تتواصل التحضيرات في جمهورية أفريقيا الوسطى، للانتخابات الرئاسية والتشريعية، المقررة الأحد المقبل، والتي يعتبر فيها الرئيس فوستان أركانج تواديرا، المدعوم من المجتمع الدولي، أوفر المرشحين حظاً، لا سيما بسبب انقسام المعارضة. وعلى الرغم من تمدد القوات المتمردة المسلحة، بدعم من المعارضة، وسيطرتها على عدد كبير من المناطق، واقترابها من العاصمة بانغي، يبدو المجتمع الدولي، بما فيه دول غربية وروسيا، متوافقاً على ضرورة إجراء الانتخابات في موعدها، ما يثبت نفوذ روسيا في هذا البلد، وسط انتقاد أميركي "خجول" له.
يعتبر الرئيس فوستان أركانج تواديرا، المدعوم من المجتمع الدولي، أوفر المرشحين حظاً بالانتخابات
وتمكنت قوات الأمن في جمهورية أفريقيا الوسطى، أول من أمس الأربعاء، من استعادة السيطرة على مدينة بامباري، رابع أكبر مدن البلاد (على بعد 380 كيلومترا شمال شرقي بانغي)، بعد 3 أيام من الاشتباكات بينها وبين متمردين. وقال المتحدث باسم بعثة الأمم المتحدة "مينوسكا" لتحقيق الاستقرار في جمهورية أفريقيا الوسطى، عبد العزيز فال، إن قوات الأمن سيطرت على بامباري، بعد أيام من الاشتباكات بينها وبين مسلحي مجموعة "الاتحاد من أجل السلام" المتمردة. لكن وسائل إعلام محلية، ذكرت في اليوم نفسه، أن مجموعة التحالف المعارض استولت على مدينتي بلوكو وكانتونيير، على حدود الكاميرون، بعد استيلائهم أخيراً على مدينتي بوسيمبيلي ويالوك جنوب غرب البلاد. وكانت المجموعات المسلحة الرئيسية قد تحالفت قبل أسبوع من الانتخابات، وشنّت هجوماً على المحاور الرئيسية المؤدية إلى بانغي، واتهمها معسكر تواديرا بأنها تقوم بـ"محاولة انقلاب" بأوامر من الرئيس السابق فرانسوا بوزيزيه. ووفق بعثة الأمم المتحدة في أفريقيا الوسطى" مينوسكا"، فقد أوقف تقدّم تلك المجموعات الأربعاء، من جانب قوات حفظ السلام التابعة لها والجيش، وتعزيزات من رواندا وروسيا.
وتعد جمهورية أفريقيا الوسطى أحد أفقر البلدان في القارة السمراء، رغم غناها بالألماس، وهي لا تزال تواجه تداعيات الحرب الأهلية والتوترات المسلحة منذ عقود. وتسلط الأضواء مع عودة العنف بوتيرة أقوى، بعدما أصبحت البلاد بثلثيها خاضعة للمجموعات المسلحة وطلب المعارضة تأجيل الانتخابات، على النفوذ الروسي، ودعم موسكو لتواديرا، لا سيما بعد إرسالها مع رواندا أخيراً مئات العسكريين لتأمين الانتخابات. ويتمدد النفوذ الروسي المتنامي في هذا البلد منذ 2018، لا سيما بعد انتهاء مهمتين عسكريتين أميركية وفرنسية عام 2016، كما أن الابتعاد الأميركي عن أفريقيا، وسعي باريس للتمسك بالاستقرار، دفعا الروس إلى إحكام هذا النفوذ، خصوصاً عبر الشركات العسكرية الخاصة. وأكد أعضاء مجموعة "جي 5 بلاس"، التي تضم خصوصاً فرنسا وروسيا والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي، أن الانتخابات ينبغي أن تُجرى "في موعدها الدستوري"، بعدما استثمر المجتمع الدولي نحو 30 مليون يورو لتنظيم الاقتراع.
تعد أفريقيا الوسطى أحد أفقر البلدان في القارة السمراء، رغم غناها بالألماس
وفي بيان لوزارة خارجيتها، دعت الولايات المتحدة أول من أمس، إلى الشفافية ووقف العنف في أفريقيا الوسطى، بعد إرسال روسيا 300 مدرب عسكري إلى هذا البلد. وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية لـ"فرانس برس" حول دور موسكو، إن "موقفنا دائما هو أن الدول التي تقدّم المساعدة، عسكرياً أو غير ذلك، يجب أن تفعل هذا بطريقة شفافة ومنسقة، بحيث تأتي هذه المساعدة لتدعم الرغبة في الحكم الرشيد والاستقرار للشعب". وأسفت الوزارة لتصاعد العنف قبل الانتخابات، داعية جميع الأطراف "إلى وقف الأعمال العدائية وضمان قدرة شعب أفريقيا الوسطى على ممارسة حقه في المشاركة في انتخابات سلمية". وتتولى عناصر من شركات أمن روسية خاصة حماية الرئيس تواديرا.
ودعي نحو 1,8 مليون ناخب إلى صناديق الاقتراع في أفريقيا الوسطى، لكن تهديد المجموعات المسلحة لجزء كبير من أراضي البلاد، من شأنه أن يزيد من رفض المعارضة للنتائج، ما قد يولد المزيد من العنف المسلح. ويشير محللون سياسيون إلى أن تواديرا الذي انتخب عام 2016، يبدو الأوفر حظاً للفوز. ويعدّ أنيسيت جوروج دولوغيليه، رئيس الوزراء السابق، المنافس الرئيسي للرئيس منذ أن رفض الأخير مطلع ديسمبر/كانون الأول الحالي، ترشيح الرئيس السابق فرانسوا بوزيزيه الذي أطيح بانقلاب عام 2013. وأعرب بوزيزيه أخيراً عن دعمه لدولوغيليه، لكن انقسام المعارضة من شأنه تسهيل الطريق أمام الرئيس المنتهية ولايته. ويتنافس في الانتخابات 17 مترشحا بينهم أيضاً رئيس الوزراء الأسبق مارتن زيغويل، ورئيسة الفترة الانتقالية (2014-2016)، كاثرين سامبا بانزا.
وتمزّق أفريقيا الوسطى حرب أهلية منذ أن أطاح تحالف مجموعات مسلحة ذات غالبية مسلمة، تعرف باسم "سيليكا"، فرانسوا ببوزيزيه في العام 2013. وأسفرت المواجهات بين هذا التحالف والمليشيات المسيحية عن سقوط آلاف القتلى بين عامي 2013 و2014، فيما نزح أكثر من ربع سكان البلاد البالغ عددهم 4,9 ملايين نسمة، بينهم 675 ألفاً لاجئون في دول مجاورة، ولا يستطيعون ممارسة حقهم في التصويت.
(رويترز، فرانس برس، الأناضول)