أوراق "قسد" لمواجهة التهديد التركي

15 ديسمبر 2022
تُعَدّ "قسد" الذراع البريّة للتحالف الدولي في سورية (دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -

على الرغم من تجديد الجيش التركي، مساء أول من أمس الثلاثاء، قصفه المدفعي والصاروخي لمواقع لـ"قوات سورية الديمقراطية" (قسد) في شمال سورية، إلا أن حدّة القصف التركي انخفضت وتيرتها خلال الأسبوع الحالي، في ظل الحديث عن وجود وساطة روسية لثني تركيا عن شنّ عملية عسكرية برية على "قسد"، فضلاً عن معارضة واشنطن للعملية في الوقت الحالي.

استئناف دوريات "قسد" والتحالف

وفي مؤشر إضافي على التهدئة السائدة حالياً، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية، أول من أمس، استئناف تنظيم دوريات بشكل كامل مع "قسد" التي تشكل الوحدات الكردية ثقلها الرئيسي. وجاء الإعلان الأميركي، بعد تقليص هذه الدوريات تزامناً مع بدء الجانب التركي عملية جوية ضد مواقع ومناطق تسيطر عليها "قسد" في شمال شرق سورية، أواخر شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، رداً على التفجير الذي استهدف منطقة تقسيم في إسطنبول، في الـ13 من الشهر ذاته. وأكدت أنقرة في حينه، أن "قسد" وحزب العمال الكردستاني يقفان وراء التفجير، وهو ما نفاه الاثنان.

وقال المتحدث باسم البنتاغون، باتريك ريدر، خلال مؤتمر صحافي أول من أمس، إن "عملياتنا المشتركة (التحالف الدولي لمحارية داعش) مع قوات سورية الديمقراطية استؤنفت، وبدأت بشكل كامل اعتباراً من 9 ديسمبر/ كانون الأول". وأشار إلى أن "عملهم مع شركائهم المحليين يتمثل بعدم السماح لداعش بأن يعيد تنظيم صفوفه".

أعلنت وزارة الدفاع الأميركية، أول من أمس، استئناف تنظيم دوريات بشكل كامل مع "قسد"

وتعتبر "قسد" التي تسيطر على منطقة شرقي الفرات ومناطق غربه، الذراع البرّية للتحالف الدولي ضد الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة. وتعتمد "قسد" بشكل رئيسي على الدعم الأميركي لمنع أي عملية عسكرية تتوعد بها تركيا ضدّها في الشمال السوري.

ويعد استئناف العمليات المشتركة للقوات الأميركية مع "قسد" رسالة واضحة، مفادها أن الجانب الأميركي لن يتخلى عن هذه القوات في مواجهة أي تهديد لوجودها، سواء من الجانب التركي أو من قبل النظام السوري.

وكان المبعوث الأميركي السابق إلى سورية، جيمس جيفري، قد أكد في مقال نشرته قبل أيام مجلة "فورين بوليسي" الأميركية، أن واشنطن "تخشى من أن توغلاً تركياً جديداً في سورية، ولا سيما في الشمال الشرقي، يمكن أن يقوّض العمليات ضد داعش، وعلى وجه الخصوص حراسة قسد لآلاف السجناء من التنظيم وأفراد أسرهم". وكتب جيفري: "أدت الخلافات حول دعم واشنطن لوحدات حماية الشعب في الجهد المشترك ضد داعش إلى اضطراب العلاقات (مع تركيا) مراراً وتكراراً منذ عام 2016". غير أن المسؤول الأميركي السابق أكد أن "واشنطن هي الحليف الأكثر حيوية لأنقرة"، مضيفاً أن "تركيا بالنظر إلى وزنها الاقتصادي والعسكري وجغرافيتها الاستراتيجية، شريك رئيسي للولايات المتحدة في أوراسيا".

"داعش" ورقة رابحة

ويعد تنظيم "داعش" الورقة الرابحة بيد "قسد" لمنع أي تدخل عسكري تركي ضدها، حيث تدرك أنها الطرف الذي يثق به الغرب لمواجهة هذا التنظيم الذي لا يزال يحتفظ بخلايا في شرق الفرات، وخصوصاً في ريف دير الزور الشرقي. وفي أولى عملياتها بعد الحملة الجوية التركية، أعلنت "قسد" الثلاثاء أنها نفذت بالتنسيق مع التحالف الدولي، 3 عمليات ضد خلايا "داعش" في دير الزور والهول وتل حميس في ريف الحسكة. وأشارت إلى أنه "نتج من هذه العمليات، اعتقال قيادي مع عنصرين آخرين للتنظيم، كانوا مسؤولين عن تأمين الأسلحة والذخيرة "للخلايا الإرهابية" التي كانت تحاول استهداف مخيم الهول (بريف الحسكة شمال شرقي سورية) والسجون"، بحسب بيان.

