أسرى اليمن: ورقة ضغط سياسية في يد أطراف الحرب

31 ديسمبر 2022
مقاتلون حوثيون يصلون صنعاء بعد عملية تبادل، أكتوبر 2022 (محمد حمود/Getty)
+ الخط -

منذ مطلع العام الحالي تنتظر السيدة اليمنية "أم سامي" (48 عاماً) الإفراج عن ابنها، بعد إبلاغها أنه سيخرج ضمن صفقة تبادل بين الحكومة اليمنية وجماعة الحوثيين، لكنها بدأت تفقد الأمل تدريجياً مع مضي أشهر الهدنة التي بدأت في 2 إبريل/ نيسان الماضي، وانتهت في 2 أكتوبر/ تشرين الأول، من دون أن يتحقق ذلك.

ويقبع الآلاف من اليمنيين في سجون أطراف الحرب، سواء كانوا أسرى من جبهات القتال المختلفة أو مختطفين تمّ اعتقالهم من منازلهم أو مقار أعمالهم أو في النقاط الأمنية المنتشرة في عموم المحافظات اليمنية، مع فشل جهود صفقة تبادل تمّ الاتفاق عليها في مارس/ آذار 2022.

وقالت أم سامي لـ"العربي الجديد" إن ابنها جرى استقطابه للقتال في صفوف الحوثيين ولم تعرف إلا عندما أبلغت العائلة من أصدقائه أنه ذهب للقتال في مدينة الحديدة وأسر هناك قبل عامين. وأضافت: "قال لنا الحوثيون إنهم سيتبادلون به قبل عام، لكن لم يحدث ذلك. أنا أريد ابني فقط".

فشلت جهود صفقة تبادل تمّ الاتفاق عليها في مارس الماضي

وعاد ملف تبادل الأسرى إلى ساحة الجدل مع تبادل جماعة الحوثيين والحكومة اليمنية أول من أمس الخميس الاتهامات بشأن عرقلة التبادل. واتهم رئيس لجنة الأسرى التابعة للحوثيين، عبد القادر المرتضى، الحكومة اليمنية والسعودية بتعمّد عرقلة صفقة تبادل الأسرى التي كان اتفق عليها.

وقال المرتضى: "لا يزال ملف الأسرى مجمداً منذ مارس الماضي، ولم يحصل فيه أي تقدم، على الرغم من توقيعنا على اتفاق ينص على تبادل أكثر من 2200 أسير من الطرفين، برعاية أممية". وحمّل المسؤول الحوثي السعودية مسؤولية الجمود الذي دخلته صفقة التبادل الكبرى منذ بدء الحرب، وأكد أنهم على تواصل مع الطرف السعودي، مشدّداً على أن "الأسرى السعوديين لن يخرجوا إلا بصفقة شاملة"، وفق ما نقلت عنه وسائل إعلام الحوثيين.

في المقابل، أكدت الحكومة اليمنية جاهزيتها لإنهاء ملف الأسرى والمختطفين والتبادل مع جماعة الحوثيين، بمبدأ "الكل مقابل الكل". وجاء ذلك رداً على مزاعم الحوثيين بشأن عرقلة الحكومة والسعودية عمليات التبادل بين الطرفين.

وقال رئيس فريق الحكومة التفاوضي بشأن الأسرى هادي هيج: "نعلنها بصريح العبارة وبالفم الملآن، جاهزون للتبادل اليوم: الكل مقابل الكل"، لافتاً إلى أن "التلاعب بملف المحتجزين يُخرج الإنسان من إطار الإنسانية، كون الملف إنسانياً". واتهم هيج الحوثيين بإخفاء قيادات وأكاديميين وإرهاق أسرهم، بحسب تغريدة له على موقع "تويتر".

ويأتي الحديث عن ملف تبادل الأسرى بالتزامن مع تعثر جهود تمديد الهدنة الأممية المنتهية في مطلع أكتوبر الماضي، وسط سلسلة تهديدات أطلقتها جماعة الحوثيين خلال الأيام الماضية بالتصعيد العسكري، في الوقت التي تشهد فيه الحرب اليمنية حالة من التهدئة.

اليمن... اتفاق متعثر لتبادل الأسرى

وفي أواخر مارس الماضي أعلن الحوثيون عن التوصل إلى اتفاق لتبادل الأسرى مع التحالف الذي تقوده السعودية، يشمل 16 سعودياً، وتمّ التوصل إلى الصفقة التي لم تكتمل حتى الآن، برعاية أممية، وشملت 1400 من أسرى الحوثيين مقابل 823 من جانب القوات الحكومية، من بينهم وزير الدفاع اليمني السابق محمود الصبيحي، وشقيق الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي، ناصر منصور هادي.

وفي مطلع أغسطس/ آب، أعلن مكتب المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ أن اللجنة الإشرافية لتنفيذ اتفاق إطلاق سراح المحتجزين وتبادلهم بين الأطراف في اليمن عقدت مشاورات واتفقت على تكثيف الجهود لتحديد قوائم المحتجزين بشكل نهائي وتوحيدها، وإنشاء لجنة مشتركة بينهم لدعم عملية التحقق من هوية أسماء المحتجزين المدرجة في القوائم.

وتبادلت السعودية والحوثيون الزيارات في أكتوبر، بشأن التأكد من الأسرى لدى الجانبين، إذ زار وفد من الحوثيين مدينة أبها جنوب المملكة، والتقى أسراهم هناك، بالتزامن مع زيارة وفد سعودي صنعاء ولقاء أسراهم لدى الحوثيين، في إطار التأكد من أسماء الذين سيتم الإفراج عنهم في صفقة التبادل المتعثرة إلى الآن.

