إدارة بايدن والأمم المتحدة وطفرة التكتلات الدولية

18 سبتمبر 2023
لدى وصول بايدن إلى مطار جون كينيدي في نيويورك 17 سبتمبر 2023 (Getty)
+ الخط -

غادر الرئيس الأميركي جو بايدن ليل الأحد الاثنين واشنطن إلى نيويورك، للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تبدأ جلساتها، الثلاثاء. وكان قد سبقه أمس وزير الخارجية أنتوني بلينكن مع فريق من 26 دبلوماسياً من كبار معاونيه.

عادة ما تكثف الإدارة الأميركية حضورها في هذا الموسم الأممي، للتواصل مع القيادات الدولية المشاركة فيه، بشأن القضايا والملفات والعلاقات الثنائية والمشتركة، لكن المشهد هذه المرة مختلف، وكذلك الهموم والمهمات.

أربع من الدول الخمسة الدائمة العضوية في مجلس الأمن، قياداتها متغيبة، فضلاً عن بعض رؤساء الدول الصاعدة مثل الهند. ويأتي ذلك في وقت تعاني فيه المنظمة الدولية من تزايد الضمور في حضورها ودورها والذي كانت ذروته في غيابها أو بالأحرى تغييبها التام عن حرب أوكرانيا، ناهيك عن الحروب والأزمات الأخرى وصولاً إلى أزمة السودان.

وثمة من يربط بين هذا التلاشي البطيء وبين بروز ظاهرة التكتلات الدولية التي طفت على السطح في الآونة الأخيرة، على شكل تحالفات أو شراكات قامت واشنطن بنسج معظمها وبوتيرة متسارعة في أكثر من ساحة إقليمية، للاستقواء بها في الصراعات الجيوسياسية الجارية لإقامة توازنات دولية جديدة. وكلها بدت مرشحة للتوسع والترسّخ.

من "بريكس" للدول الناشئة والطالعة إلى "كواد" (الولايات المتحدة، اليابان، الهند وأستراليا)، مروراً بنواة "الناتو" الآسيوي الأميركي (واشنطن، اليابان وكوريا الجنوبية) والذي وضعت أسسه في قمة كامب ديفيد مطلع الصيف؛ وانتهاء بـ"إبراهيميات" الشرق الأوسط والتي تعمل إدارة بايدن جهدها لاستكمالها بالحلقة السعودية - الإسرائيلية.

يذكر أن لقاء الرئيس بايدن المقرر الأربعاء القادم مع نتنياهو، على هامش أعمال الجمعية العمومية، يتصدر من حيث الأهمية بقية لقاءاته في نيويورك. وبالتحديد في جانبه "الإبراهيمي". فإدارته تشدد على "أهمية التحالفات" في مواجهة التحديات الخارجية، خاصة في الصراع المحتدم على القطبية الدولية، وخصوصاً مع الصين.

وفي هذا الصدد هي لا تتردد في نسج "علاقات قوية حتى مع بلدان نختلف معها"، كما قال الوزير أنتوني بلينكن في محاضرته يوم الأربعاء الماضي في كلية الدراسات الدولية في جامعة جون هوبكنز في واشنطن. وقد خصصها لمسألة التحالف، ومدى تعويل الإدارة عليه كمفتاح رئيسي لتوجّه مفتوح على عقد مشاركات دولية جديدة، وفق قواعد "الهندسة المتغيرة" كما سمّاها. مفهوم جديد كأنه يعني به أن تكون الشراكة محددة بظروف معينة، وبما يوفر "خليطاً من الحلفاء".

وفي هذا تلميح إلى شيء من التراجع عن شرطي الديمقراطية وحقوق الإنسان للتعاون إذا اقتضت الأحوال. أو على الأقل أنه ترك هذا الاحتمال مفتوحاً إذا لزم الأمر. وفي هذا السياق أشار إلى "اتفاقيات أبراهام"، وعزم الإدارة على تمديد رقعتها لتشمل المملكة، كما إلى رغبتها في "مساعدة لبنان وإسرائيل على ترسيم حدودهما البرية".

التحالفات ليست ظاهرة طارئة على المسرح الدولي، الجديد فيها أنها تأخذ الآن صيغة تكتلات متواجهة، في ظل حالة دولية مأزومة، يسودها التوتر والفوضى، وأحياناً شبه انقطاع في التواصل بين الخصوم، من شمال أوروبا إلى بحر الصين، مروراً بالشرق الأوسط، فضلاً عن أزمات الغذاء والمناخ والنزوح العابر للحدود.

وكل ذلك يحصل في وقت صارت فيه الأمم المتحدة أقرب إلى منبر لعرض المظالم منها إلى مؤسسة وجدت لحل النزاعات والأزمات بالطرق السلمية. مجلس أمنها معطّل. إصلاحه ممنوع. سيف الفيتو لا يسمح به. حدة الاصطفافات مع ضعف صمامات الأمان هذا إذا وجدت، تعزز المخاوف، خصوصاً على جبهة الحرب الأوكرانية التي بدأ يحتدم الجدل حولها في واشنطن، وبالتحديد في الكونغرس، إضافة إلى جبهة التوتر مع الصين.

المساهمون