إبادة وتواطؤ... شمال غزة وحيداً في وجه "خطة الجنرالات"

18 أكتوبر 2024
أقارب شهداء في مستشفى ناصر، خانيونس، 17 أكتوبر 2024 (عبد الرحيم الخطيب/الأناضول)
+ الخط -

بينما ينصبّ التركيز الإعلامي على الحرب الإسرائيلية ضد لبنان، يواصل قطاع غزة، الذي تروّج إسرائيل أنه جبهة قتال ثانوية، إحصاء أيام الحرب المتواصلة منذ أكثر عام، بل يمعن جيش الاحتلال في حرب الإبادة التي يشنها ضد المدنيين مرتكباً كل أشكال الجرائم، لتضاف إليها العملية التي بدأها في السادس من أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، على شمال غزة الذي يعزله لليوم الـ13 على التوالي بحصار السكان والمستشفيات وتفخيخ المنازل وقصف مراكز الإيواء على من فيها، لا سيما في مخيم جباليا، في ترجمة دموية لـ"خطة الجنرالات" التي وضعها اللواء في الاحتياط غيورا آيلاند. وباتت كل المؤشرات رغم نفس الاحتلال تدل على استعداد القوات الإسرائيلية للبقاء، خصوصاً في الشمال، بعد إفراغه من السكان واعتبار كل من بقي فيه مقاتلين، وهو ما يفشله صمود السكان والطواقم الطبية برفض التوجه جنوباً لاسيما أن لا مكان آمناً في القطاع.

كل ذلك وسط صمت عربي وغربي بلغ حد التواطؤ، تاركاً شمال غزة لمصيره، وباقي مناطق القطاع لمزيد من المجازر والحصار، في ظل توقف مفاوضات وقف إطلاق النار، واستمرار غياب دخول الصحافيين من خارج القطاع لتغطية الجرائم. وتبنى جزء من الإعلام وقادة غربيون منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 موقف تبرير قتل الغزيين، حتى الأطفال منهم في مراكز الإيواء من مدارس ومساجد ومراكز الأمم المتحدة، بحجة وجود مقاتلي "حماس"، وهي جرائم كانت حاضرة أمس، بقصف الاحتلال مدرسة أبو حسين التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، في مخيم جباليا شمالي القطاع، ما أسفر عن استشهاد 22 فلسطينياً على الأقل.

وأكد رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في مؤتمر صحافي بختام القمة الأولى لمجلس التعاون لدول الخليج والاتحاد الأوروبي في بروكسل، أمس، أن تطورات الأوضاع في قطاع غزة ولبنان استحوذت على الجزء الأكبر من المباحثات. وفي رد على سؤال حول مفاوضات وقف إطلاق النار في القطاع، التي تتوسط فيها الدوحة والقاهرة وواشنطن، قال إنه خلال الأسابيع الماضية "لم تكن هناك أي اتصالات أو حوارات، نحن وجدنا أنفسنا ندور في حلقة مفرغة بصمت من كل الأطراف". كذلك دعت مصر وإيران، أمس، إلى "تكثيف الجهود" من أجل وقف الحرب في غزة ولبنان، عقب لقاء بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ووزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، في القاهرة.

حصار ومجاعة في شمال غزة

ويرى الاحتلال مهلة الـ30 يوماً التي منحتها واشنطن لتل أبيب، منذ أيام، من أجل تحسين الوضع الإنساني في القطاع، من باب تجنّب عدم عرقلة الجسر الجوي المفتوح للأسلحة الأميركية إلى إسرائيل، فرصة لاستمرار الإبادة، إذ يكفي على ما يبدو، السماح لطائرات مساعدات مجهولة بإلقاء مساعدات على خيام المهجرين، أمس، غرب خانيونس جنوبي قطاع غزة، أو الحديث عن دخول وقود ومساعدات طبية إلى مستشفيات الشمال، تكذبها الجهات المعنية في غزة، وإجراءات الاحتلال على المعابر. ونقلت وكالة رويترز عن 12 مصدراً أمس، أنه منذ 11 أكتوبر الحالي، لم يتمكن التجار في غزة، الذين كانوا يستوردون المواد الغذائية من إسرائيل ومن الضفة الغربية المحتلة، من الوصول إلى منظومة أتاحتها وحدة تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق، ولم يتلقوا أي رد على محاولات للاتصال. وأظهر تحليل أجرته "رويترز" لبيانات إسرائيلية رسمية أن هذا التحول أدى إلى انخفاض تدفق السلع إلى غزة إلى أدنى مستوى منذ بداية الحرب. من جهتها، لم ترد وحدة تنسيق أعمال الحكومة في المناطق على أسئلة "رويترز" حول واردات الغذاء التجارية والمساعدات إلى القطاع، علماً أنها تقول إن إسرائيل لا تمنع دخول المساعدات الإنسانية.

