إخفاق المفاوضات الأميركية العراقية بشأن أمن السفارة في بغداد

29 سبتمبر 2020
خلال اقتحام محتجين السفارة الأميركية في بغداد في ديسمبر الماضي (مرتضى سوداني/الأناضول)
+ الخط -

حتى يوم أمس الإثنين، أخفق المسؤولون العراقيون في بغداد، في إقناع نظرائهم الأميركيين بالتدابير الأمنية المتخذة حول السفارة الأميركية في المنطقة الخضراء وسط بغداد، من خلال سلسلة لقاءات مكثفة أجراها السفير ماثيو تولر مع المسؤولين العراقيين في اليومين الماضيين، كان آخرها لقاؤه مستشار الأمن الوطني العراقي قاسم الأعرجي أمس. وفي أول تصريح له بعد الحديث عن نية الولايات المتحدة إغلاق سفارتها في بغداد، أكد تولر، خلال لقائه الأعرجي أمس، استمرار دعم بلاده للعراق "في مجالات الأمن ومكافحة الإرهاب والمساعدة في تخطي التحديات الراهنة"، بحسب بيان لمكتب الأعرجي. وأكد البيان أنّ الجانبين بحثا التعاون المشترك في مختلف المجالات، والسبل اللازمة لتطوير العلاقات المتنامية بين بغداد وواشنطن. من جهته، شدد الأعرجي على "ضرورة أن تشهد المرحلة الحالية مزيدا من الاستقرار والهدوء لتنعم المنطقة والعالم بالأمن".

قوة من الوحدات الخاصة تسلّمت مسؤولية المنطقة الخضراء

في الأثناء، أكدت مصادر متطابقة لـ"العربي الجديد"، أنّ قوة من الوحدات الخاصة المرتبطة بجهاز مكافحة الإرهاب تسلّمت مسؤولية المنطقة الخضراء بشكل فعلي، بعد حراك أميركي جدي هو الأول من نوعه منذ عام 2003، يهدف إلى إغلاق السفارة في بغداد ونقل طاقمها إلى مقر القنصلية الأميركية في أربيل بإقليم كردستان. وفي هذا الإطار، أكد مسؤول عراقي في بغداد لـ"العربي الجديد"، أنّ الأميركيين يقولون إنّ لديهم معلومات مؤكدة عن هجوم وشيك على مبنى السفارة من قبل جماعات موالية لإيران، ولخطورة ذلك سيغلقونها مؤقتاً، مع الإبقاء على وحدة صغيرة من الكوماندوس فيها. وأوضح أنّ قرار الإغلاق يدعمه الرئيس دونالد ترامب، خشية تكرر حادثة الهجوم على السفارة الأميركية في مدينة بنغازي الليبية في سبتمبر/أيلول عام 2012، والتي عرّضت وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك، هيلاري كلينتون، لانتقادات شديدة من معارضيها، وكانت إحدى أسباب تراجعها في الانتخابات الرئاسية عام 2016.
وكشف المسؤول نفسه عن أنّ "السفارة كانت قد أوقفت منذ مدة الكثير من أنشطتها المتعلقة بالبرامج الثقافية والتعليمية ومنح التأشيرات وغيرها، بسبب جائحة كورونا، ولا علاقة للأمر بالتهديدات الأخيرة، كما يشاع، غير أنّ هناك فعلياً حراكا داخل السفارة التي تحتوي على مدرج هبوط مروحيات، ويتم استخدامه في التنقل من السفارة إلى مطار بغداد الدولي، لذا لا يمكن الجزم بنوع هذا التحرك؛ هل هو إخلاء تدريجي للسفارة أم غير ذلك؟".