يحمّل الحوثيون السعودية مسؤولية الجمود الذي دخلته صفقة التبادل الكبرى منذ بدء الحرب

ووصف المتحدث باسم التحالف الذي تقوده السعودية تركي المالكي، حينها، الزيارة، بأنها "ذات طابع إنساني"، وقال إنها "تعنى بملف الأسرى كحالة إنسانية بحتة، كما أنها تأتي كأحد مكاسب الهدنة والسعي إلى تمديدها". في المقابل، عبّر رئيس لجنة أسرى الحوثيين عبد القادر المرتضى عن حرص جماعته على أن يبقى ملف الأسرى إنسانياً مهماً كانت التغيرات الأخرى. وقال المرتضى: "لا يمكن أن نربط هذا الملف بأي متغيرات سياسية أو عسكرية أو أمنية"، في إشارة إلى مفاوضات تمديد الهدنة المنتهية.

ملف ابتزاز سياسي

وتحوّل ملف الأسرى والمختطفين في اليمن إلى مادة للجدال وتبادل الاتهامات بين مسؤولي الحوثيين والحكومة، في الوقت الذي يقبع في السجون المئات من المختطفين المدنيين ويتم استخدامهم ضمن التبادل مع أسرى الحرب في جبهات القتال.

وقالت رئيسة رابطة أمهات المختطفين، أمة السلام الحاج: "إننا على أعتاب عام 2023 وأبناؤنا ما زالوا يعانون داخل السجون الحوثية، وبعضهم قضى أكثر من سبع سنوات في الأسر". وأضافت الحاج في حديث مع "العربي الجديد": "ما زال ملف التبادل عالقاً بين الأطراف المختلفة ومكتب المبعوث وكل فترة نسمع تصريحات واتهامات بين الطرفين (الحوثيين والحكومة)، وأبناؤنا هم الضحية وذووهم وأمهاتهم يعانون الأمرّين".

وتابعت: "من المؤسف أن ملف التبادل أصبح قضية سياسية خاضعة للابتزاز، خصوصاً من قبل جماعة الحوثيين، ونطالب بإطلاق سراح أبنائنا من دون شرط أو قيد فهم مدنيون لم يشاركوا في حمل السلاح والحرب وقضيتهم قضية إنسانية بحتة".

من جهته، رأى الصحافي والحقوقي هشام طرموم أن "جماعة الحوثيين استطاعت إدراج أسماء المختطفين، ومنهم صحافيون، في مفاوضات ومساومات تبادل مع مدنيين، ونجحت في إخراج عناصر من مقاتليها في صفقة تبادل سابقة برعاية الأمم المتحدة".

هشام طرموم: الحوثيون يفاوضون دائماً بتبادل مقاتليهم الأسرى بمدنيين وسياسيين وصحافيين تم اختطافهم

وأضاف طرموم في حديث لـ"العربي الجديد" أن "الحوثيين يفاوضون دائماً بتبادل مقاتليهم الأسرى، بمدنيين وسياسيين وصحافيين تم اختطافهم من مقار أعمالهم ومن منازلهم، وهؤلاء مفترض أن يتم الإفراج عنهم من دون قيد أو شرط". ورأى أن "جماعة الحوثيين استخدمت هذا الملف كورقة سياسية لابتزاز الحكومة، التي بدورها وافقت تحت ضغط أسر المختطفين على تبادل مقاتلين حوثيين بمدنيين". وشدّد على ضرورة "أن تقوم الأمم المتحدة والجهات الدولية بالضغط على الحوثيين لعدم توظيف هذا الملف الإنساني كورقة ضغط سياسي".

وخلال السنوات الماضية عُقدت جولات مشاورات متعددة بين الأطراف اليمنية في العاصمة الأردنية عمّان، برعاية أممية. ويعد ملف الأسرى من أهم الملفات الإنسانية بين أطراف الحرب اليمنية. ولا يعرف إلى الآن عدد الأسرى والمعتقلين لدى الجانبين. وفي أواخر عام 2018 أثناء مفاوضات استوكهولم بين الحكومة اليمنية والحوثيين قدّم الطرفان كشوفات تضم نحو 16 ألف أسير من الطرفين.

وبرزت خلافات كبيرة أثناء المفاوضات أفشلت الكثير من جهود التبادل، وأبرزها المخفيون قسراً، وجثث القتلى، وأسماء غير موجودة، واتهمت الحكومة الحوثيين بإعطاء كشوفات لأسماء غير موجودين لديهم. في المقابل يزعم الحوثيون أن الحكومة ترفض الاعتراف بتلك القوائم، بالإضافة إلى القيادات السياسية والعسكرية التي ترفض جماعة الحوثيين الكشف عن مصيرهم، ومنهم القيادي في حزب الإصلاح اليمني محمد قحطان.

وبناء على اتفاق استوكهولم في 13 ديسمبر/ كانون الأول 2018، وبعد نحو عامين، وصلت مفاوضات تبادل الأسرى والمعتقلين إلى الاتفاق على البدء بالإفراج عن الأسرى والمعتقلين على دفعات متتالية من القوائم التي يتم الاتفاق عليها. وبالفعل تمّ تنفيذ أكبر صفقة تبادل أسرى في أكتوبر 2020 بوساطة أممية، وأطلق سراح 1056 أسيراً من الجانبين.

وتتهم منظمات حقوقية الحوثيين بتعذيب المختطفين في سجونها وإجبارهم على اعترافات، في الوقت التي تستمر الجماعة في إجراء محاكمات وإصدار أحكام إعدام بحق العشرات منهم. وفي إبريل/ نيسان 2020 أصدر الحوثيون حكماً بإعدام أربعة صحافيين، ما زالوا في سجون الجماعة إلى الآن للعام السابع على التوالي.

المساهمون