إثيوبيا تغرق في صراع العرقيات

08 ابريل 2021
دخلت حرب تيغراي شهرها الخامس أخيراً (الأناضول)
+ الخط -

تتفاقم الاضطرابات في الداخل الإثيوبي قبل أقل من شهرين على الانتخابات العامة المقررة في 5 يونيو/حزيران المقبل، المؤجلة أصلاً منذ أغسطس/آب الماضي بفعل تفشي وباء كورونا، وسط أزمات متلاحقة تتراكم في وجه حكومة أبي أحمد. وآخر تلك الأزمات كان تجدد الصراع التاريخي بين إثنيتي عفر وصومالي في شمال شرقي البلاد، وعودة القتال بين إثنيتي أورومو وأمهرة، الرئيسيتين في إثيوبيا. ومن شأن تعدد ساحات القتال، المُضافة إلى حرب إقليم تيغراي، المستمرة منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، التأثير على ملفات داخلية، لجهة إرجاء الانتخابات مجدداً، وخارجية، خصوصاً ملف سد النهضة، والعلاقات بين إثيوبيا وجوارها.


يعود الصراع بين عفر وصومالي إلى ما قبل استقلال الصومال وإثيوبيا

وعاد القتال بين إثنيتي عفر وصومالي، يوم الجمعة الماضي، مع سقوط عشرات القتلى، حسب ما أفاد مسؤولون محليّون أول من أمس الثلاثاء. وقال المتحدّث باسم إقليم عفر أحمد كالويتي لوكالة "فرانس برس" إنّ وحدات أمنية تابعة لإقليم صومالي (المعروف أيضاً باسم إقليم أوغادين ويقع على الحدود الجنوبية لإثيوبيا مع الصومال) شنّت يوم الجمعة الماضي هجوماً على منطقة هاروكا، حيث "أطلقت النار عشوائياً على السكّان وقتلت ما لا يقلّ عن 30 من البدو الرحّل من العفر" وأصابت 50 آخرين بجروح. وأضاف أنّه "على الأثر صدّ السكّان المحليّون المهاجمين". وأوضح أنّ دورة العنف لم تنته هنا، بل تمددت أول من أمس الثلاثاء، من منطقة هاروكا إلى منطقتين أخريين مجاورتين لها، مع شنّ وحدات عسكرية تابعة لإقليم صومالي هجمات بقاذفات صواريخ ومدافع رشاشة مثبّتة على مركبات و"قتلت عدداً غير معروف من المدنيين، بمن فيهم نساء وأطفال كانوا غارقين في النوم".

وكما يحصل في تيغراي، لا يمكن التحقّق بشكل مستقلّ من صحة الأنباء، ولا من صحة ما أدلى به المتحدثّ باسم منطقة صومالي عبدو حلو، الذي اتّهم قوات أمنية تابعة لإقليم عفر بإشعال فتيل أعمال العنف هذه. وأشار في حديث لـ"فرانس برس" إلى أنّ "التصعيد الأخير للعنف بدأ يوم الجمعة الماضي، عندما هاجم شرطيون تابعون لإقليم عفر أفراداً من البدو الرحّل من إقليم صومالي لأسباب مجهولة". وأضاف أنّه "حتّى الآن قُتل أكثر من 25 مدنياً وأصيب أكثر من 30 آخرين بجروح"، مؤكّداً أنّ "الهجوم" مستمرّ وأنّ السلطات الفيدرالية "لم تتّخذ أيّ إجراء لتهدئة الوضع".

ويعود الصراع بين عفر وصومالي إلى ما قبل استقلال الصومال عن بريطانيا في عام 1960، وإثيوبيا عن إيطاليا عام 1941، لكنه تجدد لاحقاً بسبب منح البريطانيين إقليم صومالي (أوغادين) إلى إثيوبيا، فضلاً عن تخصيص مناطق في الإقليم لإثنية عفر. وكان سكان الإقليم يمنّون النفس بالاتحاد ضمن دولة "الصومال الكبرى". وفي عام 1977 اندلعت حرب أوغادين بين أديس أبابا ومقديشو، التي استمرت 8 أشهر، قبل أن تنتهي بتأكيد إثيوبيا سيطرتها على الإقليم، لكنها أدت أيضاً إلى نشوء حركة ثورية فيه. ودامت ثورة صوماليي أوغادين حتى عام 1991، مع سقوط الصومال في حربه الأهلية. وعلى الرغم من محاولات الحكومة المركزية في أديس أبابا، خصوصاً في عهد أبي، معالجة الخلافات، بدءاً من جولاته الخارجية على دول الجوار، إلا أن ذلك لم يعد كافياً في الوقت الحالي. مع العلم أن الجوار الإثيوبي تورّط في الصراعات العرقية، فدعمت جيبوتي عفر فيما دعم الصومال صوماليي إثيوبيا.


أورومو وأمهرة هما أكبر إثنيتين في إثيوبيا

لكن خلافات صومالي ـ عفر ليست الوحيدة في إثيوبيا متعددة العرقيات، فقد نشبت أعمال عنف جديد بين إثنيتي أورومو وأمهرة. وأفادت السلطات المحليّة في جيل ـ تيموغا، المنطقة الواقعة في إقليم أمهرة، ويقطنها أكثرية من إثنية الأورومو، أنّ 68 شخصاً قتلوا وأصيب 114 آخرون بجروح في "هجوم وقع أخيراً"، من دون تحديد الزمان. وأضافت أنّ الهجوم دفع أكثر من 40 ألف مزارع إلى مغادرة منازلهم، وتمّ إيواؤهم في ثلاثة مخيّمات مؤقّتة. وللقتال بين الإثنيتين مخاطر عدة، بدءاً من كونهما الأكبر في البلاد، إذ تُشكّل عرقية أورومو نحو 40 في المائة من عديد الإثيوبيين، في مقابل 30 في المائة لعرقية أمهرة. وسبق أن عانى الأوروميون من الإجحاف ضدهم، مع تهميشهم تاريخياً وإبعادهم عن السلطة، سواء عبر الأمهريين بالذات الذين حكموا إثيوبيا لأكثر من قرن، من نظام الإمبراطورية إلى نظام "الديرغ" الاشتراكي الذي سقط عام 1991. بعدها قادت إثنية تيغراي البلاد مع رئيس الوزراء ميليس زيناوي، حتى عام 2012، ثم قاد خلف هايلي مريام ديسالين، المنتمي إلى عرقية ولايتا، زيناوي، حتى عام 2018، مع وصول أبي، أول رئيس وزراء من أورومو.

وتاريخياً، تعتبر إثنية أمهرة الأقوى في البلاد، فلغتها هي اللغة الرسمية لإثيوبيا، فضلاً عن كونها لغة التعاملات التجارية والمراسلات العائدة للجيش الفيدرالي. أما أورومو فهي الإثنية الأكثر تعرّضا للإقصاء من السلطة. ويبرز أيضاً العامل الديني في هذا الصراع، فأكثرية الأمهريين من المسيحيين، فيما أكثرية الأوروميين من المسلمين.
(العربي الجديد)

المساهمون