"حزب المحتالين واللصوص"، وصم أطلقه المدون والسياسي الروسي المعارض، مؤسس "صندوق مكافحة الفساد" أليكسي نافالني (47 عاماً)، على حزب "روسيا الموحدة" الحاكم في عام 2011 وحظي حينها بانتشار واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، مشكلاً مقدمة لدخول المعارض المعتقل حالياً إلى عالم السياسة الروسية.
وخلال 12 عاماً مضت، مرت العلاقة بين السلطة الروسية ونافالني، الذي تنطق محكمة مدينة موسكو، اليوم الجمعة، بالحكم في قضية جديدة بحقه بتهمة "التطرف"، بمراحل مختلفة، راوحت بين السماح له بخوض سباق انتخابات عمدة موسكو في عام 2013، واستبعاده من الانتخابات الرئاسية في عام 2018، وتعرضه لواقعة التسميم بغاز أعصاب يشتبه بأنه ينتمي إلى مجموعة "نوفيتشوك" سوفييتية المنشأ في عام 2020.
نافالني يواجه حكماً بالسجن 20 عاماً
ومنذ عودته من ألمانيا في مطلع عام 2021 بعد رحلة علاج امتدت لأشهر واعتقاله في المطار عند وصوله، واجه نافالني تعديلاً لحكم سابق بالسجن مع وقف التنفيذ إلى السجن النافذ، وحكماً جديداً بالسجن المشدد لمدة تسع سنوات بتهمة "التلاعب"، وصولاً إلى مواجهته اليوم السجن لمدة 20 عاماً، كما طلب الادعاء، مع أداء العقوبة في إصلاحية ذات نظام خاص.
أليكسي كرابوخين: لن يخرج نافالني من السجن طالماً أن بوتين في السلطة
وتنظر محكمة مدينة موسكو بنظام مغلق في القضية الجديدة بحق نافالني بجلسات خارجية في الإصلاحية رقم 6 في مقاطعة فلاديمير، التي يؤدي بها المعارض الروسي الأبرز العقوبة، وقد طلب الادعاء من المحكمة سجن نافالني 20 عاماً بتهم "تشكيل جماعة متطرفة" و"تمويل النشاط المتطرف".
أما المتهم الثاني في القضية دانيال خولودني، وهو المدير الفني السابق لإحدى قنوات نافالني على "يوتيوب"، فطلب الادعاء معاقبته بالسجن لمدة عشر سنوات مع أداء العقوبة في إصلاحية ذات نظام عام.
وتوقع نافالني، أمس الخميس، أن يصدر حكم عليه بعقوبة "ستالينية" تصل إلى السجن 18 سنة أخرى، حسب ما جاء في منشور على موقعه على الإنترنت. وقال: "ستكون عقوبة طويلة... على الطريقة التي تُسمى ستالينية". ودعا إلى المقاومة ضد "الأوغاد واللصوص".
من جهته، توقع عضو المجلس الإقليمي لحزب "يابلوكو" (تفاحة)، الليبرالي المعارض في موسكو، أليكسي كرابوخين، أن تلبي المحكمة طلب الادعاء في مسألة إصدار حكم بالسجن لفترة طويلة بحق نافالني، مرجعاً تشدد السلطة مع أي صوت معارض إلى ضعف موقفها داخلياً في ظروف استمرار القتال في أوكرانيا.
وقال كرابوخين في حديث لـ"العربي الجديد": "من الواضح أن الحكم الذي سيصدر سيكون مطابقاً لما طلبه الادعاء أو أقل بفترة بسيطة مثل نصف عام لحفظ ماء وجه المحكمة، ولن يخرج نافالني من السجن طالماً أن الرئيس فلاديمير بوتين في السلطة، نظراً لقدرة هذا المعارض على إخراج المتظاهرين إلى الشوارع وسجله الحافل في ذلك".
وحول رؤيته لأسباب تساهل السلطات الروسية مع نافالني سابقاً والسماح له بخوض سباق انتخابات رئاسة بلدية موسكو في عام 2013 والتي حل فيها في المرتبة الثانية بحصوله على 27 في المائة من الأصوات، قال كرابوخين: "قبل ذلك كان يتم تعيين حكّام الأقاليم بلا انتخابات محلية مباشرة، وعمدة موسكو سيرغي سوبيانين، الذي انتخبه مجلس دوما (نواب) موسكو، كان يحتاج إلى إضفاء شرعية على وجوده في منصبه عبر مواجهة مرشح حقيقي في منافسة شرسة".
