ألمانيا: لاشيت أسير تحدّيات خلافة ميركل

02 فبراير 2021
مواقف لاشيت الخارجية تختلف كثيراً عن ميركل (Getty)
+ الخط -

فاز رئيس وزراء ولاية شمال الراين فستفاليا الألمانية، أرمين لاشيت، أخيراً، بزعامة الحزب "الاتحاد الديمقراطي المسيحي"، بعدما أكد فرز الأصوات البريدية نيله 980 صوتاً من أصل 1001 مندوب. وجاء انتصاره الكاسح عقب دعوة المرشح الخاسر في الجولة الثانية الفاصلة في الانتخابات الحزبية، فريدريش ميرتس، مناصريه لتأييد لاشيت، وكذلك فعل المرشح الخاسر في الجولة الأولى من الانتخابات الحزبية، نوربرت روتغن. وأدى ذلك إلى رفع النسبة التي حصل عليها لاشيت خلال الانتخابات الحزبية التي جرت عبر الفيديو في 16 يناير/كانون الثاني الماضي، من 52.6 في المائة إلى 83.35 في المائة.
هذه الخطوة، التي قد تشكل قوة دفع للزعيم الجديد، تُظهر مؤشرات إيجابية لوحدة "الاتحاد الديمقراطي المسيحي"، بعد فوزه بفارق ضيّق في 16 يناير. مع العلم أنه لا يمكن معالجة الندوب في صفوف الحزب بسهولة، لا سيما بين النواة الصلبة لمؤيدي ميرتس، بالإضافة إلى تنامي الحديث عن استقالة أعضاء "محبطين" من انتخاب لاشيت. كما يتسلّم الرئيس الجديد قيادة الحزب في وقت حرج نسبياً، قبل أشهر من الانتخابات التشريعية المقررة في 26 سبتمبر/أيلول المقبل، وهي الأولى بعد حقبة المستشارة أنجيلا ميركل. الأمر الذي قد يعيد ترتيب المشهد السياسي في البلاد في ظل الحديث عن تحالفات جديدة.

في السياق، اعتبر الكاتب ألكسندر كيسلر، أنه إذا كان أرمين لاشيت يرغب حقاً في إبقاء الحزب متماسكاً، فعليه عدم تهميش المحافظين المحبطين على المستوى الشعبي. وتطرق الكاتب في حديث صحافي إلى ما وصفه "تذمّر أنصار ميرتس"، المرشح الذي كان متقدماً بفارق نحو 10 نقاط على لاشيت قبل فترة وجيزة من الانتخابات الحزبية، في ظلّ حصوله على تأييد المنظمات الشبابية للحزب في مختلف الولايات. ورأى كيسلر أن فوز لاشيت شكّل انتصاراً لقيادة الحزب، سائلاً: "أين سترسو توجهات 47 في المائة من المندوبين الذين صوّتوا لميرتس، الموصوف بتجسيده التنمّر السياسي داخل حزبه رغم بعض أفكاره الطموحة؟".

وحيال ذلك، رأت شبكة "إيه أر دي" الإخبارية، أنه من الأفضل الأخذ بتطلعات هؤلاء، لا سيما في الولايات الشرقية، كي لا يدفع التمرد في حال حصوله إلى دور هدّام وخراب الحزب. مع العلم أن ميرتس عرض بعد خسارته الانتخابات الحزبية، على لاشيت الانضمام إلى حكومة ميركل كوزير للاقتصاد، لكن المستشارة رفضت الطرح. بالتالي، فإن لاشيت، المقرّب من ميركل، بات في وضع صعب، لأن عدم تعاونه مع ميرتس سيعرّضه للابتزاز من داعمي الأخير داخل الحزب.

في خضمّ ذلك، تكاد تجمع التحليلات على أنه بوصول لاشيت، يكون حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني الشعبوي، قد حصل على خصمه المفضل، لأن اليمين المتطرف يرى في برنامج لاشيت استكمالا لسياسات ميركل. لكن شبكة "إيه أر دي" شدّدت على أنه لا يمكن للمرء الافتراض أن المستشارة ستكون غير مبالية برئيس حزبها، عشية انتخابات تشريعية قد لا تكون خالية من المشاكل. بالتالي، فلا خوف على لاشيت في الوقت المتبقي من عهد ميركل.