من جهتها، قالت مبادرة التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، وهو مرصد عالمي، في تقرير أمس، إن قطاع غزة بأكمله لا يزال معرضاً لخطر المجاعة، وإن نحو 1.84 مليون شخص يعانون في أنحاء القطاع الفلسطيني من مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي الحاد، بما في ذلك ما يقرب من 133 ألف شخص يعانون من أشد هذه المستويات، والتي تُعرف بأنها "كارثية". كذلك حذرت مؤسسات خدماتية شمال قطاع غزة، من "كارثة صحية وبيئية كبيرة" من جراء تراكم أطنان النفايات بالشوارع والطرقات، مع منع إسرائيل إدخال الوقود للمناطق التي تحاصرها منذ 13 يوماً. وصدر بيان مصور، أمس، عن "مؤسسات خدمية" لم يتم تحديد هويتها، ذكر أن "مناطق شمال غزة تتعرض لحصار مطبق من قبل إسرائيل ومنع دخول الغذاء والدواء بهدف دفع السكان للنزوح نحو الجنوب". وأضاف أن "إسرائيل حوّلت شمال القطاع إلى مكان غير لائق للحياة" بقصفها المستشفيات والمرافق الخدماتية.

في المقابل، زعم موقع واينت الإسرائيلي، أمس، تحققه مما يحدث في الأروقة الإسرائيلية، واكتشافه أنه "لم يكن هناك أي قرار على الإطلاق بفرض مجاعة أو وقف المساعدات عن شمالي القطاع"، فما حدث ليس أكثر من "فوضى إسرائيلية" أدت إلى "أزمة جرّت خلفها عاصفة عالمية"، وذلك في إشارة إلى الانتقادات التي وجهت للاحتلال خلال جلسة مجلس الأمن في نيويورك أول من أمس، حيث تحدث مندوبو عدة دول عن "خطة الجنرالات" التي تحث صراحة على حصار شمال غزة وتجويع سكانه وتهجيرهم. وبحسب مزاعم الموقع، فقد "بدأ الأمر بمناقشة أقيمت عند نتنياهو أمر فيها الجيش بالاستعداد لتولي توزيع المساعدات الإنسانية خلال ستة أسابيع، رغم معارضة رئيس الأركان (هرتسي هليفي)". وأضاف أن "هذه الفترة لم تنته بعد، والجيش الإسرائيلي لم يقدّم بعد خطة، وفي أعقاب اجتياح مخيم جباليا" قررت إسرائيل "إغلاق حاجز إيرز (بيت حانون)، وفي الوقت نفسه، تقرر وقف توزيع المساعدات عبر القطاع الخاص، بعد التوصّل إلى استنتاج، بوقوع الكثير من عمليات التهريب هناك".

إبراهيم المدهون: يبدو أن الموقف الأميركي منسق مع الاحتلال

ضوء أخضر أميركي

وتحدث وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن إلى وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت، أول من أمس الأربعاء، وذلك بعد رسالة وجهتها واشنطن في وقت سابق الأسبوع الحالي، إلى الاحتلال حثته فيها على تحسين الوضع الإنساني في غزة. وقالت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) في بيان: "شجع الوزير حكومة إسرائيل على مواصلة اتخاذ خطوات لمعالجة الوضع الإنساني الملحّ". وفي السياق، انتقد مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، أمس، مهلة واشنطن قائلاً للصحافيين قبيل قمة زعماء دول الاتحاد الأوروبي في بروكسل إن واشنطن "منحتها مهلة لمدة شهر، شهر واحد بالوتيرة الحالية التي يُقتل بها الناس. (يعني) عدداً كبيراً جداً (من القتلى). الوضع كارثي". في هذا الصدد، يقول الكاتب والمختص بالشأن السياسي إبراهيم المدهون، إن الموقف الأميركي يبدو غريباً حتى اللحظة ويبدو أنه منسق مع الاحتلال الإسرائيلي"، مضيفاً لـ"العربي الجديد"، أن "كل المواقف الأميركية هي لذرّ الرماد في العيون ولإفساح المجال أمام الاحتلال للقضاء على ما يمكن القضاء عليه خلال الفترة الحالية".

