أول حكم قضائي خارج لبنان بقضية انفجار مرفأ بيروت

23 فبراير 2023
الحكم القضائي يعد إنجازاً بقضية انفجار المرفأ (حسين بيضون)
+ الخط -

في وقتٍ تعرقل السلطة السياسية في لبنان ومن خلفها المحسوبون عليها قضائياً سير التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، حقق فريقٌ من المحامين اللبنانيين إنجازاً بالخارج في مسيرة البحث عن الحقيقة وتحديد المسؤوليات، وذلك بوجه الشركة البريطانية "سافارو ليميتد" المسؤولة عن توريد شحنة نترات الأمونيوم التي انفجرت في العنبر رقم 12، وتسببت في الدمار.

وأعلن مكتب الادعاء في نقابة المحامين في بيروت، اليوم الخميس، صدور أول حكم قضائي في الأساس خارج لبنان وذلك في قضية تفجير المرفأ الذي وقع في 4 أغسطس/آب 2020.

وقال مكتب الادعاء الخاص بانفجار المرفأ في بيان، إن "محكمة العدل العليا البريطانية أصدرت حكماً لصالح الضحايا الذين يمثلهم مكتب الادعاء ضد الشركة الإنكليزية SAVARO Ltd (المسؤولة عن شحنة نترات الأمونيوم التي انفجرت في مرفأ بيروت)، في الدعوى المدنية التي أقيمت ضدها في 2 أغسطس 2021، بعدما تمكن المكتب من وقف عملية التصفية التي أطلقتها الشركة في أوائل العام 2021 للتنصّل من مسؤوليتها".

وأضاف: "بعد سنة ونصف السنة على انطلاق الدعوى المدنية ضد شركة سفارو ليمتد وتبادل اللوائح وعقد جلسات عدة، حكمت محكمة العدل العليا بمسؤولية الشركة تجاه الضحايا الممثلين في هذه الدعوى، وافتتحت المرحلة الثانية من المحاكمة، وهي مرحلة تحديد قيمة التعويض الذي سيستحق للضحايا".

ووفق البيان، "أكد المحامي البروفيسور نصري دياب والمحامي كميل أبو سليمان، المُكلّفان بهذا الملف، على الأهمية الأساسية لهذا الحكم، كونه أول قرار قضائي يسمّي أحد المسؤولين عن الفاجعة، وهذه التسمية تشكّل أول واقعة ثابتة قضائياً، مما يفتح الباب واسعاً على ملاحقة المسؤولين الآخرين، خاصة أن المحاكمة أدت إلى الكشف عن مستندات ووقائع قد تفيد ملف انفجار مرفأ بيروت، ممّا يمهّد لإجراءات أخرى في الخارج وفي لبنان".

ورأى نقيب المحامين في بيروت، ناضر كسبار، بحسب البيان في هذا الحكم إنجازاً كبيراً يعزز عزيمة الضحايا والمحامين في السير في العمل بحثاً عن الحقيقة وتحديد المسؤوليات، ويلقي الضوء مجدداً على الدور الرائد الذي تؤديه نقابة المحامين ومكتب الادعاء في ملف فاجعة المرفأ.

وأكد "ضرورة مواصلة مسيرة البحث عن الحقيقة وملاحقة المسؤولين عن هذه الفاجعة، هذه المسيرة التي أطلقها نقيب المحامين السابق ملحم خلف، وما زال يتابعها حتى تحقيق العدالة في جريمة العصر".

إلى ذلك، أوضح المحامي في مكتب الادعاء في نقابة المحامين في بيروت عن انفجار المرفأ، يوسف لحود، لـ"العربي الجديد"، أن "الهدف من إقامة الدعوى ضد شركة سافارو يكمن في معرفة صاحب الحق الاقتصادي الذي يقف وراءها، والذي قد تكشف هويته أيضاً بعض الخيوط لنعرف من وراء الشركة التي استقدمت النيترات إلى لبنان".

وتابع لحود قائلا: "نجحنا في التدخل ومنع تصفية شركة سافارو، إذ إنه كان يُعمَل على تصفيتها وبالتالي إلغاء وجودها كشخص معنوي، لتصبح كأنها غير موجودة، لكن لم نتوصل بعد إلى معرفة من هو صاحب الحق الاقتصادي وراءها لأنها ليست مليئة مالياً، ورأسمالها بسيط جداً ووهمي، إذ قد يكون صاحبها غير ظاهر ومليء ومن حملة المليارات لكنه بعيد من الواجهة".

وأضاف أن "الشركة مدعى عليها أيضاً من قبل قاضي التحقيق العدلي بانفجار مرفأ بيروت، وليس فقط في بريطانيا"، معرباً عن أمله "في الوصول مستقبلاً لمعرفة أصحاب الشركة الحقيقيين، من هنا ما حصل اليوم يبقي الأمل موجوداً ولا سيما أننا منعنا إزالة الشركة كشخص معنوي".

وعبّر لحود عن خشيته من الفوضى القائمة في لبنان، محذراً من أن "الأمور أصبحت خارج إطار الضوابط والانتظام العام، بما فيها السلطة القضائية" التي يرى أن "الفوضى تدبّ فيها وهذا أمرٌ خطيرٌ جداً ويتخوّف منه، وقد باتت القرارات كلها تصدر عن انفعالية أو مزاجية وتبعاً للمصالح".

