أزمة تبحث عن مبعوث

03 اغسطس 2021
لم تعمل الأمم المتحدة كما يجب لوقف الحرب (Getty)
+ الخط -

بدلاً من قدومه لفك شفرات لغز الأزمة اليمنية المعقد الذي عجز عنه أسلافه، تحوّل المبعوث الأممي الجديد لدى اليمن، السويدي هانس غروندبرغ، إلى أزمة أخرى داخل دهاليز مجلس الأمن الدولي. ففي شهر يوليو/تموز الماضي، شهدت الأزمة اليمنية فراغاً أممياً للمرة الأولى منذ بدء الحرب عام 2014، بعد تعثّر عملية تسمية خلفٍ للمبعوث مارتن غريفيث في مجلس الأمن. حينها لم يحصل الدبلوماسي السويدي على موافقة الصين، على الرغم من التأييد الذي ناله من باقي الدول الأربع دائمة العضوية (الولايات المتحدة، روسيا، بريطانيا، فرنسا)، وقبل ذلك من الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً.
طيلة الأسابيع الماضية تمسكت الصين بموقفها في عدم إعطاء الموافقة لتعيين المبعوث الأممي الرابع بالأزمة اليمنية (بعد غريفيث، وجمال بن عمر، وإسماعيل ولد الشيخ أحمد). يبدو أن هذا الموقف سيتحول إلى "فيتو" رسمي خلال الأيام المقبلة. وهو ما سيفتح المجال أمام صراع نفوذ علني للدول الكبرى في الملف اليمني، في حال توصلت الدول الخمس إلى ضرورة وجود شخصية أممية أقوى من الدبلوماسي السويدي.

صحيح أن وجود مبعوث أممي من عدمه أمر واحد، ولا يشكل فارقاً في الملف اليمني، خصوصاً في ظل عدم توفر بنية تحتية لعملية السلام المنتظرة، إلا أن ما يحصل في مجلس الأمن يحرج الأمم المتحدة بدرجة أساسية، لجهة التعامل مع مرشحها بهذه الطريقة. لذلك، حرصت الأمم المتحدة على تسجيل حضورها المعتاد في الزيارات المكوكية الشهرية التي يقوم بها مبعوثاها إلى العاصمة السعودية الرياض. وأوفدت لهذه الغاية، في 30 يوليو الماضي، الدبلوماسي الفلسطيني معين شريم، بعد أن منحته صفة "رئيس بعثة الأمم المتحدة إلى اليمن بالإنابة".

وبعد لقاءاته مع المسؤولين اليمنيين والمبعوث الأميركي، تيموثي ليندركينغ، قال شريم إن وقف إطلاق النار في اليمن واتخاذ تدابير إنسانية واقتصادية "سيفتح الباب أمام مسار السلام الدائم والشامل والعادل، وأمام المصالحة والتعافي في اليمن". وتقدم الأمم المتحدة هذه التصريحات وكأنها قد توصلت إلى اكتشاف الوصفة السحرية للداء الذي أصاب اليمن منذ 7 سنوات، لكن عليها أن تقنع المريض بتناول العلاج أولاً قبل أن تهلل لمفتاح الحل العبقري.

على الأمم المتحدة أن تتوقف عن بيع الوهم لليمنيين، وتكرار الحديث عن الأمل ومفاتيح السلام التي يعرفها أبسط العارفين بالملف اليمني. وعليها أيضاً الاعتراف بأن المقاربات التي تعتمد عليها هي السبب الأول في الفشل الذريع للدبلوماسية الدولية منذ بدء الحرب. كيف يمكن إيجاد أرضية صلبة للسلام في ظل لجوء المبعوثين للعمل كمنسقين للشؤون الإنسانية، وتسويق ما يجري في اليمن على أنه أسوأ أزمة على مستوى العالم فقط، فيما يتم تجاهل المهمة الرئيسية كبعثة أممية سياسية؟

ينبغي أن يُحدث الاعتراض الصيني على تعيين غروندبرغ، صعقة للأداء الأممي الفاتر في الملف اليمني منذ 3 سنوات، ويجعلها تغير من استراتيجيتها، بالتركيز على العملية السياسية فقط، وعدم إضاعة الوقت في نقاش تفاصيل إنسانية تجعلها رهينة للابتزاز من أطراف الصراع، وهي أصلاً من مهام منظمات أخرى. ومن المعيب أن تمضي 5 سنوات على آخر عملية تفاوض مباشرة بين الأطراف اليمنية، وتحديداً منذ مشاورات الكويت منتصف 2016.

ويتوجب جلب طرفي الصراع إلى طاولة مفاوضات مباشرة، والتخلي عن مهمة نقل الرسائل الشفوية، وهو أساساً المفتاح الأول لحل كل التعقيدات، وكفيل أيضاً بكبح التصعيد العسكري الذي يهدد كافة اليمن، خصوصاً مع امتداد الهجمات العدائية الحوثية إلى تخوم شبوة النفطية، عقب المكاسب التي حققتها الجماعة في البيضاء.

لن يتراجع تصنيف اليمن درجة إلى الخلف في حال استمر الفراغ الأممي. البلاد تعيش في الأساس فراغاً رئاسياً وعلى كافة المستويات. وفي هذه الحالة، يكفي أننا سنضمن عدم إصابة المواطن اليمني بحالة انفصام كما كان يحصل معه سابقاً، عندما يتلقى جرعة أمل أممية تُفيد بأن فرص السلام تلوح في الأفق، وعندما يحاول رفع رأسه لمشاهدة تلك الفرص لا يجد سوى القذائف والشظايا تباغت منزله.

المساهمون