تتجه أنظار العراقيين إلى مدينة أربيل بإقليم كردستان، حيث يعقد الاجتماع المنتظر لتحالف "السيادة"، ممثلاً القوى العربية السياسية السنية، مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، الحاكم في الإقليم، بزعامة مسعود البارزاني. ومن المقرّر أن يخرج هذا الاجتماع بقرار مشترك حيال تطورات الأزمة السياسية؛ إما بمقاطعة خطوات تشكيل تحالف "الإطار التنسيقي" للحكومة الجديدة والإعلان عن تمسك الطرفين بشراكتهما مع الصدريين، أو بإعلان شروط ومطالب سياسية وأخرى تدخل في برنامج الحكومة ويُتوقع أنها ستكون ذات سقف عالٍ أو تعجيزي. ويطرح آخرون توقعات أخرى مثل رفض ما آل إليه مصير الفائز الأول بالانتخابات (التيار الصدري) والمطالبة بإعادته إلى البرلمان.
وأكدت تسريبات لـ"العربي الجديد" أن الاجتماع سيضم كلّاً من مسعود البارزاني، ورئيس تحالف "السيادة" خميس الخنجر، ورئيس البرلمان الحالي محمد الحلبوسي، الذي عاد إلى بغداد مساء أول من أمس الثلاثاء، بعد زيارة إلى الأردن استمرّت يومين.
وحتى عصر أمس الأربعاء، لم يعلن تحالف "السيادة" والحزب الديمقراطي الكردستاني عن موقفيهما من تطورات المشهد السياسي بعد انسحاب حليفهما في تحالف "إنقاذ وطن" زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، من العملية السياسية، باستثناء ما صدر عن زعيمي التحالفين خميس الخنجر ومسعود البارزاني، حول كونهما يتفهمان قرار الصدر ويحترمان خياراته.
مساران أمام تحالف "السيادة" والحزب الديمقراطي الكردستاني
ولم يبق لتحالف "السيادة" والحزب الديمقراطي الكردستاني غير مسارين؛ إما الذهاب نحو المشاركة بحكومة يشكلها "الإطار التنسيقي" الذي يضم قوى موالية لطهران، أو يتخذان دور المعارضة البرلمانية كموقف سياسي متضامن مع الصدر.
ويبدو الموقف الكردي في أربيل أكثر تشجعاً للحديث عن إمكانية الذهاب مع تحالف "الإطار التنسيقي" بحكومة جديدة، ولكن بدون اتفاق معلن، إذ تحمّل حكومة وأحزاب الإقليم التحالف مسؤولية الكثير من الملفات التي سيكون على حلفاء إيران حسمها قبل توقع ذهاب الأكراد معهم بحكومة واحدة.
وأبرز هذه الملفات قصف أربيل المتكرر، وتأييد بعض أطراف التحالف للهجوم الإيراني الصاروخي منتصف مارس/ آذار الماضي على المدينة تحت مزاعم وجود مقرات للموساد هناك، وكذلك رفض سحب المليشيات من حدود الإقليم، وملف تصدير النفط والغاز وحصة كردستان من الموازنة، وقضايا أخرى كلها تعتبر خلافية مع تحالف "الإطار التنسيقي".
اتخاذ تحالف السيادة والحزب الديمقراطي الكردستاني دور المعارضة البرلمانية أمر وارد
في المقابل، فإن تحالف "السيادة" يرفع مطالب تهمه أيضاً، أبرزها سحب المليشيات من مناطق شمال وغرب العراق، وإنهاء ملف النازحين والسماح للأهالي بالعودة إلى منازلهم ومدنهم المعروفة بمناطق منزوعة السكان، فضلاً عن معالجة ملف المختطفين والمغيبين والكشف عن مصيرهم.
