجوية السورية". وأكد الفريق أن القصف تم باستخدام طائرات عسكرية من طراز "سوخوي 22" ومروحية تابعة لسلاح الجو السوري، مستهدفاً مستشفى ومحيطه في البلدة. وهو ما أدى إلى إصابة حوالي 50 شخصاً بحالات اختناق، حسبما أفاد ناشطون. وكان النظام قد باشر استخدام الغازات السامة مبكراً في سياق محاولات لم تنجح في القضاء على الثورة السورية. لكنه استخدم هذا السلاح على نطاق واسع في منتصف عام 2013، حين قصف الغوطة الشرقية للعاصمة دمشق بغازات سامة، أدت إلى مقتل وإصابة آلاف السكان المحاصرين. واستغلت إدارة الرئيس الأميركي في ذلك الحين باراك أوباما المجزرة، التي لقيت صدىً دولياً واسعاً، لإجبار النظام على تسليم ترسانة كبيرة من الأسلحة المحرمة دولياً. وفي نهاية شهر سبتمبر/ أيلول عام 2013، أصدر مجلس الأمن الدولي قراراً بالإجماع تحت الرقم 2118، يدين استخدام الأسلحة الكيميائية في سورية، ويطالبها بنزعها وتدميرها. وانضم النظام في حينه إلى معاهدة حظر الأسلحة الكيميائية، سامحاً بعمليات تفتيش عن الأسلحة المحرمة من قبل خبراء المنظمة. وفي مطلع عام 2016 أعلنت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية أنه تم تدمير مخزون السلاح الكيميائي في سورية، لكن الوقائع أثبتت أن النظام لم يسلّم كامل ترسانته، مع استخدامه الغازات السامة لاحقاً مئات المرات في مناطق عدة. وأكدت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" أن النظام أعاد استخدام الأسلحة الكيمائية 184 مرة بعد مصادقته على اتفاقية حظر استخدام وتصنيع الأسلحة الكيميائية في سبتمبر 2013. وفي عام 2017 وحده سجل فريق "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" ما لا يقل عن 9 هجمات كيميائية، نفَّذها النظام بين يناير/ كانون الثاني وإبريل من العام عينه، في إدلب وحماة وريف دمشق ودمشق. وكان أبرزها الهجمة التي شهدتها مدينة خان شيخون في ريف إدلب الجنوبي في 4 إبريل، التي راح ضحيتها 76 مدنياً، بينهم 25 طفلاً، و16 سيدة، نتيجة قصف بصواريخ تحمل غازات سامة ألقتها طائرات ثابتة الجناح من طراز "سوخوي 22" تابعة للنظام. ورداً على هذا الهجوم، قصفت الولايات المتحدة في 7 إبريل مطار الشعيرات في ريف حمص الشمالي، بعشرات الصواريخ من طراز "توماهوك". وفي 7 إبريل 2018، قصفت طائرة تابعة للنظام مدينة دوما في الغوطة الشرقية بغازات سامة، أودت يومها بحياة ما لا يقلّ عن 70 شخصاً، بينهم أطفال ونساء، بحسب تقارير إعلامية وحقوقية. وأكد سكان ومختصون في حينه أنّ الغاز الذي استخدم مشابه لذلك الذي استُخدِم في قصف الغوطة الشرقية، في أغسطس/ آب 2013. وفي مايو/ أيار 2019، أفادت الخارجية الأميركية في بيان بأن هناك دلائل على أن النظام ربما استأنف استخدام الأسلحة الكيميائية، بما في ذلك هجوم يعتقد أنه كان بغاز الكلور في شمال غربي سورية. وأوضح رئيس "الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، فضل عبد الغني، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن المجتمع الدولي اتهم عشرات المرات النظام السوري باستخدام الأسلحة المحرمة الدولية. وأضاف أن منظمة حظر الأسلحة الكيميائية أصدرت تقريرين، ويتضمن الأول 3 اتهامات للنظام والثاني اتهاماً واحداً، أي أن هناك أربع هجمات بأسلحة محرمة. وأشار إلى أن أهمية التقرير الثاني "تكمن في الإشارة إلى مسؤولية قوات النمر المدعومة من قبل الروس، ما يعني تورطاً روسياً في هذه الهجمة". وأشار عبد الغني إلى أن تحقيقات منظمة حظر الأسلحة "مستمرة حول هجمات أخرى، رغم محاولات الجانب الروسي تخطي هذا الملف"، مضيفاً أن التقرير الذي صدر يوم الاثنين الماضي أتى من أعلى جهة دولية مختصة وبمنهجية صارمة جداً، ولا يستطيع الروس التشكيك في هذا التقرير. وذكر أنه "يجب إحالة الاتهامين إلى مجلس الأمن الدولي لاستخدام القوة ضد النظام السوري الذي ما زال يمتلك أسلحة كيميائية"، مشدّداً على أنه لا رادع للنظام إلا بالتدخل العسكري الدولي، لأنه أعاد استخدام الأسلحة المحرمة بعد الإعلان عن تدمير مخزونه من هذه الأسلحة. إن النظام لا يهتم على الإطلاق بالإدانة فقط.


استخدم النظام الكيميائي 262 مرة بعد صدور القرار 2118

 

من جهته، أوضح مدير مركز توثيق الانتهاكات الكيميائية في سورية، نضال شيخاني، لـ "العربي الجديد"، أن المركز "وثق استخدام الأسلحة الكيميائية من قبل النظام السوري 262 مرة بعد صدور القرار الدولي 2118، ما تسبب بمقتل 3423 شخصاً وإصابة 13947 آخرين". وأوضح أن المركز والفرق الدولية تمكنا من الوصول والتحقيق في 64 حادثة فقط. وذكر شيخاني أن منظمة حظر الأسلحة الكيميائية ستعقد الاجتماع السنوي لدول الأطراف في 20 إبريل الحالي. وكشف أنه من المفترض أن يتم التصويت على مقترح فرنسي، يقضي بتجميد عضوية النظام السوري في الاتفاقية، ما يعني حرمانه من التصويت والمشاركة في أنشطة المنظمة، بما في ذلك تشكيل آلية قضائية تضمن حق محاكمة المسؤولين عن هذه الانتهاكات. واعتبر شيخاني تكرار إدانة النظام من منظمة حظر الأسلحة الكيميائية "أمراً مهماً للغاية لإقناع الدول الأطراف في الاتفاقية باتخاذ قرار صارم يضمن توازن الاتفاقية ومحاسبة المتورطين وعدم الإفلات من العقاب". وأوضح أن مركز توثيق الانتهاكات الكيميائية "كان شريكاً في تقرير فريق التحقيق وتحديد الهوية، في اتهام العام الماضي والعام الحالي. وشدّد على أن محاسبة المتورطين في استخدام الأسلحة الكيميائية واجب أخلاقي على الدول والأطراف، فالتهاون في المحاسبة وفي إخلاء سورية من أسلحة الدمار الشامل، سيسبب أزمة للأمن العالمي.