هل ترى جدوى من القضايا التي ترفعها السلطة الوطنية الفلسطينية أمام المحكمة الجنائية الدولية ضد جرائم الاحتلال؟
هناك جدوى، لكن ما تقوم به السلطة دليل على أنّها ليست جادة في تحريك الأدوات القانونية عبر المحكمة الجنائية الدولية. انضمت دولة فلسطين إلى المحكمة الجنائية الدولية، والمفروض أن تُفعّل عملية الانضمام التي تمت اعتباراً من إبريل/نيسان الماضي. كل ما نسمعه حتى الآن، أن السلطة قدّمت ملفات، ولا نرى ردود فعل من المحكمة الجنائية الدولية، ولا نعرف ماذا تضم هذه الملفات، كما لا نعلم إنْ كان الذي قدّمها مؤهل لذلك ولمناقشة المدعي العام فيها.
ما الخطوة المقبلة من المحكمة الدولية بعدما قدّمت السلطة عدداً من هذه القضايا؟
المفروض أن يقوم المدّعي العام بالتحقيق، وأن يزور المواقع التي ارتُكبت فيها الجرائم لجمع الأدلة، وإذا رأى أنّ هناك أدلة كافية، يبدأ بتحريك دعوى، لكن كل هذه الإجراءات لم تتم.
لماذا لم تتم؟
المحكمة الجنائية الدولية، بطبيعتها، محكمة سياسية، ولا يكفي أن تتقدّم بملف دعوى للتحرُّك، فهذا لا يعني أنك قمت بواجبك. لا بد من تحريك الأدوات السياسية والوسائل الدبلوماسية، لتنشيط المحكمة والمدعي العام وحثّهما على التحرك.
هل نفهم من كلامك أنّه لا يوجد حراك دبلوماسي فلسطيني في هذا الشأن؟
هذا واضح. نحن نحتكم للنتائج، لا أعلم إنْ كانت هناك ضغوط فلسطينية على مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية ليتحرك أم لا، لكنّنا لم نر نتائج لانضمام فلسطين إلى المحكمة الجنائية الدولية، ولسلسلة الملفات التي قالت السلطة إنها قدّمتها للمحكمة، وهذا يدعوني إلى الشك بجدية ممّا قُدِّم.
ماذا تريد السلطة الفلسطينية من تقديمها الملفات إلى المحكمة؟
لم تكن السلطة الفلسطينية أو القيادة الفلسطينية الحالية تريد من البداية الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية، رضوخاً للضغوط الإسرائيلية والأميركية. لكن، في ظلّ زيادة الضغوط الفلسطينية والعربية والدولية، خصوصاً بعد قبول فلسطين دولة غير عضو في الأمم المتحدة، اضطرت القيادة إلى أن تنضم، إلّا أنها، وبترتيبات عملية، تواطأت بعدم تحريك دعاوى ضد مجرمي الحرب الإسرائيليين. رسمياً، فلسطين منضمّة للمحكمة، وعملياً لم يجر تحريك دعاوى، والملفات التي تبعثها لامتصاص النقمة الفلسطينية، لا أكثر.
اقرأ أيضاً: في الذكرى الـ27 لإعلان استقلال فلسطين...انتفاضة بحثاً عن الدولة
لكنّك جزء من هذه العملية، أنت مسؤول عن تقديم الملفات والدعاوى الفلسطينية إلى المحكمة؟
أنا رسمياً مسؤول، لكن عملياً لا. قرأت اسمي في الصحف أنني عضو في اللجنة القانونية التي ستحضر الملفات التي ستُقدّم إلى المحكمة الجنائية الدولية، لكن أحداً لم يشاورني في ذلك. وحتى الآن، لم أُدعَ لاجتماع لمناقشة ما هي الخطة، وما هو البرنامج وكيف نتحرّك. لا أعلم متى عُيّنت، ومن اقترح اسمي، ولم يدعني أحد لاجتماع. كيف تريد للجنة قانونية أن تحضر ملفات للدعاوى، وهي لم تجتمع أصلاً؟
هل يذكّرك هذا الأمر باستقالتك من الوفد المفاوض الفلسطيني قبل إعلان اتفاق أوسلو؟
كانت مشاركتي بالوفد الفلسطيني المفاوض بناء على دعوة من الرئيس الفلسطيني الراحل، ياسر عرفات (أبو عمار)، بأن أكون المستشار القانوني وعضو اللجنة الاستراتيجية للوفد. وافقت على الرغم من اعتراضي الشديد على أبو عمار في تأييده الرئيس العراقي الراحل، صدام حسين، في احتلال الكويت، وكنت قد بعثت له مذكّرة، بناء على طلبه، كتبت فيها، إننا إذا لم نَدِنْ العدوان العراقي على الكويت، سنصادر حقنا بمطالبة إسرائيل بالانسحاب من الأراضي الفلسطينية. تصرّف عرفات العكس، وكنت على قناعة بأننا سندفع ثمن تأييد أبو عمار لصدام حسين لأجيال قادمة.
