أثار مقتل أسامة شحادة العزيزي، والي حوران لدى تنظيم "داعش"، زوبعة من ذكريات تاريخ النزاع المسلح بين مختلف الفصائل والمليشيات التي استباحت مناطق سهل حوران جنوبي سورية، وكان موته ضرورة وحاجة ملحة لمعظم جهات الصراع في الجنوب، وفي مقدمتها أجهزة النظام السوري الأمنية، والمليشيات الإيرانية واللواء الثامن التابع لروسيا، بالإضافة لعدد من الفصائل المعارضة.
فمن هي هذه الشخصية الجدلية التي سعت معظم قوى النزاع للتخلص منها؟
قُتل أسامة العزيزي في منزل كان يتحصن فيه مع سبعة من رفاقه في بلدة نوى الواقعة في الشمال الغربي لمدينة درعا يوم 28 يناير/ كانون الثاني الفائت، بعد هجوم من مجموعة سامر أبو السل الذي كان يتبع لـ"الجيش الحر"، وبدعم من اللجنة المركزية التي تتبع للأجهزة الأمنية، ومن الفيلق الخامس التابع لروسيا.
وبحسب مصادر "العربي الجديد"، فقد وُلد أسامة العزيزي عام 1982 في بلدة الشجرة غربي مدينة درعا، وتعلم في مدارسها حتى الصف الثاني الإعدادي، حيث رسب في صفه وترك الدراسة ليعمل مع أفراد العائلة في مهنة التصوير في الأفراح والمناسبات الخاصة ضمن البلدة والقرى المحيطة. وعُرف بشدة تعصبه للعائلة وعصبيته وانفراده برأيه ومواقفه.
يقول عنه أحد أبناء بلدة الشجرة لـ"العربي الجديد": "كان ذا طبيعة قاسية وعدوانية أحياناً منذ صغره، ويكره المدرسة والعلوم بما فيها العلوم الشرعية، على الرغم من أنه يخفي الكثير من الذكاء والفطنة خلف صمته وفي حدة نظراته، بالإضافة إلى جموحه للسلطة والقيادة، وقد ظهر هذا جلياً في حبه لامتلاك الخيول، حيث جمع أكثر من سبعة منها في أول فرصة امتلك فيها المال والسلطة".
وأضاف رافضاً ذكر اسمه لأسباب أمنية أنّ "نزعة التطرف قد امتلكت جميع أفراد عائلة العزيزي، حيث انشق شقيقه الأكبر العقيد الطيار خالد العزيزي عن جيش النظام منذ بداية الأحداث، واستلم فيما بعد إدارة منظمة أمل للمساعدات الإنسانية، فيما انضم عدد كبير من أفراد العائلة إلى تنظيم داعش وتبوأ بعضهم مراكز قيادية، ويُذكر منهم ابنا عم أسامة العزيزي فايز وطه؛ وهذا الأخير أفتى بمقتل والده جاد الله العزيز كونه معلماً في إحدى مدارس النظام الحاكم".
أما شخص أسامة العزيزي فلم يكن بعيداً عن ممارسة أعمال العنف وبحق المقربين منه، فقد جلد مواطنين من أبناء بلدته لأنهم يدخنون السجائر، وعاقب نساء ظهرن من دون خمار، وكذلك نحر عدة أشخاص من آل الجهماني وآل العيد بتهمة التعامل مع "الجيش الحر"، وقطع رأس أحدهم بتهمة السحر والشعوذة، وصادر أراضي وأملاكاً لمواطنين بتهمة الهجرة والكفر، وكذلك اتبع مع أهالي بلدته سياسة التجويع ومنع عنهم الخبز لعدم الانتماء إلى التنظيم والدفاع عنه.
وكان العزيزي قد انتمى إلى "جيش خالد بن الوليد" عام 2012 الذي يُعرف باسم "لواء شهداء اليرموك"، وما لبث أن أصبح قيادياً فيه إلى جانب شقيقه عبد القادر، هذا الذي اختفى في ظروف غامضة عام 2018. ثم بايع مع جماعته تنظيم "داعش" عام 2014، ليبدأ منها رحلته القصيرة إلى الأردن والعودة لاستلام زمام القيادة متدرجاً في المناصب وصولاً إلى "والي حوران".
يقول القيادي السابق في "الجيش الحر" أحمد سويدان، لـ"العربي الجديد"، إنّ "لواء شهداء اليرموك الذي يضم قيادات من آل العزيزي لم يكن بتلك القوة قبل انضمام أسامة إلى التنظيم، وهو قام بتعطيل العديد من المعارك في المنطقة الغربية وخصوصاً معارك تحرير القنيطرة ومعارك التلول، التي كان الهدف منها فتح طريق باتجاه الغوطة الغربية، مستغلاً مواقع تحصيناته في منطقة حوض اليرموك وهي منطقة صعبة جغرافياً، بالاضافة للدعم المالي الضخم الذي كان يتلقاه من التنظيم، هذا الدعم الذي مكّنه من استقطاب العديد من العناصر والمشبوهين وأصبح قوة ضاربة بعد انضمام حركة (المثنى الإسلامية) إليه عام 2015، والتي صُنفت حينها من أكبر وأشرس الفصائل في الجنوب".
دخل أسامة العزيزي الأراضي الأردنية أكثر من مرة، وشكل على أثر اجتماعاته في الأردن، بداية العام 2014، اللواء "555 مشاة"، وحصل على دعم مالي وعسكري، فيما لم يُسجل لهذا اللواء أي عمل عسكري ضد السلطة الحاكمة وأجهزتها، حتى إن البعض اعتبر وجوده وهمياً على الأرض، كأي شركة وهمية لجلب وتبييض الأموال.
وقد اختفى هذا اللواء مع اختفاء قائده العزيزي بداية عام 2018، حتى اعتقد البعض أنه من بين المجموعات المسلحة للتنظيم التي نقلها النظام السوري إلى مناطق شرقي محافظة السويداء، قبل هجوم التنظيم على بلدات في ريف السويداء الشرقي في 25 يوليو/ تموز 2018.
انتهت مسيرة أسامة العزيزي بعد تنقله سنوات عبر الحواجز الأمنية في أرياف محافظة درعا وإلى مخيم اليرموك وشرقي السويداء والأردن وغيرها، تاركاً خلفه تاريخاً من العنف والأسرار والولاءات غير المؤكدة لمعظم القوى المتنازعة في الجنوب السوري، ليؤكد بموته اتفاقاً ضمنياً على دفن حقيبة من الأسرار.