وساهم التحالف الدولي ضد الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة، في تشكيل "قسد" أواخر عام 2015 وجعل الوحدات الكردية قوامها الرئيسي لمحاربة "داعش"، الذي كان مسيطراً في ذلك العام على نحو نصف مساحة سورية. وشنّت "قسد" بين عامي 2016 و2019 حملة واسعة النطاق على "داعش" بدعم من التحالف الدولي، أدّت الى طرد التنظيم من منطقة شرق نهر الفرات ومنطقة منبج غرب النهر. ولم ينقطع التعاون بين التحالف و"قسد" عقب القضاء على "داعش"، حيث لا يزال فاعلاً على صعد عدة، وعلى أشده، خشية عودة التنظيم إلى المنطقة الغنية بالثروات. وللتحالف الدولي العديد من القواعد في منطقة شرق الفرات، وخصوصاً حول منابع النفط والغاز في ريفي الحسكة ودير الزور، الواقعة تحت سيطرته.

وتحتجز "قسد" الآلاف من عناصر "داعش" وقياداته منذ سنوات، في العديد من السجون المعلنة والسرّية، ما يعد ورقة مهمة بيدها، تستثمر فيها للحصول على مكاسب سياسية، والحيلولة دون قيام تركيا بأي عمل عسكري ضدها. فالغرب يخشى من هروب هؤلاء المحتجزين (قدّرهم المرصد السوري لحقوق الإنسان بـ12 ألف سجين من السوريين والأجانب)، ما يعني قدرة التنظيم على إعادة بناء صفوفه من جديد. كذلك تحتجز قوات "قسد" عائلات مسلحي التنظيم في مخيم الهول في ريف الحسكة.

جيمس جيفري: واشنطن هي الحليف الأكثر حيوية لأنقرة

ومن الواضح أن الجانب الأميركي يخشى انفلاتاً أمنياً في شرق الفرات في حال شنِّ الجانب التركي عملية على "قسد"، لذا تعارض واشنطن - كما يبدو- أي مسعى من أنقرة على هذا الصعيد. ورغم تصريحات المسؤولين الأتراك عن أن بلادهم لن تستأذن أحداً إن قررت شنّ عملية عسكرية في شمال سورية، إلا أن الوقائع تؤكد أن الرفض الأميركي لأي تحرك على الأرض من قبل الجيش التركي يقف حجر عثرة أمام أي عملية محتملة.

وتنظر أنقرة إلى "قسد" على أنها نسخة سورية من حزب العمال الكردستاني وتشكل خطراً على الأمن التركي القومي، إلا أن الولايات المتحدة ترى أن هذه القوات ضمانة لعدم ظهور تنظيمات متشددة، أبرزها "داعش"، مرة أخرى في شرق الفرات. وتحول شرق الفرات في سورية إلى منطقة نفوذ أميركي لا تتوقف واشنطن عن تعزيزها، ما يعني أن الوجود الغربي في هذه المنطقة طويل الأمد.

ويرى مدير وحدة تحليل السياسات في مركز "الحوار السوري"، محمد سالم، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "قسد تملك أوراق قوة عديدة في مواجهة التهديد التركي، منها احتفاظها بسجناء داعش في سجونها، وتهديدها بشكل ضمني بإطلاقهم، وهو ما يضغط على التحالف الدولي". وبرأيه، هناك حاجة لدى الولايات المتحدة والتحالف الدولي لهذه القوات على الأرض السورية، باعتبار أن عديد قوات التحالف رمزي.

ويلفت سالم إلى أن "هذه القوات تسيطر على حقول النفط، وهي ورقة ضغط على كل من النظام السوري والروس". ويعتبر أيضاً أن هناك رغبة لدى الإدارة الديمقراطية وبعض التيارات الأميركية، في إبقاء "قسد" كورقة ضغط ضد تركيا.

من جهته، يرى المحلل العسكري العميد مصطفى فرحات في حديث مع "العربي الجديد"، أن "قسد لا تملك أي أوراق عسكرية"، معتبراً أنها لا تستطيع في أي حال من الأحوال مواجهة الجيش التركي، ثاني أكبر جيش في حلف شمال الأطلسي (ناتو). وبرأي فرحات، إن "محاربة داعش ذريعة لدى الولايات المتحدة للإبقاء على مليشيا قسد الانفصالية"، مذكّراً بأن "قسد تحاول المناورة ما بين الجانبين الروسي والأميركي والنظام السوري".

تقارير عربية
التحديثات الحية
المساهمون