قالت مصادر دبلوماسية مصرية، في أحاديث خاصة لـ"العربي الجديد"، إن القاهرة وجّهت رسائل لأكثر من طرف من أطراف قضية سد النهضة الإثيوبي، تفيد بأنها مستعدة للعودة إلى المفاوضات الثلاثية تحت رعاية الاتحاد الأفريقي، بشرط وضع جدول زمني للمفاوضات. وأوضحت المصادر أن القاهرة لا تزال "تأمل أن تتكلل المساعي التي يقوم بها الرئيس السنغالي ماكي سال، والذي ترأس بلاده حالياً الاتحاد الأفريقي، في ملف أزمة سد النهضة بالنجاح، كما تأمل في إسهام الاتحاد الأوروبي بدور لدفع المفاوضات".
أزمة سد النهضة: مخاوف من هدر مزيد من الوقت
وتعليقاً على ذلك، رأى دبلوماسي مصري سابق خبير في الشؤون الأفريقية أن "ضياع مزيد من الوقت في جولة جديدة من المفاوضات غير المشروطة لن يؤدي سوى لإعطاء مزيد من الوقت للطرف الإثيوبي للانتهاء من إنشاء سد النهضة وتشغيله بشكل كلي". وأوضح، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "المفاوضات يجب أن تكون مشروطة بضرورة التوصل إلى اتفاق فني بين الدول الثلاث (مصر والسودان وإثيوبيا) حول قواعد ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي".
القاهرة تأمل نجاح مساعي ماكي سال في أزمة سد النهضة
وأشار المصدر إلى أن "ذلك الاتفاق كان المفترض أن يتم التوصل إليه بين الدول الثلاث عقب توقيع اتفاقية إعلان المبادئ بشأن سد النهضة في الخرطوم عام 2015، لكن الإهمال من جانب الإدارتين المصرية والسودانية لذلك الأمر، هو ما أدى إلى تفاقم الأزمة". وأكد أن "بناء الإدارة المصرية موقفها في القضية على مجرد انتظار خرق أديس أبابا اتفاقية إعلان المبادئ، وتحديداً المبدأ الخامس منها، أمر لن يؤدي إلى أي نتيجة، لأنه بعد أن تنتهي أديس أبابا من بناء وتشغيل السد من دون اتفاق مع دولتي المصب، لن تفيد مصر والسودان مسألة أن إثيوبيا خالفت الاتفاق، لأنه سيصبح أمراً واقعاً".
وينص المبدأ الخامس على "الاتفاق على الخطوط الإرشادية وقواعد الملء الأول لسد النهضة والتي ستشمل كافة السيناريوهات المختلفة، بالتوازي مع عملية بناء السد. والاتفاق على الخطوط الإرشادية وقواعد التشغيل السنوي لسد النهضة، والتي يجوز لمالك السد ضبطها من وقت لآخر. وإخطار دولتي المصب بأية ظروف غير منظورة أو طارئة تستدعي إعادة الضبط لعملية تشغيل السد".
وكان رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد قد وجّه، الأربعاء الماضي، رسالة إلى مصر والسودان بشأن نزاع سد النهضة، داعياً إياهما إلى العمل بـ"شكل تعاوني للوصول إلى حل مربح لجميع الأطراف". وجاء ذلك بعد إعلان أديس أبابا، الأحد الماضي، تشغيل السد وتوليد الكهرباء، وهو ما اعتبرته القاهرة والخرطوم "إمعاناً من الجانب الإثيوبي في خرق التزاماته، واستمراراً لسياسة أديس أبابا في العمل بشكل أحادي". وقال أبي أحمد إن بلاده "منفتحة دائماً على حل مربح لجميع الأطراف في ما يتعلق بقضية سد النهضة الإثيوبي الكبير".