ولخص أسباب التشدد الحالي حيال نافالني بالقول: "في ظروف العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا (الاسم الروسي لغزو أوكرانيا)، يعيش المجتمع الروسي حالة من التوتر تفاقمها التعبئة الخفية للأفراد، والأزمة الاقتصادية، وتراجع سعر صرف الروبل، ما أدى إلى إضعاف وضع السلطة التي ترى، على ما يبدو، أنه لم يعد في متناولها السماح بوجود أصوات مناهضة لها بعد أن كان من شأنها امتصاص غضب الشق المعارض من المجتمع والمساهمة بذلك في استقرار النظام السياسي".
من جهته، اعتبر المدون المعارض الهارب ماكسيم كاتز، في مقطع فيديو على قناته على "يوتيوب" بعنوان "أليكسي نافالني يتحدث" حظي بنحو 850 ألف مشاهدة، أن "المسألة الأهم التي تطرح نفسها على خلفية المحاكمة الجديدة بحق نافالني، هي ما الهدف منها؟ لماذا يحاكم نافالني مرة أخرى؟ لماذا يُطلب السجن له لمدة 20 عاماً طالما أن المدد المحكوم بها حالياً تتجاوز أفق أي تخطيط؟".
ماكسيم كاتز: المغزى من طلب السجن 20 عاماً لنافالني هو التقليل من سماع صوته
ورأى كاتز أن الإجابة عن هذه الأسئلة سهلة، وجوهرها ليس في عدد السنوات، وإنما في طلب سجن نافالني 20 عاماً في إصلاحية ذات نظام خاص، وهو النوع الأكثر قسوة وانغلاقاً للإصلاحيات في روسيا، حيث يودع فيها المجرمون المتسلسلون الأكثر خطراً والمدانون بالسجن المؤبد.
ولفت إلى أن "أي اتصال بين نافالني والعالم الخارجي مقيّد للغاية اليوم، وهو مودع في الحبس الانفرادي في أغلب الأوقات، ولكن هذا الاتصال سينقطع بشكل شبه تام في إصلاحية ذات نظام خاص".
وأوضح كاتز أن المغزى يكمن في التقليل من سماع صوت نافالني وزيادة صعوبة تواصله مع محاميه الذين يوصل عبرهم أقوالاً لا تزال موضع نقاش على الرغم من أنه معتقل منذ أكثر من عامين، معتبراً أنه "لا جدوى من النظر إلى مدة السجن، ومن الواضح أنها تعادل مدة استمرار الحرب (في أوكرانيا) وبقاء بوتين في السلطة".
ومن اللافت أن إيداع نافالني رهن السجن المشدد حالياً لا يثنيه عن التحديث المستمر لحساباته على مواقع التواصل الاجتماعي التي يعلّق من خلالها على الأوضاع السياسية الراهنة.
مسيرة نافالني
منذ بدء مسيرته السياسية في حزب "يابلوكو"، عُرف نافالني بتوجهاته القومية التي أدت إلى استبعاده من الحزب الليبرالي، وسط مشاركته في ما عُرفت بـ"المسيرات الروسية" وتظاهرات حملة "كفانا نغذي القوقاز" المناهضة للدعم المالي الهائل المقدم لجمهوريات شمال القوقاز الروسي، بما لا يتناسب مع مساهمتها الضرائبية في الميزانية الفيدرالية.
وفي نهاية عام 2011، أصبح نافالني أحد زعماء الحركة "من أجل انتخابات نزيهة" وشارك في التظاهرات التي خرجت في موسكو احتجاجاً على الانتهاكات في انتخابات مجلس الدوما (النواب) الروسي، وأخرى رفضاً لعودة بوتين إلى الرئاسة في عام 2012، ليتحول إلى أحد رموز المعارضة "غير النظامية" الروسية.
وتعود شهرة نافالني في روسيا إلى نشاطه كمدون وكتاباته حول استشراء الفساد في مؤسسات السلطات وكبريات الشركات الحكومية، وتأسيسه في عام 2011 "صندوق مكافحة الفساد" المعني بإجراء تحقيقات استقصائية في قضايا الفساد داخل النخبة السياسية الروسية ومحيطها.
ولعل أشهر التحقيقات التي أجراها الصندوق التابع لنافالني فيلمان وثائقيان اتهم أحدهما في عام 2017 رئيس الوزراء آنذاك دميتري مدفيديف بامتلاك أصول سرية، وحظي بنحو 46 مليون مشاهدة، والآخر حول قصر فاخر يزعم أنه أنشئ لبوتين في مدينة غيلينجيك المطلة على البحر الأسود، جنوبي روسيا. ومن اللافت أن الفيلم حول قصر بوتين نشر في مطلع عام 2021 بعد أيام من عودة نافالني من ألمانيا واعتقاله، وحظي بنحو 127 مليون مشاهدة، متصدراً بذلك مقاطع الفيديو بالقطاع الروسي من "يوتيوب".