هذا بالإضافة إلى مطالب إعمار المدن المدمرة وتعويض أهلها، وحل مشكلة الاعتقالات العشوائية والنظر بملفي قانون العفو العام والتوازن داخل مؤسسات الدولة من حيث المكونات، خاصة في الجيش والشرطة والمؤسسات الأمنية الأخرى.
اجتماع أربيل يحدد وجهة الأزمة العراقية
وقالت مصادر سياسية مطلعة في أربيل، لـ"العربي الجديد"، إنه يُرتقب أن يُعقد في الساعات المقبلة اجتماع مهم يجمع تحالف السيادة والحزب الديمقراطي الكردستاني، لمناقشة التطورات السياسية بعد انسحاب الصدريين من البرلمان، ومستقبل تحالف "إنقاذ وطن".
وأوضحت المصادر أن "الطرفين لم يتخذا حتى الساعة أي موقف رسمي بشأن المضي بعملية تشكيل الحكومة مع الإطار التنسيقي من دون التيار الصدري"، مشيرة إلى أن "اجتماع أربيل المؤمل عقده في الساعات المقبلة سيحدد قرارهما، وأي قرار سيتخذه الطرفان، سيحدد مسار المشهد السياسي في العراق خلال المرحلة المقبلة".
وأضافت المصادر أن "اتخاذ تحالف السيادة والحزب الديمقراطي الكردستاني دور المعارضة البرلمانية أمر وارد، كموقف سياسي داعم لخطوات شريكهم (الصدر)".
وأوضحت أن "هكذا موقف سيجعل من الطرفين الثلث المعطل، إلى جانب القوى الأخرى الصغيرة كحركتي امتداد والجيل الجديد المدنيتين، وعدد من النواب المستقلّين، بما يمكنهم من عرقلة تحركات الإطار التنسيقي لتشكيل الحكومة الجديدة بمقاطعة التيار الصدري".
وختمت المصادر بتأكيد "وجود مساعٍ حالياً لثني الصدر عن قراره بالانسحاب من البرلمان، من قبل أطراف سياسية وأخرى دينية عدة"، من دون أن تسمي هذه الأطراف.
البياتي: قرار تحالف السيادة والحزب الديمقراطي الكردستاني خلال المرحلة المقبلة سيكون موحداً ومشتركاً
من جهته، قال العضو البارز في تحالف "السيادة"، محمد البياتي، في اتصال هاتفي مع "العربي الجديد"، إن "موقف طرفي تحالف إنقاذ وطن (الديمقراطي الكردستاني، السيادة) بشأن تطورات المشهد السياسي بعد انسحاب الصدر من العملية السياسية، سيتخذ خلال الساعات المقبلة، بعد اجتماع لقادة الطرفين في أربيل".
وأوضح أن "الشراكة ما بين تحالف السيادة والحزب الديمقراطي الكردستاني قائمة ومستمرة، وقرار الطرفين خلال المرحلة المقبلة سيكون موحداً ومشتركاً بشأن الموقف من المشاركة مع الإطار التنسيقي بتشكيل الحكومة بغياب التيار الصدري أو عدم المشاركة، وهذا الأمر سيتم حسمه خلال الساعات المقبلة".
وأكد أن "كل الخيارات ستكون مطروحة خلال المرحلة المقبلة؛ بما في ذلك التوجه نحو حل مجلس النواب وإجراء انتخابات برلمانية مبكرة، لكن يبقى هذا الأمر بحاجة إلى اتفاق سياسي، والأيام المقبلة ستحدد مسار المشهد السياسي في العراق".
ووفقاً للمعادلة السياسية الجديدة في بغداد، فإنه مع احتساب النواب الجدد الذين سيضافون لقوى "الإطار التنسيقي"، بدلاً عن نواب "التيار الصدري"، ويقدر عددهم بنحو 40 نائباً، فإن مجموع ما سيمتلكه "الإطار" سيكون نحو 140 نائباً فقط مع حلفائه من كتلة "عزم" التي تضم 8 نواب عن العرب السنة، و"حركة بابليون" المسيحية، الجناح السياسي لمليشيا بابليون وتمتلك 4 نواب، و"الاتحاد الوطني الكردستاني" بزعامة بافل الطالباني، والذي لديه 17 نائباً كردياً.
