أدوات صنعتها إسرائيل وظروف استغلتها لاختراق حزب الله

30 سبتمبر 2024
الدمار في المبنى الذي اغتيل فيه نصر الله 29 سبتمبر 2024 (حسام شبارو/الأناضول)
+ الخط -

تعتمد إسرائيل على مستويات من الاستخبارات البشرية والتكنولوجية

لاحظ مراسلنا مقابلات بالإعلام الإسرائيلي مع لبنانيين من "جيش لحد"

"الأداة السرية" مشروع لكشف أسرار حماس وربما أقدس أسرار حزب الله

من المرجح أن تبقي دولة الاحتلال الإسرائيلي طي الكتمان تفاصيل طرق حصولها على معلومات استخبارية دقيقة في كثير من الأحيان والأدوات التي تمكّنها من مراقبة أعدائها من كثب، كتلك التي سمحت لها باختراق صفوف حزب الله اللبناني واغتيال معظم قياداته. لكن هذا لا يتأتى بين ليلة وضحاها بحسب ما أكده مسؤولون ومعلّقون إسرائيليون، فعملية تفجير أجهزة الاتصالات الخاصة بحزب الله، المنسوبة إلى إسرائيل من دون أن تعترف بذلك رسمياً، جاءت تتويجاً لسنوات من التخطيط وجمع المعلومات وتطوير الأدوات الذي كثّفته إسرائيل مباشرة بعد حرب يوليو/تموز 2006. كما استغلت تل أبيب انخراط حزب الله في التصدي للثورة السورية وانفتاح عناصره وقادته على مجموعات جديدة لاختراق صفوفه، وهذا أمر رجحته بعض التحليلات الإسرائيلية إضافة إلى تقارير أجنبية.

وتعتمد إسرائيل على مستويات من أجهزة الاستخبارات البشرية والتكنولوجية، وباتت تعتمد كثيراً على الذكاء الاصطناعي وما يوفره من خوارزميات، وعلى أهميته لها ولأجهزتها لكن الاعتماد على التكنولوجيا وعمليات التنصت لم تكن كافية في كشف ما كانت تخطط له حركة حماس حين نفّذت عملية "طوفان الأقصى" في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، لكنها تداركت الأمر على ما يبدو في حالة لبنان واستخلصت العبر وصولاً إلى عمليات نوعية. وبخلاف نجاح حركة حماس بإيهام إسرائيل على مدار سنوات بأنها مرتدعة ولا نيّات لديها في حرب جديدة، كانت إسرائيل، التي تصب معظم تركيزها على الجبهة الشمالية، توهم حزب الله بأن ترسانته قادرة على تدميرها ما قد يكون منح الحزب ثقة زائدة.

وبعد إخفاقها الكبير في أكتوبر عادت دولة الاحتلال اليوم للتفاخر بأجهزتها الاستخبارية وجودة المعلومات التي تجمعها عبر شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) والوحدة 8200 التابعة لها وصولاً إلى جهاز الاستخبارات (الموساد) وجهاز الأمن العام الشاباك وغيرها من أجهزة علنية وسرية بشرية في الميدان وتكنولوجية تراقب لبنان من السماء بمسيّرات وربما أقمار اصطناعية، إلى جانب قدرة الجيش على التنفيذ، بحيث تمكنت من الوصول إلى الدوائر الضيقة لحزب الله وحتى للمسؤولين الإيرانيين في لبنان وسورية، بدليل اغتيال الكثير منهم.

المحلل العسكري في صحيفة يديعوت أحرونوت، رون بن يشاي، قال أول أمس السبت إن عدوان "سهام الشمال" خاصة اغتيال نصر الله لم يكن ليتم من دون معلومات استخبارية تناولت أدق التفاصيل، وأضاف أنه "يمكن القول إن كل ما نشهده في لبنان، بدءاً من يوم الثلاثاء من الأسبوع الماضي هو نتيجة حملة استخبارية استمرت لسنوات، وأهم نتائجها القضاء على كبار ضباط حزب الله والتدمير الممنهج لعناصره، وتدمير ترسانة الصواريخ والقذائف والطائرات بدون طيار"، مبيناً أن هذه الحملة تتشكل من "ثلاثة طوابق (مستويات): مستويان للاستخبارات، حيث يتم الكشف عن معظم ما هو مُخبّأ، ومستوى جوي حركي يمكننا من رؤية التنفيذ ونتائجه. وهناك أيضاً مستوى استخباري آخر، رابع في مثل هذه العملية، ويمثل القدرة على التقييم ومعرفة ما حققته الضربة الجوية بالضبط"، وقد تفسر العبارة الأخيرة التي ذكرها الكاتب قيام جيش الاحتلال في أحيان كثيرة، بإعلان مصير المستهدفين حتى قبل أن يعلنها المسؤولون في الجهات المستهدفة، وهذا كان واضحاً حين أعلن إعلام الاحتلال تمكنهم من قتل الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، قبل أن يعلن حزب الله ذلك والأمثلة كثيرة. 

وبحسب بن يشاي فإنه "لا يمكن قول الكثير عن المستويين (الطابقين) الاستخباريين، لكن بشكل عام يمكن الإشارة إلى أن المعلومات الاستخبارية الدقيقة التي تم إدخالها إلى حواسيب الطائرات، وكذلك التسليح (المناسب) تم الحصول عليها من قبل شعبة الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي، وبشكل أساسي الوحدة 8200، المسؤولة عن التنصّت والحصول على معلومات استخبارية دقيقة. الاستخبارات عبر الوسائل السيبرانية والإلكترونية، يضاف إلى ذلك المعلومات التي حصلت عليها الوحدة 9900، التي تجمع الاستخبارات البصرية (المرئية) وتعرف كيفية تحديد المعالم الدقيقة للأهداف، والوحدة 504 التي تفعّل عملاء (في لبنان)". وشدد على أنه "تحت الطابق الاستخباري القتالي لشعبة الاستخبارات، هناك طابق قاعدة وأساسات يضعها الموساد، وبدون هذه البنية التحتية التي لن يتم الكشف عن معظم تفاصيلها أبداً، لن تتمكن شعبة الاستخبارات العسكرية، بما فيها 8200، من العمل وإتاحة عمليات إحباط واغتيال دقيقة كما نرى في لبنان".