وأشار إلى أنّ ما عزز المخاوف من هجوم، هو انتقال عدد من قادة الفصائل المسلحة إلى خارج بغداد، مثل أكرم الكعبي زعيم "حركة النجباء"، الذي انتقل إلى بيروت بشكل مفاجئ، قبل أن يصدر بياناً، أول من أمس الأحد، يهدد فيه السفارة، معتبراً أنها "ثكنة عسكرية للاحتلال"، ليعقبه تصريح لزعيم "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي، الذي برر الهجمات على السفارة الأميركية في بيان صدر السبت الماضي، علماً أنّ الأخير في إيران منذ مدة. وخرجت الرئاسات العراقية، من جانبها، بموقف موحد إزاء عمليات استهداف المراكز والمقرات المدنية والعسكرية في العراق، ومنها المقار الأميركية، والتي تنفّذها مليشيات مرتبطة بإيران، مؤكدةً دعمها لخطوات الحكومة في حماية البعثات الدبلوماسية والتصدي للأعمال الخارجة عن القانون، وحصر السلاح بيد الدولة.

الأميركيون يتحدثون عن معلومات حول هجوم وشيك على السفارة

واتسعت، خلال الأيام الأخيرة، حملة الإدانة والرفض لتلك العمليات، من قبل أطراف سياسية وحكومية، أبرزها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، وقيادات أخرى، مطالبين بمحاسبة الجهات التي تنفذها. ومنذ 13 أغسطس/آب الماضي، تعرضت المنطقة الخضراء إلى 27 هجوماً صاروخياً، سقط قسم منها في محيط السفارة الأميركية، فيما صدّت منظومة الصواريخ الموجودة في السفارة، في الخامس عشر من الشهر الحالي، إحدى الهجمات. وحول الموضوع، قال عبد الرحمن الجبوري، المستشار السياسي لرئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، في حديث لـ "العربي الجديد"، إنّ "هناك تهديداً حقيقياً لكيان الدولة العراقية، والحكومة تحاول منع حصول أزمة من خلال إغلاق السفارة الأميركية، فإغلاقها يعني إغلاق جميع المصالح العالمية في بغداد، وهذا يجعل العراق دولة معزولة، ويمكن أيضاً أن يؤدي الأمر إلى عودة وضع العراق تحت البند السابع". وأوضح الجبوري أنّ "السفارة الأميركية في بغداد، ليست سفارةً للولايات المتحدة فقط، بل هي تمثيل للمجتمع الدولي داخل الدولة العراقية، وهذا التمثيل يجب أن يحمى، وإذا كان هناك خلاف مع أميركا أو مع أي دولة أخرى، فيجب حله من خلال القانون الدولي والأعراف الدبلوماسية".
وأضاف أنه "إذا أعلن أي فصيل مسلح حربه على السفارات، فهنا يكون من واجب الدولة ردّ هذا الفصيل، والحكومة العراقية تحاول قدر الإمكان حماية البعثات الدبلوماسية بشكل عام وليس السفارة الأميركية وحدها. فهذه البعثات موجودة داخل العراق وفق رغبة الحكومة، وحسب القوانين الدولية، ولهذا بغداد تقوم بكل جهد لحماية تلك البعثات". وختم مستشار رئيس الوزراء العراقي بالقول إنّ "الحكومة العراقية تقوم باتصالات مع الإدارة الأميركية، من أجل إيجاد حلّ يمنع إغلاق السفارة".

من جهته، أكد المستشار السابق في التحالف الدولي ضدّ تنظيم "داعش" بقيادة واشنطن، كاظم الوائلي، في اتصال مع "العربي الجديد"، أنّ "إغلاق السفارة الأميركية في بغداد يعني إغلاق سفارات الاتحاد الأوروبي وبعض سفارات دول الخليج ودول أخرى، وحتى بعثة الأمم المتحدة. فوجود السفارة الأميركية، هو عامل حماية للبعثات الدبلوماسية الأخرى المجاورة لها في المنطقة الخضراء".