وحسب وكالة الأنباء الإثيوبية الرسمية الأربعاء، قال أبي أحمد، رداً على أسئلة طرحها أعضاء مجلس النواب الإثيوبي، إن "إثيوبيا تريد العمل بشكل تعاوني ومن خلال التفاوض مع الأشقاء المصريين والسودانيين"، وأضاف: "ليست لدينا رغبة في وقف تدفق مياه النيل، بل توليد الطاقة فقط".
وتعليقاً على تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي، قال الدبلوماسي المصري الذي تحدث لـ"العربي الجديد" إن "أديس أبابا لطالما استخدمت أسلوب المراوغة للتهرب من استحقاقات قضية سد النهضة، حتى يتسنى لها الوقت لإتمام عملية بناء وتشغيل السد بشكل منفرد، وهذا أمر أصبح ظاهراً لا لبس فيه، لكن العبرة الآن بما ستفعله مصر والسودان". وأكد ضرورة "الضغط من أجل صياغة اتفاق فني (مُكمل) لاتفاقية إعلان المبادئ، يكون خاصاً بمبادئ ملء وتشغيل سد النهضة بالتعاون ما بين الدول الثلاث، وهو الاتفاق الذي أشار إليه إعلان المبادئ نفسه".
تخوف من تضييع الوقت بما يسمح لإثيوبيا باستكمال السد
يأتي ذلك في الوقت الذي قلل فيه علاء الظواهري، عضو اللجنة المصرية المعنية في مفاوضات سد النهضة، من أهمية إعلان أبي أحمد بدء المرحلة الأولى من توليد الكهرباء من سد النهضة، الأحد الماضي، عبر تدشين توربين واحد من إجمالي 13 بقدرة 350 ميغاوات. وقال الظواهري في تصريحات صحافية أمس الجمعة إن مصر "ليست ضد توليد الكهرباء، ولكن كيفية تشغيل التوربينات وكميات المياه الخارجة من السد هي الجزئية الأهم". وأكد الظواهري أن مصر "تراقب كل ما يحدث في سد النهضة بشكل يومي"، مضيفاً "كنا نعلم كل شيء يخص السد، خصوصاً من حيث الارتفاع وأيضاً موعد تشغيل التوربين قبلها بشهر، واتخذنا العديد من الخطوات الاحترازية".
وكان سفير الاتحاد الأوروبي لدى مصر كريستيان بيرغر، قد أكد ضرورة التوصل إلى اتفاق بين الدول الثلاث (مصر وإثيوبيا والسودان) حول سد النهضة. وقال خلال مؤتمر صحافي مساء الثلاثاء الماضي، على هامش زيارته إلى أسوان، رداً على سؤال حول موقف الاتحاد الأوروبي من دعم مصر في قضية سد النهضة: "أعتقد أن موقفنا واضح منذ البداية، وهو ضرورة التوصل إلى اتفاق بين الدول الثلاث، لأننا نؤمن بأن هذا مفيد للمواطنين على طول النهر... لذلك نحن نؤكد بإصرار على الوصول إلى حل إيجابي للدول الثلاث، وقد قدمنا المشورة حيث تمت دعوتنا للمساعدة في المفاوضات كمراقب، والمبعوثة الخاصة للاتحاد الأوروبي لمنطقة القرن الأفريقي أنيتا ويبر، التي ستقوم بزيارة إلى مصر قريباً لإجراء مباحثات مع المسؤولين المصريين".
يُذكر أن آخر جلسة للمفاوضات جرت في إبريل/نيسان الماضي برعاية الاتحاد الأفريقي، وأعلنت عقبها الدول الثلاث فشلها في إحداث اختراق؛ ما دعا مصر والسودان للتوجه إلى مجلس الأمن الذي أصدر "قراراً رئاسياً"، منتصف سبتمبر/أيلول الماضي، يشجع الدول الثلاث على استئناف المفاوضات، برعاية الاتحاد الأفريقي، للوصول إلى اتفاق مُلزم خلال فترة زمنية معقولة.