أرض الصومال... مخاوف من نزاع بعد انتهاء ولاية الرئيس

18 نوفمبر 2022
أعلن حزبا المعارضة عدم اعترافهما بشرعية الرئيس موسى بيجي عبده (Getty)
+ الخط -

بعد انقضاء المدة الدستورية لولاية رئيس جمهورية أرض الصومال (صومالي لاند)، التي أعلنت انفصالها من جانب واحد عن الصومال عام 1991، عاد الجدل الدستوري والسياسي إلى الواجهة بين أحزاب المعارضة وحزب "كلمية" ممثلاً بالرئيس الحالي المنتهية ولايته موسى بيحي عبدي.

وبحسب الدستور المحلي، فإن ولاية الرئيس مدتها أربع سنوات، بينما انتخب بيحي عبدي رئيساً لأرض الصومال في 13 ديسمبر/كانون الأول 2017 وانتهت ولايته في 13 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي. إلا أن مجلس الشيوخ وافق بأغلبية ساحقة على مشروع تمديد فترة الرئيس لمدة عامين، مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وصوّت المجلس، الذي انتهت ولايته في يناير/كانون الثاني الماضي، على التمديد لنفسه خمسة أعوام، بعدما مدد أعضاء المجلس ولايتهم عام 2019 عامين إضافيين.

لكن حزبي المعارضة، الحزب الوطني وحزب أوعد، أعلنا في مؤتمر صحافي مشترك، الإثنين الماضي، عدم اعترافهما بشرعية بيحي عبدي، وأكدا الاستعداد للتفاوض مع الرئاسة الحالية بشأن تحديد موعد لإجراء الانتخابات التي كان من المفترض إجراؤها في ديسمبر المقبل. وأوضح الحزبان أنهما يعترفان فقط بالهيئات التشريعية والتنفيذية والإدارات المحلية، ودعوَا أفراد المؤسسة العسكرية إلى الانصياع للدستور فقط.

وفي سبتمبر/أيلول الماضي، أعلنت لجنة أرض الصومال للانتخابات الرئاسية عن تأجيل موعد الاقتراع الذي كان من المقرر تنظيمه في 11 نوفمبر إلى يونيو/حزيران 2023. وعزت لجنة الانتخابات تأجيل الانتخابات إلى أسباب لوجستية وفنية، وعدم توفر الميزانية الكافية (نحو ثلاثة ملايين دولار أميركي) لإجراء الانتخابات الرئاسية، وذكرت أن الإعداد للانتخابات الرئاسية سيتم في غضون تسعة أشهر، تبدأ من أكتوبر/تشرين الأول الماضي لغاية يونيو 2023، وهي مدة كافية ـ بحسب اللجنة ـ لإعداد الإجراءات المتعلقة بتنظيم الانتخابات الرئاسية في أرض الصومال.

ورفضت وزارة الداخلية في أرض الصومال قرار سحب الاعتراف من بيحي عبدي. وقال وزير الداخلية محمد أحمد كاهن، في مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس الشرطة المحلية في العاصمة هرجيسا، الثلاثاء الماضي، إن البلاد ماضية نحو إجراء انتخابات نزيهة، وهي الوحيدة من بين دول أفريقية وآسيوية تجري انتخابات رئاسية سلمية تتسم بالتداول السلمي للسلطة، مفنداً ما تروجه أحزاب المعارضة بالتملص من مسؤوليته (وزير الداخلية) في تنظيم انتخابات رئاسية في ديسمبر.

ويرى مراقبون أن بدء الصراع على السلطة في أرض الصومال بعد انتهاء المدة الدستورية للرئيس الحالي يعقد الأزمة السياسية، كما أن خطوة المعارضة وإقدامها على سحب اعترافها بشرعية رئاسة موسى بيحي عبدي يصب مزيداً من الزيت على نار الخلافات، بعد فشل جولات من المفاوضات أجريت في هرجيسا بين المعارضة والحزب الحاكم.

وفي السياق، رأى الباحث السياسي عبد الله راغي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن رفض المعارضة الاعتراف بشرعية الرئيس الحالي وبقائه في الحكم لمدة عامين إضافيين، تعد بمنزلة طعن مباشر في شرعية حكومة بيحي عبدي وشرعيتها في الاستمرار، ما يعزز موقف تحالف المعارضة السابق حين رفض قرار مجلس الشيوخ بتمديد فترة الحكومة لعامين في مطلع أكتوبر الماضي، لكن قرار تمديد فترة الرئاسة ومجلس الشيوخ لخمس سنوات بحد ذاته غير مجدٍ ولن يؤثر على المشهد السياسي بشكل ملموس.

وبشأن حجج المعارضة لسحب الشرعية من الرئيس، قال راغي إن المعارضة تحتج بوجوب اتفاق مسبق وبند في الدستور بإجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها، أي بعد 13 نوفمبر الحالي، وهو موعد تجاوزته الأحداث كما هو واضح، وتتهم المعارضة الحكومة بعدم سعيها لإجراء الانتخابات، وبالذات الرئيس الحالي الذي تعمد تجاوز المهلة الدستورية الممنوحة له ليتسنى له المطالبة بالتمديد، وهو ما حدث بالفعل، وتابع: أما السلطة، فتدفع بأحقية مجلس الشيوخ باتخاذ قرار التمديد بموجب الدستور، وأنه من المستحيل أن تدخل البلاد في حالة فراغ دستوري، وترى السلطة أن أسباب تمديد فترتها قانونية في الصميم، بعد مطالبة هيئة الانتخابات بتمديد إجراء الانتخابات لتسعة أشهر، لتتمكن خلال هذه الفترة من تهيئة الأجواء والاستعداد لتنظيم العملية الانتخابية.

