يتحدث الخبير في القانون الدولي أنيس القاسم، في مقابلة مع "العربي الجديد" على هامش منتدى فلسطين في الدوحة، عن خطط الاحتلال الإسرائيلي في المسجد الأقصى وحدود الخلاف مع الأردن.
*ماذا يملك الأردن من خيارات قانونية في مواجهة محاولة الاحتلال الإسرائيلي نزع الوصاية الهاشمية عن المقدسات الإسلامية في القدس المحتلة؟
إذا أراد الأردن الرسمي أن يتخذ موقفاً صلباً من الاستفزازات الإسرائيلية اليومية للمقدسات في القدس المحتلة، فلديه العديد من الخيارات. وأكرر دائماً أن الملك الراحل الحسين، هدد بإلغاء المعاهدة مع إسرائيل من أجل إنقاذ حياة فرد، فما بالك إذا كان المطلوب إنقاذ المقدسات؟ أما إذا وجد البعض بأن هذا الإجراء قد يكون قاسياً، فإن هناك خيارات أخرى.
في الجانب الاقتصادي مثلاً، يدخل الأردن 2500 سلعة متنوعة، يمكن للحكومة الأردنية أن تمنع إدخالها ووقفها. ويمكن للسلطات الأردنية أن توقف التنسيق الأمني القائم مع إسرائيل. وتستطيع الحكومة الأردنية أيضاً أن تخفف من حراستها للحدود مع إسرائيل، وتستطيع أن توقف سفر الإسرائيليين عبر مطار الملكة علياء. هناك إجراءات عديدة بمتناول الحكومة الأردنية إذا تجرأت إسرائيل وعبثت بالوصاية الهاشمية على المسجد الأقصى في القدس المحتلة.
يمكن للسلطات الأردنية أن توقف التنسيق الأمني القائم مع إسرائيل
*ولكنها تعبث بالفعل.. فالاقتحامات متواصلة وحكومة الاحتلال تهدد بالمزيد؟
هي تعبث بشكل مهين ووقح وتتطاول على المقدسات الإسلامية، وأستغرب عدم اتخاذ الحكومة الأردنية حتى اللحظة رد فعل يوازي هذه الوقاحة الإسرائيلية. فهناك اقتحامات يومية للمستوطنين برفقة جنود الاحتلال وبحمايتهم... ولكننا نشهد في الوقت نفسه استقبالاً لمسؤولين إسرائيليين في عمّان. على الحكومة الأردنية أن تعمل على وقف هذه الاستقبالات لتبعث برسالة واضحة وقوية إلى حكومة الاحتلال الإسرائيلي أن الأردن قادر على اتخاذ القرارات اللازمة لحماية لمقدسات.
*لنعد إلى نص معاهدة وادي عربة مع إسرائيل، على ماذا تنص المعاهدة بهذا الشأن؟
معاهدة وادي عربة تنص على أن "تحترم إسرائيل" الدور الأردني في المسجد الأقصى، وهو التزام دولي وارد في اتفاقية دولية، وبالتالي فإن على إسرائيل أن تحترم هذا الدور وهذا التعهد الذي قدّمته للأردن، وهي لا تستطيع أن تخلّ به لأنه التزام بموجب وثيقة دولية.
ويستطيع الأردن مقاضاة إسرائيل إذا أخلّت بها، وهناك نص في معاهدة وادي عربة يقول إنه إذا حصلت خلافات في تفسير المعاهدة، فتُحل عبر المفاوضات، وإذا فشلت المفاوضات فعبر التوفيق، وإذا لم ينجح ذلك يتم الاتجاه نحو التحكيم الدولي، وكل تلك أدوات لحل النزاع إذا تم الإخلال بالمعاهدة.
*بموجب نص المعاهدة أيضاً، هل اقتحامات الجنود والمستوطنين إخلال بمعاهدة وادي عربة؟
أنا أعتبره إخلالاً قوياً وواضحاً وفاضحاً، وأستغرب أن موقف الحكومة الأردنية لم يكن حتى الآن بمستوى هذا الإخلال.
*في المقابل ما هو المدى الذي يمكن أن تذهب إليه حكومة الاحتلال بهذا الشأن في المدى المنظور؟
إسرائيل لا تضحي بالدور الأردني، ولا قدرة لها على المواجهة في حال رفع الأردن يده عن الجانب الأمني من حدوده. وتاريخياً من مصلحة إسرائيل ألا تدخل في معركة كسر العظم مع الأردن، وهي لا تستطيع أن تذهب بعيداً في تحدي عمّان.
