أليكس صعب... ممول نظام مادورو ووسيطه

19 أكتوبر 2021
تظاهر فنزويليون دعماً لصعب في كراكاس الأحد (خافيير كامبوس/Getty)
+ الخط -

شهدت قضية رجل الأعمال الكولومبي ـ الفنزويلي أليكس صعب، المتحدّر من أصول لبنانية ويملك جنسية أنتيغوا وبربودا أيضاً، تحوّلاً جديداً، بعد إعلان الرأس الأخضر تسليمه إلى الولايات المتحدة، مساء السبت الماضي. وهو ما دفع السلطات في كراكاس إلى وقف جولة التفاوض الرابعة مع المعارضة في المكسيك، مُدينة عملية التسليم بشدّة. وجادل قانونيون في ملف التسليم، خصوصاً أن الرأس الأخضر والولايات المتحدة لم توقّعا معاهدة لتبادل المجرمين، لكن خبراء قانونيون اعتبروا أن الرأس الأخضر ملتزمة باتفاقيات الأمم المتحدة، التي تجبر البلاد على الامتثال لإشعار الإنتربول، بغض النظر عن تاريخ إصداره.


مادورو: تسليم صعب إحدى أشنع المظالم في العقود الأخيرة

واعتبر الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، مساء أول من أمس الأحد، في خطاب متلفز أن تسليم صعب، الذي يُعتبر وسيطاً مهماً لدى كراكاس، إلى الولايات المتحدة، هو "إحدى أشنع المظالم في العقود الأخيرة". وأكد أن "فنزويلا تعمل في الأمم المتحدة بنيويورك، وفي جنيف لدى منظمات حقوق الإنسان. نحن نعمل على كل المستويات". كما قدّم مادورو روايته لما سماه بعملية "خطف" صعب، قائلاً: "وصلت طائرة. نزل بلطجية وبحثوا عنه وأخرجوه من خلال ضربه، لأخذه بعيداً من دون إخطار محاميه أو عائلته أو أي شخص آخر". وعلقت السلطات الفنزويلية الحوار مع المعارضة، الذي كان مقرراً أول من أمس الأحد. وأفاد رئيس البرلمان الفنزويلي خورخي رودريغيز الذي يترأس وفد الحكومة الفنزويلية إلى الحوار مع المعارضة، في بيان أن "وفدنا يعلن تعليق مشاركته في طاولة المفاوضات والحوار".

وقبل مثوله، مساء أمس الإثنين أمام محكمة في ولاية فلوريدا وفقاً لوزارة العدل الأميركية، أكد صعب، في رسالة قرأتها زوجته، مساء الأحد، خلال تجمّع عام في كراكاس أنه "لن يتعاون مع السلطات الأميركية" بل "سيواجه محاكمته بكرامة". وخلال التظاهرة التي نظمتها السلطات الفنزويلية وضمّت نحو 300 شخص، قرأت كاميلا فابري زوجة صعب وهي تبكي نص الرسالة التي جاء فيها: "سأواجه محاكمتي بكرامة تامة. أريد أن أكون واضحاً: لست مضطراً للتعاون مع الولايات المتحدة. لم أرتكب أي جريمة". وأضاف صعب في رسالته "أُعلن أنني في كامل قواي العقلية، ولن أقدم على الانتحار، في حال قاموا باغتيالي من أجل أن يقولوا لاحقاً إنني انتحرت". وتحدثت زوجة صعب عن عملية تسليمه إلى الولايات المتحدة، قائلة "كل شيء تم من وراء ظهور المحامين وظهرنا". وقالت فابري، وهي أم لفتاتين، إن سلطات الرأس الأخضر والولايات المتحدة تعاملت بـ"جبن". وأضافت "أكثر ما يزعج الولايات المتحدة هو أن زوجي لن ينحني أبداً! لديه قوة الحقيقة والبراءة".