حصل حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف على خصمه المفضل في الانتخابات

من جهته، توقع الباحث تورستن فاس، أن تهيمن ميركل خلال الأشهر المقبلة على رئاسة الحزب، على أن يبقى لاشيت منشغلاً بمتطلبات وباء كورونا في ولاية شمال الراين فستفاليا، التي ما زال يترأس حكومتها. مع العلم أن البعض حذّر لاشيت من العمل بدوام جزئي كرئيس وزراء أكبر ولاية في عدد السكان في البلاد وإهماله واجباته الوظيفية لمصلحة رئاسة الحزب. في المقابل، دعا البعض لاشيت لتمييز نفسه ودوره كزعيم لـ"الاتحاد الديمقراطي المسيحي". لكن لاشيت أمام معضلة من نوع خاص، إذ يُمكن تفسير القرب الشديد من ميركل على أنه نقطة ضعف، بينما إذا اختار مساراً مناهضاً لها للخروج من ظلها، سيبدو الحزب منقسماً.

تقارير دولية
التحديثات الحية

ويأتي ذلك وسط الحديث عن الاتفاق على حسم اسم المرشح لمنصب مستشار عن "الاتحاد الديمقراطي المسيحي" في الربيع المقبل، وعلى الأرجح بعد انتخابات ولايتي راينلاند بفالتس وبادن فورتمبيرغ في 14 مارس/آذار المقبل. وهنا اعتبر فاس أن لاشيت يتمتع الآن بزخم الانتصار وفرصه جيدة للغاية لخلافة ميركل في المستشارية.

أما الصعوبات الأخرى المرتقبة للاشيت، فتكمن في أن الحزب يحاول استخدام الصراعات الداخلية للمرشحين المحتملين لمنصب مستشار داخل "الاتحاد الديمقراطي المسيحي". في السياق، أعلن الأمين العام للحزب "الديمقراطي الاشتراكي" لارس كلينغبايل في حديث صحافي، أن حزبه يستغل الوقت حالياً في التحضير للانتخابات التشريعية بعدما تم الاتفاق داخلياً على ترشيح نائب المستشارة، وزير المالية أولاف شولتس لمنصب مستشار. وعزا كلينغبايل ذلك إلى تمتع شولتس بشعبية وخبرة في إدارة الأزمات، بالإضافة إلى امتلاكه خطة واضحة لمجتمع أكثر عدالة، ملمّحاً إلى أن "الديمقراطي الاشتراكي" لا يمانع في التحالف مع حزب "الخضر"، ثاني أقوى الأحزاب الألمانية بعد "الاتحاد الديمقراطي المسيحي".

دعا أحد الكتّاب إلى مناقشة مواقف لاشيت الخارجية خصوصاً في ملفي سورية وروسيا

إلا أن للكاتب ماتيو فون رور رأياً مغايراً، ففي حديث لأسبوعية "دير شبيغل"، اعتبر أنه نادراً ما تمت مناقشة مواقف لاشيت في قضايا السياسة الخارجية. وأشار فون رور إلى أن مواقف لاشيت تختلف كثيراً عن مواقف ميركل، فلاشيت "انحاز في الحرب السورية إلى جانب نظام بشار الأسد الذي قتل مواطنيه، وشارك في الدعاية للنظام عندما طالب بإعادة تقييم دوره ومساوياً بين جميع الفصائل المعارضة". وأضاف الكاتب أن "لاشيت نشر عام 2018 على تويتر، ما ذكره نظام الأسد عن أن داعش مسؤول عن الهجوم الكيميائي على الغوطة الشرقية بالقرب من دمشق (21 أغسطس/آب 2013)، التي كانت حينها تحت سيطرة الثوار".

وتطرق فون رور إلى "شكوى" لاشيت من "الشعبوية المعادية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين"، ونقل عنه قوله إن "المشكلة الحقيقية هي في عدم الحديث بشكل كاف مع روسيا". ونبّه إلى أن لاشيت من المدافعين عن خط "نورد ستريم 2" الذي تعارضه دول أوروبا الشرقية على نطاق واسع، لأنها تعتبره مشروعاً جيوسياسياً للكرملين. ولم يكتفِ فون رور بذلك، بل كشف أن لاشيت شكك بذكاء البريطانيين عند إعلانهم أن العميل الروسي السابق سيرغي سكريبال قد سُمّم من قبل عملاء روس في 4 مارس 2018، رغم ثبوت صحة التورّط الروسي لاحقاً. وإزاء هذه المواقف، اعتبر الكاتب أنه من المفيد أن يعرف المواطنون مواقف لاشيت، لأنها تمثل خروجاً عن السياسة الخارجية لبرلين. وشدّد على أنه مع انتخابه رئيساً لـ"الاتحاد الديمقراطي المسيحي"، من المفيد مناقشة الأمر بشكل علني قبل اتخاذ القرار بشأن إمكانية ترشيحه لمنصب مستشار خلفاً لميركل، وعما إذا كان ما زال يفكر بهذه الطريقة.

المساهمون