إسرائيل لا تضحي بالدور الأردني، ولا قدرة لها على المواجهة في حال رفع الأردن يده عن الجانب الأمني من حدوده
*ولكن هناك من يرى أننا وصلنا فعلاً إلى ما يشبه التقاسم المكاني والزماني في المسجد الأقصى؟
لذلك المثير للاستغراب أنّ الحكومة الأردنية حتى اللحظة لم تتخذ رد فعل، بموازاة ما يفعله الإسرائيليون والمستوطنون... ولكن أكرر أن المسألة لن تصل إلى مرحلة كسر العظم، وأعتقد أن العاهل الأردني عبد الله الثاني لم يكن راضياً عن نتائج زيارة رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو إلى عمّان (يوم الثلاثاء 24 يناير/ كانون الثاني الحالي)، وهو عبّر عن استيائه من التطاول على المقدسات.
*ماذا عن الدور الأميركي بهذا الشأن؟
هناك اتفاقية وُقّعت عام 2015 برعاية وزير الخارجية الأميركي الأسبق جون كيري تمنع الإسرائيليين من انتهاك حرمة المسجد الأقصى، ونصّت على أن تبقى الأوقاف الأردنية هي المسيطرة على الدخول إلى المسجد الأقصى، لكن الآن الأوقاف لم تعد تسيطر كما هو واضح، وقد احتج الأردن معتبراً ذلك نقضاً للاتفاقية... لكن حتى الآن لم يجر إصلاح الوضع.
*إذا كانت الحكومة الإسرائيلية لا تريد الوصول إلى مرحلة كسر العظم مع الأردن، كما تقول، ما هو تفسيرك لسلوكها؟
هي تريد الاستيلاء على أكبر مساحة ممكنة من الصلاحيات والدور الأردني في المسجد الأقصى في هذه المرحلة، فإذا كانت الصلاحيات مقسومة الآن بينهما 50 في المائة، فهي تريد إضافة 20 في المائة من الدور والصلاحيات إليها، وفي حال رفض الأردن هذا التوجه فستلجأ إسرائيل إلى الولايات المتحدة لتضغط على الأردن وتهدئته.
الحكومة الإسرائيلية تريد الاستيلاء على أكبر مساحة ممكنة من الصلاحيات والدور الأردني في المسجد الأقصى
*ما هي توقعاتك للسيناريو الذي يمكن أن تذهب إليه التطورات على المدى القريب بخصوص المقدسات؟
لا أتصور أنه سيكون هناك ارتفاع أكبر في منسوب التوتر، لأن الرأي العام في الأردن نفد صبره وفاض كيله من تسامح الحكومة تجاه التجاوزات الإسرائيلية، وهو يضغط باتجاه أن تتخذ الحكومة إجراءات بموازاة الوقاحة الإسرائيلية... سنبقى في مرحلة المراوحة في المدى المنظور، وبظل محاولات حكومة الاحتلال قضم وإضعاف الدور الأردني في المسجد الأقصى.
سيرة ذاتية
أنيس فوزي قاسم نزال، وُلد في عام 1939 في قلقيلية، هو خبير في القانون الدولي، ومؤسس الهيئة الفلسطينية المستقلة لحقوق المواطن.
حصل على البكالوريوس في القانون من جامعة دمشق، ثم على درجة الماجستير في القانون المقارن من جامعة ميامي في الولايات المتحدة عام 1968، والماجستير الثانية من جامعة جورج واشنطن عام 1970، ثم على درجة الدكتوراه من الجامعة نفسها في القانون الدولي عام 1973.
احترف القانون الدولي، واختير مستشاراً للوفد الفلسطيني في مؤتمر مدريد عام 1991، ومفاوضات واشنطن، لكنه استقال قبل التوقيع على اتفاقية أوسلو احتجاجاً عليها.
هو عضو في هيئة الدفاع الفلسطينية أمام محكمة العدل الدولية في قضية جدار الفصل العنصري.
يرأس مجلس إدارة صندوق العون القانوني للدفاع عن الأسرى الفلسطينيين، وهو محرر ومستشار الكتاب السنوي الفلسطيني للقانون الدولي.