أزمة المناطيد تعزز توقعات روسية بحتمية مواجهة أميركية صينية

18 فبراير 2023
أزمة مناطيد تجسس بين واشنطن وبكين (Getty)
+ الخط -

زادت أزمة مناطيد التجسس بين واشنطن وبكين، وإلغاء زيارة وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إلى الصين، التي كانت مقررة في 5 و6 فبراير/شباط الحالي، من الترجيحات الروسية بوقوع صدام أميركي صيني، لا سيما في حال أقدمت بكين على بسط سيطرتها عسكرياً على جزيرة تايوان.

ومن المؤشرات الأخرى لإمكانية تفاقم التوتر الأميركي الصيني في الفترة المقبلة، زيارة نائب مساعد وزير الأميركي الدفاع، مايكل تشيس، إلى تايوان، وفق ما كشفت عنه صحيفة "فايننشال تايمز" الأميركية أمس الجمعة، في أول زيارة لمسؤول عسكري أميركي من هذا المستوى إلى الجزيرة منذ عام 2019. كما أنها تأتي بعد أشهر على زيارة رئيسة مجلس النواب في الكونغرس الأميركي، نانسي بيلوسي، إلى تايوان في أغسطس/آب الماضي.

وتتابع موسكو عن كثب مستجدات العلاقات الروسية الصينية، فيما لم تفوت المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، الفرصة للسخرية من أزمة المناطيد، ناصحة نائبة وزير الخارجية الأميركي، فيكتوريا نولاند، بـ"تولي أمر المناطيد البيضاء والأجسام الطائرة مجهولة الهوية التي تحلق بكثرة في الولايات المتحدة"، بدلاً من حث "النظام في كييف" على بدء الهجوم على شبه جزيرة القرم.

وأجمع خبيران روسيان، استطلع "العربي الجديد" آراءهما، على واقعية، بل حتمية المواجهة الصينية الأميركية في بحر الصين الجنوبي في حال أقدمت بكين على التدخل عسكرياً في تايوان، مقللين في الوقت نفسه من أهمية التأثير المباشر للتوتر بين بكين وواشنطن على فرص الارتقاء بمستوى العلاقات الروسية الصينية.

مأزق النموذج الصيني

ويرى الباحث في الشؤون الصينية، مدير مركز الاستشراق والدراسات المقارنة بالأكاديمية الروسية للاقتصاد الوطني والخدمة العامة في موسكو دميتري خودياكوف، أن الصين استنفدت نموذجها السياسي والاقتصادي الراهن الذي وضعه السياسي والمنظّر والقائد الفعلي للجمهورية الشعبية في أعوام 1978 - 1992 دينغ شياو بينغ، ما يضعها في مأزق قد لا تجد منه مخرجاً سوى عبر شن عدوان خارجي.

ويقول خودياكوف في حديث لـ"العربي الجديد": "الخلافات بين الصين والولايات المتحدة لها طابع محوري، وهناك عاملان رئيسيان يعززانها، أولهما هو نموذج دينغ شياو بينغ للتنمية الداخلية للصين، الذي بات واضحاً أنه استنفد نفسه. إذا لم تتمكن الصين من الخروج من هذا المأزق، وهو ما تتجه إليه الأمور، فستحتاج للجوء إلى عدوان خارجي من أجل تحقيق استقرار داخلي مؤقت. لذلك، ليس من المستبعد أن تندلع حرب في شرق آسيا بضلوع الصين، وأرجح سيناريوهاتها هو التدخل العسكري في تايوان".

وحول العامل الثاني لاحتمال المواجهة الصينية الأميركية، يقول خودياكوف: "نظراً لأسباب تاريخية واجتماعية - نفسية، فإن الصين غير مهيأة للاندماج في "النظام العالمي الأميركي" بأداء أدوار ثانوية، رغم أن الولايات المتحدة عرضت عليها ذلك بشكل صريح. ستؤدي الصعوبات في التنمية الاجتماعية - الاقتصادية إلى تنامي الخطاب والأمزجة القومية من قبيل "الطريق الخاص" والحلم الصيني".

ومع ذلك، يقلل الباحث في الشؤون الصينية من إمكانيات روسيا لاستثمار الفتور الصيني الأميركي لصالحها، قائلاً: "في علاقاتها مع الصين، تؤدي روسيا دور الطرف الطالب الذي تقوده الصين بصفتها قائداً، ويعود ذلك بدرجة كبيرة إلى تراجع قطاع الدراسات الصينية، بينما درست الصين روسيا بجدية ولا تزال. تتعامل القيادة السياسية الروسية ونخبة قطاع الأعمال مع الدراسة الشاملة للصين بشيء من اللامبالاة".