كما لاحظ مراسل "العربي الجديد" في الأيام الأخيرة مقابلات في وسائل إعلام عبرية مع لبنانيين من جنود جيش لبنان الجنوبي (جماعة لحد) الذي فروا مع الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب، أو أبنائهم الذين ولدوا في إسرائيل وانصهروا في المجتمع الإسرائيلي. وتحدث  الكثيرون منهم عن متابعتهم من كثب لما يحدث في لبنان معبرين عن سعادتهم باغتيال نصر الله ومطالبين بالمزيد. ومنهم من تحدّث للإعلام عن تواصلهم مع أشخاص في لبنان كما رصدوا ما يحدث عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ولا يمكن الجزم بدور بعض هؤلاء أيضاً، ولكن ربما كان منهم من يشكّل مصادر معلومات مرئية.

"نقاط ضعف في حزب الله"

وفي وقت سابق من شهر سبتمبر/ أيلول الجاري أشار تحقيق في الصحيفة ذاتها، للمختص في شؤون الأمن القومي رونين بيرغمان، إلى قيام الاحتلال الإسرائيلي خلال السنوات الأخيرة بالعمل على مشروع تجسسي هدفه الوصول إلى أسرار حركة حماس الخفية وسمته الصحيفة بـ"الأداة السرية"، مشيرة إلى أنه رغم ذلك فشل في توقع عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

وقال التحقيق إن الأداة هي في الواقع مجموعة من المشاريع العملياتية والتكنولوجية المعقّدة بحوزة الاستخبارات الإسرائيلية، والتي كلّفت مليارات. وهذا المشروع الضخم برمّته له هدف واحد هو الوصول إلى أسرار حركة حماس الخفية، في إشارة من الصحيفة إلى أقدس أسرار حماس وأهمها، وربما نضيف هنا أن هذه "الأداة" ربما كانت واحدة من الأدوات المستخدمة في لبنان أيضاً ومكنت الاحتلال من الوصول أيضاً إلى أقدس أسرار حزب الله. وذكرت الصحيفة أن ضابطاً كبيراً، لم تسمّه، في أحد أنظمة جمع المعلومات في شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان)، عرّف الأمر، أي "الأداة"، على النحو التالي: "إنه تقريباً مثل أن نعرف مكان وجود المفكّرة الشخصية لأعدائنا، حيث يكتبون أكثر أسرارهم خفاءً. ونحن يمكننا الوصول إلى هذه المفكّرات سراً، وننظر إلى ما هو مكتوب هناك ونتمتّع به".

لم تستغل إسرائيل قدراتها التكنولوجية والحربية فقط وإنما نقاط ضعف أعدائها بحسب ما أشار إليه المحاضر في جامعة حيفا، يارون فريديمان، المتخصص بالإسلام الشيعي، في صحيفة معاريف بشهر أغسطس/آب الماضي، ويمكن ربط كلامه بالتطورات الأخيرة لفهم توجهات الاحتلال. وكتب فريديمان في حينه أنه "من المعروف أن حزب الله يتمتع بقوة وقدرات تفوق بكثير تلك التي تمتلكها حماس، لكنه يعاني أيضاً عدداً من نقاط الضعف. خريطة موقع قواعد حزب الله تكاد تكون مطابقة لخريطة الطوائف في لبنان، أي إنها مبنية على التجمعات الثلاثة للطائفة الشيعية: قرى جنوب لبنان، بقاع لبنان (بعلبك، الهرمل) والضاحية الجنوبية لبيروت. وتنتشر معظم قواته في هذه المناطق المكشوفة نسبياً، لأنها مناطق ريفية وزراعية وليست مراكز حضرية كثيفة. وعلى النقيض من حرب لبنان 2006، اكتسبت إسرائيل في الحرب في غزة قدرات متقدّمة في ضرب مناطق حضرية كثيفة السكان، حتى مع أهداف محددة، وهو ما ينطبق على قيادة حزب الله في الضاحية".

ويمكن فهم مدى اعتماد إسرائيل على التكنولوجيا من خلال ما نقلته صحيفة يسرائيل هيوم في 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، عن مسؤول في الاستخبارات اللوائية، لم تسمّه، أن عناصر شعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) تعتمد على الأنظمة التكنولوجية المختلفة التي تستخدمها أكثر من المعلومات الاستخبارية نفسها، مضيفاً أن "أمان أدمنت على أنظمة المعلومات التكنولوجية وأهملت نوعاً ما المعلومات نفسها. لقد أصبحنا مدمنين على التكنولوجيا، وأصبحت  أمان نوعاً من شركات التكنولوجيا الفائقة (الهايتك)، وآمل أن تتغير الأمور بعد 7 أكتوبر"، وربما يكون ما تمناه تحقق في لبنان، وأضاف المسؤول نفسه "مع هذا تسير الأمور على نحو جيد، وهناك معلومات كثيرة في الوقت الحقيقي لوقوع الأحداث". ويظهر هذا تدفق المعلومات بكثافة بفضل الأنظمة التكنولوجية التي تعتمد عليها إسرائيل، ورغم أن الكلام في يسرائيل هيوم يدور عن غزة، لكنه يصح غالباً في حالة لبنان أيضاً.