استمع إلى الملخص
- الضغوط تزداد على إسرائيل بعد اعتراف دول بدولة فلسطين وطلب المحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرات اعتقال بحق قادة إسرائيليين، مع توقف مؤقت لشحنة أسلحة أمريكية لإسرائيل.
- ردود فعل دولية متباينة تتراوح بين الترحيب بقرار المحكمة والدعوة لإسرائيل للامتثال، مع تأكيد على أهمية القانون الدولي وحماية المدنيين والحاجة لزيادة المساعدات الإنسانية لغزة.
أدى حكم محكمة العدل الدولية التابعة للأمم المتحدة والذي يأمر إسرائيل بوقف هجومها العسكري على مدينة رفح في جنوب غزة إلى تعميق انفصالها عن الولايات المتحدة بشأن العملية التي تواجه إدانة دولية متزايدة، في الوقت الذي يصفها فيه المسؤولون الأميركيون بأنها عملية محدودة ومستهدفة. ويزيد القرار الذي اتخذته محكمة لاهاي أمس الجمعة من الضغوط التي تواجه إسرائيل، ويأتي بعد أيام قليلة من إعلان النرويج وأيرلندا وإسبانيا الاعتراف بدولة فلسطينية وطلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وقادة حماس.
في المقابل، تقف إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بمعزل عن المجتمع الدولي، حيث تصر، رغم معارضتها هجوماً كبيراً في رفح، على أن الخطوات التي اتخذتها حليفتها الوثيقة إسرائيل حتى الآن لم تتجاوز الخطوط الحمراء، ويبدو أن مسؤولي الإدارة عازمون حتى الآن على المضي قدماً في تقديم الدعم العسكري والسياسي لإسرائيل فيما يواصلون الضغط أيضاً عليها لتجنب عملية عسكرية واسعة النطاق في رفح المكتظة بالسكان.
وقال مستشار الأمن القومي جيك سوليفان للصحافيين في مؤتمر صحافي بالبيت الأبيض هذا الأسبوع: "ما رأيناه حتى الآن، في ما يتعلق بالعمليات العسكرية الإسرائيلية في تلك المنطقة، أنها كانت أكثر استهدافاً ومحدودة، ولم تتضمن عمليات عسكرية كبيرة في قلب المناطق الحضرية الكثيفة"، لكنه أضاف: "لكننا نراقب الآن ما يجري من هنا". وقال مسؤول في وزارة الخارجية، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، لوصف التقييم الداخلي للإدارة للوضع، إن العملية في غزة "لم تنتقل بعد إلى وسط مدينة رفح الذي يقودنا إلى المناطق الأكثر كثافة".
وكان البيت الأبيض أعلن في وقت سابق من هذا الشهر أنه أوقف مؤقتاً شحنة تضم نحو 3500 قذيفة، بما في ذلك قذائف ضخمة تزن 2000 رطل قالت الإدارة الأميركية إنها تؤدي إلى مقتل مدنيين. وحذر بايدن خلال مقابلة مع شبكة "سي أن أن" من أنهم "إذا دخلوا رفح، فلن أقوم بتزويدهم بالأسلحة التي استخدمت في السابق". وأشار المسؤولون الأميركيون، أثناء الضغط على إسرائيل، إلى أن القيام بعملية كبيرة هو خط أحمر من شأنه أن يقوض المفاوضات المتوقفة بشأن اتفاق لإعادة الرهائن الإسرائيليين الذين تحتجزهم حماس، وسيدفع بايدن إلى التراجع عن المضي قدماً في إرسال المزيد من الأسلحة إلى إسرائيل.
لكن يبدو أن لهجة البيت الأبيض شهدت تحولاً ملحوظاً هذا الأسبوع بعد عودة سوليفان من زيارة إلى إسرائيل، حيث قال إنه جرى إطلاعه على "التحسينات" في الخطة الإسرائيلية للقضاء على حماس في رفح. وخلال محادثات سوليفان مع نتنياهو ومسؤولين آخرين، تناول الجانب الإسرائيلي العديد من مخاوف بايدن بشأن رفح، وفقاً لمسؤول كبير في الإدارة طلب عدم الكشف عن هويته، وقال المسؤول إن الإدارة لم تصل إلى حد إعطاء الضوء الأخضر للخطة الإسرائيلية، لكن التغييرات التي وضعها المسؤولون الإسرائيليون على الخطة تشير إلى أنهم يأخذون مخاوف بايدن على محمل الجد.