وكان قائد التنقل الجوي الأميركي، الجنرال مايك مينيهان، قد توقّع في مذكرة داخلية موجهة إلى كبار القادة العسكريين، سُرّب فحواها في نهاية يناير/كانون الثاني الماضي، أن الولايات المتحدة والصين قد تذهبان إلى حرب في عام 2025، في ما يعد تحذيراً هو الأكثر خطورة يصدر من جنرال أميركي رفيع بشأن احتمال اندلاع نزاع في تايوان.

من جانب آخر، أوضح رئيس هيئة أركان القوات الجوية الأميركية، الجنرال تشارلز براون، يوم الاثنين الماضي، أنه لا يرى أن الهجوم الصيني على تايوان "وشيك أو حتمي".

رد "أنيق"

من جهته، يشير الخبير في مركز بحوث قضايا الأمن التابع لأكاديمية العلوم الروسية، قسطنطين بلوخين، إلى أن إطلاق المناطيد الصينية إلى الأجواء الأميركية جاء بمثابة رد فعل "أنيق" على الاستفزازات الأميركية في تايوان، متوقعاً مزيداً من الأزمات بين بكين وواشنطن قد تصل إلى درجة الصدام المباشر.

ويقول بلوخين في حديث لـ"العربي الجديد": "من البديهي أن الأعمال الصينية الرامية إلى حفظ ماء الوجه تأتي كرد فعل على الاستفزازات الأميركية في ملف تايوان، فرد الصينيون بشيء من الأناقة، واضعين الولايات المتحدة في موقف محرج، وملحقين ضربة بصورتها عبر إظهار عجزها عن مواجهة التحديات والتهديدات الجديدة".

ويعلق على رد الفعل الأميركي بإسقاط المناطيد قائلاً: "ما كان للرئيس الأميركي جو بايدن ألا يرد، وفي حال لم يسقطها، لكان ظهر في عيون الناخبين ضعيفاً وبطةً عرجاء. وبشكل عام، فإن الرد الأميركي طبيعي، وأي دولة أخرى، بما في ذلك روسيا، كانت ستتصرف بهذا الشكل في حال أطلقت مناطيد فوق أرضها".

ويعتبر أن واقعة المناطيد هي مجرد واحدة من حلقات المواجهة الصينية الأميركية طويلة الأجل، قائلاً: "تنتظرنا فضائح تجسس ومناطيد أخرى وحروب تجارية، وحتى صدام عسكري محتمل في بحر الصين الجنوبي، وغيرها من الحلقات".

ومع ذلك، يقلل بلوخين من أهمية دور أزمة المناطيد في تعزيز التعاون الروسي الصيني كونه أصلاً في ازدياد، واصفاً المناطيد بأنها "مجرد مؤشر لحالة العلاقات الأميركية الصينية".

وبدوره، يرى المدير في نادي "فالداي" الدولي للنقاشات، تيموفيه بورداتشوف، أنه من باب الخطأ الاعتقاد أن تأني السلطات الصينية في الرد على تحركات الولايات المتحدة في تايوان يظهر ضعفها، بل تقتصر المسألة على ما هو الموعد والظروف التي ستكون الصين مستعدة فيها لتحدي الأميركيين.

وفي مقال بعنوان "الصين عشية معركة كبرى" نشر في صحيفة "فزغلياد" الإلكترونية الموالية للكرملين، يعتبر بورداتشوف أن "طرفي ثاني أكبر مواجهة على الكوكب يمضيان باتجاه الصدام عبر مسارات متوازية، ولا يفكران سوى في بدء التحركات في أنسب ظروف لكل واحد منهما"، مشبها علاقة الولايات المتحدة والصين بـ"الاستعداد الكلاسيكي لصدام قوتين لا تعني أي أعمال حفظ سلام لهما سوى تأجيل جديد للحرب".

ويضيف أن حلاً وسطاً بين البلدين لم يعد ممكناً، معتبراً أن "الصين والولايات المتحدة تجاوزتا هذه المرحلة من العلاقات قبل نحو عشر سنوات، ولكن حتى خلال جائحة كورونا، كانت المواجهة ثابتة، إذ كان الطرفان غير جاهزين للعراك"، وخلص إلى أن تجربة روسيا في أوكرانيا أظهرت أنه من الصعب في قضايا الحرب والسلام رؤية الخيط الفاصل بين "مبكر" و"متأخر"، وفق اعتقاده.

المساهمون