وقال الصحافي روبرتو دينيز المتخصص في الملف "يمكن (لصعب) أن يكشف أشياء عن الترتيبات وتداول الأموال والتكاليف المضخمة. لقد كان الركيزة الأساسية لشؤون نظام مادورو مع الدول الحليفة". وشدّد على أن "كل ما سنكشفه عن أليكس صعب والفساد الكبير على أعلى مستويات السلطة في فنزويلا يعود في جزء منه إلى فضل القضاء" في الرأس الأخضر "التي قاومت الضغوط". وأكد لوكالة "فرانس برس" أن كراكاس "لم تبذل جهوداً من أجل شخص يوماً كما فعلت من أجله".

من جهته، اعتبر الرئيس الكولومبي إيفان دوكي، في تغريدة على "تويتر"، أن "تسليم أليكس صعب هو انتصار في مجال مكافحة تهريب المخدرات وغسل الأموال والفساد التي عززتها دكتاتورية نيكولاس مادورو". وأضاف "كولومبيا دعمت وستواصل دعم الولايات المتحدة في التحقيق في شبكة الجريمة العابرة للحدود التي يقودها صعب".

ورحب زعيم المعارضة الفنزويلية خوان غوايدو، الذي تعترف به الولايات المتحدة وأكثر من 50 دولة أخرى رئيساً بالوكالة للبلاد، بخطوة تسليم صعب. وكتب على "تويتر": "نحن الفنزويليين الذين رأينا العدالة مختطفة لسنوات، نحترم نظام العدالة في البلدان الديمقراطية مثل الرأس الأخضر". واعتبر المعارض خوليو بورغيس في تصريح لوكالة "فرانس برس" أنه مع هذا التسليم تبدأ "محاكمة شخص سرق ملايين الدولارات من الفنزويليين، وهو المسؤول المباشر عن الجوع والأزمة الإنسانية" في فنزويلا.
واتُهم صعب غيابياً بغسل الأموال، في يوليو/تموز 2019، في محكمة في ميامي، وذلك بعد أن اتهمته وزارة الخزانة الأميركية بذلك. وقال وزير الخزانة في ذلك الحين، ستيفن منوتشين: "تعامل أليكس صعب مع المحيطين بمادورو على إدارة شبكة فساد واسعة النطاق، استخدموها بقسوة لاستغلال السكان الجائعين في فنزويلا". وأضاف: "إنهم يستخدمون الطعام كشكل من أشكال الرقابة الاجتماعية، لمكافأة المؤيدين السياسيين ومعاقبة المعارضين، وفي نفس الوقت يكسبون مئات الملايين من الدولارات من خلال عدد من المخططات الاحتيالية".

تقارير دولية
التحديثات الحية

واعتبر الأميركيون أن صعب عمل مع أبناء مادورو، والتر ويوسر ويوسوال، المعروف باسم "لوس تشاموس"، وهي كلمة عامية لـ"الأطفال"، من أجل الوصول إلى المسؤولين الحكوميين، حتى يتمكن من تأمين العقود الحكومية من خلال الرشى. وكان عمل صعب بدأ مع الحكومة الفنزويلية في عام 2009، عندما فاز مع شريكه التجاري، ألفيرو بوليدو، بعقد حكومي مبالغ فيه، لبناء 25 ألف وحدة سكنية لذوي الدخل المنخفض بثلاثة أو أربعة أضعاف تكلفة البناء الأصلية. والتقى صعب بيوسوال في عام 2011، الذي عرّفه على مادورو ونائب الرئيس السابق طارق العيسمي.

ومع تدهور الوضع الغذائي في عام 2016، مُنح صعب وبوليدو عقداً حكومياً في إطار اللجان المحلية للإمداد والإنتاج "برنامج كلاب"، لاستيراد الغذاء إلى السكان الجائعين في فنزويلا. لكن صعب وبوليدو استغلا الشركات الوهمية لاستيراد جزء بسيط من الحصص الغذائية، محققين أرباحاً ضخمة.