الوائلي: إغلاق السفارة الأميركية سيحوّل العراق إلى مكان أكثر خطورة

وأوضح أنّ "التحذيرات الأميركية للحكومة العراقية بشأن أمن السفارة قائمة منذ مدة، لكن يبدو أنّ هناك معلومات غيّرت مجرى الأمور، خصوصاً أنّ السفارة لدى الأميركيين جزء من سيادة الدولة. فهم لا يهتمون كثيراً إذا قتل جندي، فالأخير في ميدان قد يقتل فيه، لكن المواطن الأميركي أو الدبلوماسي أمر مختلف بالنسبة لهم"، وفقاً لقوله. وحذّر الوائلي من أنّ "إغلاق السفارة الأميركية سيحوّل العراق إلى مكان أكثر خطورة، وستكون الدولة كليبيا في زمن (معمر) القذافي، والعراق في زمن (الرئيس الأسبق) صدام حسين، وكإيران وسورية حالياً، وغيرها من الدول، في الوقت الذي يمرّ فيه العراق بأوضاع صعبة وخطيرة جداً على مختلف الأصعدة".
من جانبه، قال نائب رئيس لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي، ظافر العاني، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ "اعتداءات الفصائل المسلحة ضدّ البعثات الدبلوماسية ومصالحها في العراق، يبدو أنها قد أوصلت المجتمع الدولي إلى حافة اليأس من إمكانية سيطرة الحكومة عليها وتوفير الأمن لهذه البعثات". وأضاف أنّ "واشنطن ومعها الدول الأوروبية، قد توصلت إلى قرار بغلق بعثاتها الدبلوماسية، مع رسالة تحذيرية أنها ولحين الانتهاء من تصفية وجودها في العراق، فإنها سترد بقوة على أي تهديد جديد لتواجدها".
وأوضح العاني أنّ "الحكومة العراقية أوصلت فحوى الرسالة إلى طهران، باعتبارها الراعي الرئيسي للمليشيات التي تقوم بهذه العمليات"، مضيفاً: "لا شكّ أنّ هذا التطور ينطوي في مضمونه على سحب الشرعية من النظام السياسي العراقي ودمغ الدولة باعتبارها فاشلة". ولفت إلى أنّ "هذه الأحداث تفسّر الصراع الدائر اليوم في العراق ما بين الدولة وقوى اللادولة، إذ تريد الأخيرة خطف العراق من أبنائه ليصبح تابعاً إلى إيران".

وعلى الرغم من عدم كشف السلطات العراقية عن هوية الجهات التي تستهدف البعثات الأجنبية والمصالح الأميركية في البلاد، إلا أن الولايات المتحدة تتهم مليشيات مسلحة مدعومة من إيران باستهداف سفارتها في العراق وقوات التحالف الدولي والمتعاونين معها. لكن طهران حاولت، أمس الإثنين، التنصل من هذه الاتهامات، إذ جددت رفضها للهجمات المتكررة التي استهدفت بعثات دبلوماسية في العراق، وذلك على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زادة، الذي أكد في مؤتمر صحافي رفض بلاده التعرض بأي شكل من الأشكال لمقرات البعثات الدبلوماسية، متهماً جهات خارجية بتدبير هذه العمليات من دون تسميتها. وقال إنه "للأسف خلال الأشهر الأخيرة شهدنا هجمات على مقرات دبلوماسية ولدينا معلومات دقيقة أن هذه الهجمات والاعتداءات تحدث بتحريض من جهات خارجية". ولفت كذلك، إلى أنّه "في الفترة السابقة تعرضت مقرات دبلوماسية إيرانية إلى اعتداءات بتحريض من دول أجنبية".
كما غيرت قوى سياسية عراقية مقربة من إيران أخيراً موقفها من استهداف البعثات الدبلوماسية، بعد أن كانت تؤيد إخراج أميركا ومصالحها من العراق. ورفض عضو البرلمان عن تحالف "الفتح" (الجناح السياسي للحشد الشعبي)، حامد الموسوي، استهداف السفارات والبعثات الدبلوماسية في العراق، قائلاً في مقابلة تلفزيونية الأحد، إنّ تحالفه "يرفض الهجمات التي تطاول السفارات والبعثات بما فيها الأميركية".

المساهمون