ولا توجد آلية عملية لإجبار إسرائيل على الامتثال لأمر محكمة العدل الدولية الذي ينص، بالإضافة إلى الأمر بوقف الهجوم، على زيادة المساعدات الإنسانية للمنطقة ووصول محققي جرائم الحرب إلى غزة. ولم تظهر إسرائيل أي علامات على اعتزامها تغيير مسارها بعد حكم الجمعة. وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أمام لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب يوم الأربعاء الماضي: "عندما يتعلق الأمر برفح، فقد أعربنا منذ مدة طويلة عن مخاوفنا بشأن هجوم عسكري شامل على رفح والأضرار التي يمكن أن يلحقها ذلك بالسكان المدنيين في غياب خطة واضحة وذات مصداقية لحمايتهم". وأكد بلينكن أن الإدارة لا تعتقد أن شن هجوم كبير سيحقق النتائج التي تتطلع إسرائيل إلى تحقيقها، وهي "التعامل بفعالية وبشكل دائم مع حماس"، وقال: "مخاوفنا بشأن هجوم عسكري شامل في رفح لا تزال قائمة، لدينا طرق أخرى للتعامل مع التحدي الذي تمثله حماس ونعتقد أنها يمكن أن تكون أكثر فعالية وأكثر ديمومة".
وكانت جنوب أفريقيا قدّمت، في 10 مايو/ أيار الحالي، طلباً جديداً إلى محكمة العدل الدولية لإصدار أمر عاجل يقضي باتخاذ تدابير إضافية لحماية الفلسطينيين في غزة، في أعقاب الاجتياح الإسرائيلي لمدينة رفح، جنوبي القطاع المحاصر، وبالفعل، عقدت المحكمة جلستي استماع يومي الخميس والجمعة الماضيين. وأمرت محكمة العدل الدولية في لاهاي، الجمعة، إسرائيل بوقف هجومها العسكري على رفح في جنوب قطاع غزة بشكل فوري، مشيرة إلى أن الوضع الحالي ينطوي على مخاطر جديدة بإلحاق "أضرار بحقوق الناس في غزة لا يمكن إصلاحها"، وشدد رئيس المحكمة نواف سلام على أن الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل لحماية المدنيين غير كافية للحدّ من المخاطر التي يتعرّضون لها نتيجة الهجوم على رفح، مؤكداً أن إسرائيل لم تتعامل بشكل مرضٍ يتجاوب مع المخاوف المطروحة. ولفت إلى أن الوضع الحالي الناتج عن هجوم إسرائيل العسكري "يمثل مزيداً من الخطر والضرر الذي لا يمكن إصلاحه بحق المدنيين".
وأشادت وزارة العلاقات الخارجية في جنوب أفريقيا، الجمعة، بالأمر الذي أصدرته محكمة العدل الدولية لإسرائيل بوقف عمليتها العسكرية في مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، ووصفت الحكم بأنه غير مسبوق، فيما قال مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل: "ماذا سيكون الرد على حكم محكمة العدل الدولية الذي صدر اليوم، ماذا سيكون موقفنا؟ سيتعين علينا الاختيار بين دعمنا للمؤسسات الدولية المعنية بسيادة القانون ودعمنا لإسرائيل".
ورحبت جامعة الدول العربية بالقرار الذي أصدرته محكمة العدل الدولية وشدّدت، في بيان، على أن عدم امتثال إسرائيل لقرار المحكمة يعني المزيد من الإخلال بتعهداتها حيال اتفاقية منع الإبادة الجماعية، وأعربت قطر عن أملها أن يمهد القرار لوقف فوري وشامل ودائم لإطلاق النار في القطاع. وطالبت مصر إسرائيل بضرورة الامتثال لالتزاماتها القانونية في إطار اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، والقانون الدولي الإنساني، وتنفيذ كافة التدابير المؤقتة الصادرة عن محكمة العدل الدولية. وأكد الأردن ضرورة تنفيذ هذا القرار الذي يمثل الإرادة الدولية الداعية إلى وقف هذه الحرب العدوانية المستعرة وما تنتجه من معاناة وكارثة إنسانية غير مسبوقة. كما رحبت المنظمات الإنسانية الدولية الرائدة بحكم محكمة العدل الدولية بسبب الضغوط التي أملت أن يجلبها، وقالت منظمة أطباء بلا حدود إن ذلك تأكيد على مدى "كارثية" وضع المدنيين الفلسطينيين في غزة و"الحاجة الماسة لزيادة المساعدات الإنسانية على الفور".
(أسوشييتد برس، العربي الجديد)