وقتل انفجار مرفأ بيروت أكثر من 218 شخصاً، بينهم مواطنون لبنانيون وآخرون من جنسيات مختلفة، وجرح أكثر من 7 آلاف آخرين، وأسفر عن تسجيل خسائر مادية هائلة قدرت بمليارات الدولارات.

أولى خيوط العدالة في القضية

وفي اتصال مع "العربي الجديد" أثنى المحامي اللبناني الحامل كذلك للجنسية البريطانية كميل أبو سليمان على الحكم الذي أصدرته محكمة العدل العليا معتبراً أنه "انتصار أول" في قضية تفجير مرفأ بيروت. ويرى أبو سليمان، وهو أحد المكلّفين بهذا الملف، أن من شأن هذا الحكم أن "يفتح الباب أمام المزيد من التحقيقات والمزيد من الدعاوى القضائية داخل لبنان وخارجه".

يُذكر أن الحكم الذي صدر هذا الصباح يمثّل سابقة في هذا الملف و"انتصارا قضائياً" في مسار العدالة الذي أعيق في لبنان ولايزال منذ أكثر من عامين. وعن المرحلة الثانية من تنفيذ الحكم، أفاد أبو سليمان أن جلسة استماع لتحديد "العطل والضرر" ستقام في شهر يونيو/ حزيران القادم للبتّ في مسألة التعويضات الخاصة التي ستمنحها الشركة لعائلات الضحايا.

من جهته، قال نقيب المحامين اللبنانيين السابق ملحم خلف في اتصال مع "العربي الجديد" إنها المرة الأولى التي تلقى فيها المسؤولية مدنياً على أحد المتورّطين في هذه الفاجعة ما يجعل هذه الخطوة "سابقة قضائية مهمة للغاية" من شأنها أن "تفتح الباب أمام ملاحقة المسؤولين الآخرين وتمهّد للمزيد من الإجراءات في الداخل والخارج وربما تساعد في ملف التحقيق".

وكان مكتب الادّعاء قد تقدّم بدعوى مدنية في أغسطس/ آب 2021، ضدّ شركة سافارو المختصة في الكيماويات والمسجلة في لندن والتي استأجرت شحنة نترات الأمونيوم عام 2013 لينتهي بها المطاف في بيروت. وتعود ملكية الشركة لرجل الأعمال الأوكراني فولوديمير ليادشينكو وتديرها شبكة من رجال الأعمال من بينهم ثلاثة مواطنين روس من أصول سورية فرضت عليهم الولايات المتحدة عقوبات لدعمهم رئيس النظام السوري بشار الأسد منذ انطلاق الثورة السورية عام 2011، وهم جورج حسواني ومدلل خوري وشقيقه عماد. وفي محاولة للتنصّل من المسؤولية، حاولت الشركة تصفية أعمالها وإلغاء تسجيلها من سجل الشركات البريطانية قبل عامين، إلا أن مكتب الادّعاء في نقابة المحامين في بيروت تمكّن من وقف عملية التصفية التي أطلقتها الشركة في يناير/ كانون الثاني 2021.

وتم تأسيس شركة سافارو بتاريخ 9 يونيو/ حزيران 2006 في العاصمة البريطانية لبيع المنتجات الكيميائية بالجملة. ولدى البحث في تفاصيل الشركة لا يعثر إلا على اسم رجل الأعمال الأوكراني ليادشينكو، في حين أن كل العاملين الآخرين استقالوا تباعاً بين عام 2008 وعام 2021.

وكشف تحقيق استقصائي لـ"مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد" أن الشركة صورية وأنها عبارة عن شبكة شركات مقرّها في مدينة دنيبرو في أوكرانيا وجزء من مشروع كبير لتجارة الأسمدة من الفئة التقنية التي تدخل في صناعة المتفجرات.

وقد أظهرت الأدلة تقاعس المسؤولين وأفعالهم، في سياق الفساد وسوء إدارة القائمين منذ زمن طويل في المرفأ الذي سمح بأن تخزن هناك مادة كيميائية بمثل هذه القابلية العالية للانفجار عشوائياً وبطريقة غير آمنة لست سنوات تقريباً، وذلك وفق ما ذكرت منظمة "هيومن رايتس ووتش".

وأشارت المنظمة إلى أن العديد من كبار قادة لبنان، أبلغوا بالمخاطر التي تشكلها نترات الأمونيوم، ولم يتخذوا الإجراءات اللازمة لحماية الناس.

وتجمّدت التحقيقات بانفجار مرفأ بيروت مرة جديدة، والتي كانت قد توقفت لأكثر من سنة، وذلك بعد قرار المحقق العدلي القاضي طارق البيطار إرجاء عقد جلسات استجواب المدعى عليهم في القضية التي كان مفترضا أن تبدأ مطلع شهر فبراير/شباط الجاري، بالاستماع إلى المدعى عليهما الوزيرين السابقين غازي زعيتر ونهاد المشنوق.

ولم يحدّد القاضي البيطار مواعيد جديدة للجلسات، في ظلّ المعركة القضائية التي حصلت بينه وبين النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، الذي ادعى عليه وأصدر جملة قرارات بحقه، بعدما عاود البيطار من تلقاء نفسه مهامه، وادعى على كبار الشخصيات السياسية والأمنية والقضائية في البلد وضمنهم عويدات.

المساهمون