شاركت في المفاوضات، لأنني كنت خائفاً من شطب منظمة التحرير الفلسطينية، والتي هي بالنسبة لي أهم إنجاز تحقق للشعب الفلسطيني. هي كيان معنوي للشعب الفلسطيني، وقبل قيام منظمة التحرير كان كل واحد يدّعي حق التمثيل للشعب الفلسطيني.
لماذا استقلت؟
سُئِلت مرة في مقابلة صحافية عن سير المفاوضات، فقلت إننا نسدّد فواتير خطيئة تأييد صدام حسين، وسنسددها لأجيال قادمة. قرأ أبو عمار المقابلة، فقصّ المقابلة من الصحيفة وأرسلها بالفاكس إلى واشنطن من دون تعليق. كتب عليها فقط "الأخ أبو فوزي"، كما كان يناديني، فعرفت أنّه مستاء، خصوصاً أنه وضع خطاً تحت عبارة "خطيئة القيادة الفلسطينية". أرسلت له جواباً كتبت فيه، أنني، في تاريخ 4 أغسطس/آب 1990، بعثت إليه رأياً قانونياً، يحمل الرأي نفسه، واستقلت من الوفد في الجولة السادسة من المفاوضات، وبعدها جرى الإعلان عن اتفاق أوسلو.
بعد الإعلان عن الاتفاق، تبيّن أنه لم تكن تجري مفاوضات حقيقية في واشنطن، لأنّ المفاوضات كانت في النرويج؟
لذلك كنت متفرّجاً. كان همّي الوحيد ألا تُمّس منظمة التحرير. كنت مثل حارس، أشارك في الجلسات جسدياً من دون مشاركة حقيقية، لأنني أعرف أنّها كلها دون جدوى.
ألم يستشيروك باعتبارك خبيراً قانونياً عندما نشأ اتفاق أوسلو؟
لا، وبحسب رواية القيادي الفلسطيني الراحل، ممدوح نوفل، قيل لأبو عمار، إنّ هذه الاتفاقية أعدّها محامون إسرائيليون، ونريد رأي محامٍ فلسطيني لمراجعتها، وطُرح اسمي عليه، فقال حسب الرواية، "إلّا ده".
اقرأ أيضاً ندوة "المركز العربي": "أوسلو" فشل في تحقيق الحرية للفلسطينيين
هل تعتقد أن عرفات أدرك خطيئة "أوسلو" في آخر عهده وحاول إعادة ترتيب الأوراق؟
إذا حاول، فقد كانت محاولاته غير جدّية. لو أدرك عمق المطبّ الذي وقع فيه لانسحب، وأعلن عدم التزامه بكل اتفاقيات أوسلو. فإسرائيل تحتل الأراضي الفلسطينية فعلاً. كان يدرك أبو عمار أنّه دخل نفق أوسلو، وكان يظنّ أنه من الحنكة والقوة بحيث يتجاوز هذا الواقع.
ما هو البديل للشعب الفلسطيني الآن؟
يجب الخروج من "أوسلو". يجب أن يخرج الشعب الفلسطيني من هذا النفق. لا يوجد مستقبل ولا يوجد أفق ولا حلم فلسطيني في ظلّ اتفاقيات أوسلو. كان وعد بلفور أرحم على الشعب الفلسطيني من القيادة الفلسطينية التي فاوضت ووقّعت "أوسلو". أقرّ السياسي البريطاني، آرثر بلفور، بأن لا يؤثر "وعده" على الحقوق المدنية والدينية للجاليات غير اليهودية في فلسطين، يعني المسلمين والمسيحيين، إذا أُقيم وطن قومي يهودي. ونحن لا نجد نصاً مماثلاً يحمي الحقوق المدنية والدينية للشعب الفلسطيني في اتفاق أوسلو. قالت السلطة إن الدولة ستُنشأ بسبب أوسلو، ولم يرد ذكر للدولة في أيٍّ من بنود اتفاقيات أوسلو. هم ابتكروا قضية الدولة فقط لتمرير الغبن الفاحش الذي وقع على الشعب الفلسطيني، بسبب هذا الاتفاق الذي ألقى على الشعب الفلسطيني بكل تبعات الاحتلال، من دون أن يحصل على حقوق له.
بصفتك القانونية، كيف ترى شرعية المؤسسات الفلسطينية الآن، سواء التابعة للسلطة أو منظمة التحرير؟
قيادة "أوسلو" هي المسؤولة عن قتل الشرعية للمؤسسات الفلسطينية، ويجب على النخب الفلسطينية والشعب الفلسطيني في المخيمات، السعي إلى إعادة هيكلة منظمة التحرير الفلسطينية من خلال الانتخابات. وكما أنشأ الشعب الفلسطيني منظمة التحرير عام 1964، عليهم أن يعيدوا الكَرّة مجدداً. قيادات الشعب الفلسطيني شاخت، وإذا لم تعد حركتا "فتح" و"حماس" النظر في برامجهما، سيحاسبهما الشعب الفلسطيني.
اقرأ أيضاً فلسطين: مُعضلات الداخل ومهمّات الخارج