ويشير المدهون إلى أنه "بالتالي ما يتعلق بالحديث عن المساعدات الإنسانية أو الغذائية بلا قيمة"، معتبراً أنه "من المبكر الحديث عن خطة الجنرالات، ولكن ما يحدث في شمال قطاع غزة عبارة عن حرب إبادة أكثر من كونها حرب تهجير، من خلالها يهرب الإسرائيلي من فشله القضاء على المقاومة الفلسطينية واستعادة أسراه لدى الأذرع العسكرية ويركز على إبادة الفلسطينيين وقتلهم بما يقوم به". ويشير المدهون إلى أن أخطر ما في "خطة الجنرالات" هو "ما يقوم به من الإبادة وقتل الشعب الفلسطيني وارتكاب جرائم تتجاوز كل الأعراف والقوانين الدولية". ويشدّد على أن "الاحتلال يستغل المشهد في الساحة اللبنانية وانشغال الرأي العام الدولي والإعلامي، لتنفيذ الإبادة في شمال غزة وارتكاب المزيد من الجرائم بحق المدنيين الفلسطينيين، وسط تراجع الاهتمام العالمي بملف غزة وانتهاكات الاحتلال فيها".

أحمد الطناني: الاحتلال يستثمر في حالة الانشغال الدولي في المواجهة الجارية شمال فلسطين المحتلة 

من جانبه، يقول مدير مركز عروبة للأبحاث والدراسات الاستراتيجية أحمد الطناني، إن "التصعيد في الشمال ومخيم جباليا يرتبط تحديداً بالحاجة الإسرائيلية المُلحة إلى حسم العديد من المعادلات العالقة في القطاع بعد أكثر من عام من استمرار حرب الإبادة دون نجاح حكومة الاحتلال بتحقيق أهدافها المعلنة". ويضيف لـ"العربي الجديد"، أنه كان" يفترض وفق التصورات الإسرائيلية أن يتحول شمال قطاع غزة إلى منطقة عازلة تفصل بين الكتلة السكانية في قطاع غزة وبين المستوطنات في الأراضي المحتلة بغلاف غزة، وهذا ما أفشله صمود أهالي شمال القطاع".

ويتابع أنه "من ثم عدل الاحتلال في استراتيجيته وقرر تحويل من تبقى في شمال غزة إلى المادة الأولية لتطبيق خططه في إنشاء نظام محلي موالٍ يخدم تصورات اليوم التالي التي وضعها (رئيس حكومة الاحتلال) بنيامين نتنياهو، كجزء من أهداف الحرب، وهو ما فشل أيضاً أمام حالة الصمود والتماسك في شمال قطاع غزة". ووفق الطناني "فإن الاحتلال يبحث عن "القضاء على مركزية مخيم جباليا، وتهجير أهله، مدخلاً أساسياً لتجاوز حالة الفشل المتكرر المصطدم بمعادلات الصمود في شمال قطاع غزة". ويضيف أن الاحتلال "يستثمر في حالة الانشغال الدولي في المواجهة الجارية شمال فلسطين المحتلة، كما سبق وأن خدر الرأي العام الدولي بالإعلان عن تحول قطاع غزة إلى جبهة قتال ثانوية، وانتهاء مرحلة العمليات الكبرى في القطاع، بينما في الواقع هو يسابق الزمن لتنفيذ المزيد من المجازر والجرائم التي تفضي إلى إعادة تشكيل قطاع غزة جغرافياً وديمغرافياً، بما ينسجم مع الخطط الاستراتيجية التي يبحث الاحتلال عن تطبيقها في قطاع غزة".

مجزرة للاحتلال في مدرسة تابعة لـ"أونروا" في مخيم جباليا

ويواصل الاحتلال مجازره بحق المهجّرين، لا سيما في شمال غزة. وإذ استشهد 22 فلسطينياً على الأقل وأصيب العشرات بجروح بينهم نساء وأطفال، أمس، في قصف الطيران الإسرائيلي مدرسة أبو حسين الابتدائية التابعة لـ"أونروا، فيما اشتعلت النيران في خيام المهجرين الموجودة في باحة المدرسة. وقال مدحت عباس المسؤول بوزارة الصحة في غزة لـ"رويترز"، إنه لا توجد مياه لإطفاء الحريق. لا يوجد شيء". وادعى جيش الاحتلال في بيان، أنه "نفذ ضربة دقيقة على نقطة تجمع لحماس والجهاد الإسلامي داخل مجمع كان في السابق مدرسة". كذلك استشهد ثلاثة فلسطينيين وأصيب آخرون معظمهم من الأطفال والنساء، أمس، في غارة جوية إسرائيلية استهدفت خيمة تؤوي مهجرين في مدينة دير البلح وسط القطاع، فيما طاول القصف شرقي مدينة رفح، جنوبي قطاع. وأعلنت وزارة الصحة في غزة ارتفاع حصيلة العدوان الإسرائيلي إلى 42438 شهيداً و99246 مصاباً منذ السابع من أكتوبر 2023.
 

المساهمون