وأفادت الخزانة الأميركية بأن الحكومة كانت تدفع مسبقاً للشركات الوهمية، التي كانت تقوم برشوة المسؤولين الحكوميين، ثم ترسل جزءاً من الأموال إلى السياسيين وعلائاتهم وشركائهم، عبر استخدام حسابات خارجية. في المقابل، كانت الشركات الوهمية ترسل فواتير مزيفة عن الأغذية المشتراة. ولأن المخطط كان مربحاً للغاية، بدأت الحكومة الفنزويلية، في عام 2018، في استخدام موارد الذهب لدفع تكاليف "كلاب" والعقود الحكومية الأخرى، فضغطت على عمال المناجم لبيع الذهب بسعر رسمي بدلاً من سعر السوق السوداء. ووفقاً للخزانة الأميركية، فإن نقل الذهب كان يتمّ جواً إلى الإمارات وتركيا، وكانت شركة "مالبري"، العائدة لصعب في تركيا، تساهم في تسهيل المدفوعات لبيع الذهب والبضائع إلى العملاء الفنزويليين. وهو ما دفع واشنطن لتفرض عقوبات على صناعة الذهب الفنزويلية في نوفمبر/تشرين الثاني 2018.
وعندما توقفت طائرة صعب في الرأس الأخضر في 12 يونيو/حزيران 2020 للتزود بالوقود، أثناء عودته من إيران إلى فنزويلا. وبعد اعتقاله، ذكرت كراكاس أن صعب كان في "مهمة إنسانية" إلى إيران لتنظيم تبادل الذهب الفنزويلي بالبنزين الإيراني. وهي حجة رفضتها محكمة استئناف بارلافينتو في الرأس الأخضر.

وكان صعب ينتظر منذ أكثر من عام أن يقرر القضاء في الأرخبيل مصيره. وتتهم الولايات المتحدة صعب (49 عاماً) بإدارة شبكة واسعة سمحت لمادورو ونظامه بتحويل مساعدات غذائية مخصصة لفنزويلا لمصلحتهم. ووجهت سلطات العدل الأميركية اتهامات لصعب تتعلق بمخطط للاستفادة من سعر الصرف الذي تحدده الدولة في فنزويلا.


اعتُقل صعب في الرأس الأخضر أثناء عودته من إيران عام 2020

ويشتبه بأن صعب وشريكه ألفارو بوليدو المتهم أيضاً بغسل الأموال، حوّلا 350 مليون دولار من فنزويلا إلى حسابات أجنبية يملكانها أو يسيطران عليها. ويواجه الرجلان عقوبة بالسجن تصل إلى 20 عاماً. واعتبرت كراكاس التي منحت صعب الجنسية الفنزويلية ولقب "مبعوث خاص"، احتجازه في الأرخبيل الأفريقي "تعسفياً". وقال مانويل بينتو مونتيرو، محامي صعب في الرأس الأخضر، إن تسليم صعب إلى الولايات المتحدة غير قانوني، لأن الإجراءات القانونية المتعلقة به في الرأس الأخضر لم تأخذ مجراها الكامل.

وفي مارس/آذار الماضي، أمرت محكمة دول المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) بالإفراج عن صعب. لكن المحكمة العليا في الرأس الأخضر صادقت على قرار تسليم صعب الذي كان يخضع للإقامة الجبرية. ورأى صعب الذي قدم استئنافاً إلى المحكمة الدستورية، في القرار "ظلماً مرتبطاً بالطبيعة السياسية" لتوقيفه والملاحقات التي تستهدفه في الولايات المتحدة.

وفي خطوة لا علاقة لها رسمياً بتسليم صعب، أعيد ستة مسؤولين سابقين في شركة "سيتغو"، الفرع الأميركي لشركة النفط الوطنية الفنزويلية (بيديفيسا)، إلى السجن أول من أمس الأحد، وفق ما أفاد أحد محاميهم وكالة "فرانس برس". وكانت قد صدرت بحق هؤلاء أحكام بالسجن من 8 إلى 13 عاماً بتهم فساد في نوفمبر 2020، لكنهم وضعوا في إقامة جبرية في إبريل/نيسان في إجراء وصف بأنه "بادرة" من حكومة مادورو تجاه الولايات المتحدة. وقال السفير الأميركي السابق بيل ريتشاردسون، الذي فشل في مهمة قادها في فنزويلا من أجل تأمين إطلاق سراحهم العام الماضي "أصبح الموقوفون الأميركيون في فنزويلا الآن يُستخدمون كبيادق سياسية".

(فرانس برس، رويترز)