وأشار راغي إلى أن هناك حالياً احتقاناً شعبياً يتصاعد يوماً بعد الآخر في صفوف جماهير المعارضة بسبب تأجيل الانتخابات، كما أن الأزمة الحالية ألقت بظلالها على التفاهمات السياسية بين العشائر التي تقطن أرض الصومال، ولفت إلى أن المكون الاجتماعي بدأ الاصطفاف وراء القبائل، ما أحدث انقساماً في الوسطين الاجتماعي والسياسي بين مؤيد ومعارض للتمديد لشرعيته دستورياً، لكن ردود الفعل الإقليمية والدولية تتجه نحو اتخاذ حل وسط لرأب تصدع جدار الوفاق السياسي وحث الأطراف السياسية على الحوار وتسهيل التفاوض بشأن بت القضايا العالقة.

وعن مستقبل الأزمة الراهنة، رأى راغي أن أطراف الأزمة ستعود إلى طاولة الحوار بلا شك، بفعل الضغط الخارجي والشعبي خلال شهر ديسمبر المقبل، وهو موعد انتهاء شرعية الأحزاب السياسية الثلاثة أيضاً، ما يعزز موقف الحكومة ويدفع جميع المكونات السياسية إلى خارج إطار الشرعية حكومة وأحزاباً.

أما مدير مركز هرجيسا للبحوث والدراسات محمود عبدي، فقال في حديث مع "العربي الجديد"، إن حزبي المعارضة يطالبان الحكومة الحالية بالالتزام بالفترة الرئاسية الدستورية، وعدم الإقدام على الإجراءات التي من شأنها تغيير وضعية أحزاب الأمة الثلاثة إلى جمعيات سياسية، ما يحرمها حقها في تقديم مرشح رئاسي، ما لم تعقد انتخابات تمهيدية تضمن تأهل الجمعيات السياسية عموما، وليس أحزاب الأمة القائمة حصرا.

وأشار إلى أن الأزمة السياسية القائمة أنتجت حالة من القلق غير معتادة ضمن المجتمع المستقر، ما صعّد من مخاوف حدوث تطورات مضرة بالسلم الأهلي، وهو ما أدى بالتالي إلى تباطؤ الحركة الاقتصادية، وتعميق الظروف السيئة اقتصاديا التي يعيشها سكان البلاد، وهو ما يدفع بالوجهاء والسياسيين المستقلين إلى اقتراح مبادرات، والقيام بتحركات الهدف منها الوصول إلى تسويات سياسية، قد تؤدي إلى مخرج مقبول لدى جميع الأطراف من حالة الجمود والتصعيد السياسيين.

وبشأن سيناريوهات حل الأزمة الانتخابية في المرحلة المقبلة، قال عبدي إنه مع اقتراب انتهاء صلاحية شهادات تسجيل أحزاب الأمة الثلاثة، والموافقة في نهاية ديسمبر المقبل، فإن المخرج المنسجم مع القوانين الناظمة للعملية السياسية في البلاد هو إجراء انتخابات بلدية، لكنه أمر متعذر قبل انتهاء مدة المجالس البلدية الحالية، والمتبقي لها ثلاث سنوات ونصف، نظراً لإجرائها بعد انتخابات مايو/ أيار 2021، وتابع أنه في حال تعذر الانتظار، مع عدم وجود بديل شرعي، كانتخابات تمهيدية، فإن إصدار الرئيس قراراً بحل المجالس البلدية مطلوب ولا مفر منه، إلا أن ذلك غير ممكن سوى بوصول قيادات الحكومة وأحزاب المعارضة إلى اتفاق سياسي يفتح الطريق إلى تجاوز كل الخلافات التفصيلية الأخرى.

وفي السياق، قال الباحث الاجتماعي علي عوالة، في حديث مع "العربي الجديد"، إن تمديد ولاية موسى بيحي وسحب المعارضة الاعتراف منه يؤثر سلباً على التناغم العشائري والتركيبة الاجتماعية الناظمة للاستقرار السياسي في أرض الصومال، لأن نظام الحكم مبني على المحاصصة القبلية رغم وجود أحزاب سياسية تتنافس على الحكم ، مضيفاً أن تمديد فترة حكم الرئيس المنتهية ولايته قد تؤثر سلبا على وحدة النسق العشائري في المنطقة، وذلك لوجود منافسة سياسية بين القبائل على الحكم، وبقاء قبيلة معينة في الحكم بصفة غير دستورية يجعل الأمور أكثر تعقيداً.

وأضاف عوالة أن أرض الصومال تختلف عن بقية المجتمعات الصومالية بالوحدة والترابط في ما بينها، لكن اختلال التوازن السياسي وحدوث نزاع على الحكم سيخلف خللاً سياسياً وأمنياً إذا لم يحصل تدارك للوضع الراهن، لكن في حال فشل الاتفاق بين السياسيين وأصحاب المصالح في أرض الصومال، قد يتطور الأمر إلى نزاع مسلح، كما حصل في مقديشو في إبريل/نيسان الماضي عقب محاولة تمديد ولاية الرئيس السابق محمد عبد الله فرماجو عاماً إضافياً من قبل نواب البرلمان، ما دفع أخيراً أعضاء البرلمان إلى إلغاء قرار التمديد.

دلالات