ويعني ذلك أن هذا الفريق ما زال بعيداً جداً عن تحقيق نصاب الثلثين في البرلمان البالغ 220 نائباً، وهذا ما يؤكد عدم قدرته على تشكيل الحكومة الجديدة، من دون تحالفه مع القوى السياسية الرئيسة السنية والكردية.
"الإطار التنسيقي" ماضٍ بتشكيل الحكومة العراقية الجديدة
من جانبه، قال القيادي في "الإطار التنسيقي"، علي الفتلاوي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنهم "ماضون مع قوى سياسية حليفة، بتشكيل الحكومة، من خلال بدء حوارات مع كل الأطراف الأخرى، وعلى رأسها تحالف السيادة والحزب الديمقراطي الكردستاني، واللذين لم تعقد لقاءات معهما حتى الآن".
وأوضح الفتلاوي أن "قوى الإطار التنسيقي تنتظر الآن حسم المواقف النهائية لتحالف السيادة والحزب الديمقراطي الكردستاني بشأن المرحلة المقبلة، ونحن نتوقع أن الأيام المقبلة ستشهد تغييراً كبيراً في تشكيل التحالفات السياسية، خصوصاً بعد إنهاء التيار الصدري تحالفه مع تحالف إنقاذ وطن، وهذا ما يدفع طرفي التحالف الآخرين إلى البحث عن شركاء جدد لهما".
واعتبر الفتلاوي أن "رفض تحالف السيادة والديمقراطي الكردستاني التحالف مع قوى الإطار التنسيقي، يعني استمرار الأزمة"، مضيفاً أن "انسحاب التيار الصدري من المشهد السياسي لا يحل الأزمة، بل هو عقّد المشهد أكثر من السابق".
الفتلاوي: نتوقع أن تشهد الأيام المقبلة تغييراً كبيراً في تشكيل التحالفات السياسية
وتابع أنه "على تحالف السيادة والحزب الديمقراطي الكردستاني تقديم المصالح العليا للبلاد على المصالح الشخصية والحزبية، والمضي نحو استكمال الاستحقاقات الدستورية من خلال تشكيل الحكومة الجديدة".
في المقابل، قال المحلل السياسي العراقي علي البيدر، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "القوى السياسية تترقب حسم تحالف السيادة والحزب الديمقراطي الكردستاني موقفهما من دعوة الإطار التنسيقي لتشكيل الحكومة، على الرغم من أن الإقدام على تشكيل حكومة بطريقة الإطار بعيداً عن الصدريين، يجعل صمود هذه الحكومة لا يستمر أكثر من سنة".
وأوضح البيدر أن "المعلومات تؤكد أن الساعات المقبلة ستشهد اجتماعاً مهماً جداً في أربيل يجمع قادة تحالف السيادة والحزب الديمقراطي الكردستاني لحسم الموقف النهائي للطرفين من دعوة الإطار لتشكيل الحكومة الجديدة من دون مشاركة التيار الصدري. كما أن خيار ذهاب السيادة والديمقراطي الكردستاني إلى عدم التجاوب مع هذه الدعوة وارد جداً".
وتابع البدير أنه "في حال رفض الطرفان دعوة الإطار لتشكيل الحكومة الجديدة، سيكون المشهد السياسي في العراق أمام خيارين؛ إما التوجه نحو حل البرلمان وإجراء انتخابات جديدة، أو بقاء الوضع على ما هو عليه حالياً إلى حين إقناع الصدر بالعدول عن قرار الانسحاب من العملية السياسية. وهذا الأمر ربما يستغرق أشهراً طويلة، ويؤدي لبقاء حكومة مصطفى الكاظمي".