تنتقد أحزاب تونسية ما وصفته بإخفاق السلطات في التعاطي مع ملف المهاجرين، خصوصاً عقب الأحداث في محافظة صفاقس جنوب البلاد، مستنكرة توظيف ملف إنساني لخدمة أجندة النظام في تحسين المفاوضات مع المانحين الأوروبيين.
وشهدت أحياء محافظة صفاقس ومناطق شعبية في تخوم المدينة، خلال الأيام الماضية، احتقاناً كبيراً واشتباكات بين مجموعات من مهاجرين غير نظاميين من أفريقيا جنوب الصحراء وبين سكان محليين غاضبين من التدفق الكبير للمهاجرين، خصوصاً بعد مقتل شاب تونسي الإثنين الماضي طعناً على يد مهاجرين، بحسب المحتجين.
وفتحت السلطات القضائية تحقيقات بخصوص تلك الأحداث التي حاولت الوحدات الأمنية تطويقها والتحكم في الغضب الشعبي.
وانتقدت أحزاب تونسية إلى جانب ناشطين حزبيين ومعارضين للرئيس قيس سعيّد إخفاق الحكومة في التعاطي مع ملف المهاجرين. واستنكروا ما وصفوه بتوظيف الملف سياسياً ودبلوماسياً لتحسين شروط التفاوض مع المانحين الأوروبيين الراغبين في تحويل تونس إلى شرطي للحدود الجنوبية للمتوسط أمام تدفق سيول المهاجرين غير النظاميين من قارة أفريقيا.
تختلف مواقف قيس سعيّد حول المهاجرين حد التناقض
وتختلف مواقف سعيّد حول المهاجرين حد التناقض. وأثارت جدلاً وخلافات في جانب منها، خصوصاً تلك التي دعا فيها في فبراير/ شباط الماضي إلى ضرورة وضع حد لظاهرة تدفق أعداد كبيرة من المهاجرين السريين من أفريقيا جنوب الصحراء إلى تونس، مرجعاً الأمر إلى "ترتيب إجرامي يهدف لتغيير تركيبة تونس الديمغرافية".
وتجرى مفاوضات تونسية أوروبية لمكافحة الهجرة غير النظامية عبر السواحل التونسية نحو جنوب أوروبا، إذ تدفع حكومات أوروبية إلى تقديم مساعدات مالية لتونس لكبح جماح المهاجرين.
ورد سعيّد على الاتهامات، قائلاً قبل أيام إنّ "تونس لن تقبل بأن تكون حارسة لحدود أي دولة أخرى، كما لن تقبل بتوطين المهاجرين في ترابها". واتهم الرئيس التونسي خصومه بالسعي لتوظيف تصريحاته بشكل خاطئ "بهدف إشعال نار الفتنة".
صمت مخزٍ عن أحداث صفاقس
وأكد نائب رئيس حزب الإنجاز والعمل أحمد النفاتي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "موقف السلطة مما يحدث في صفاقس غامض، فإلى الآن لم يصدر موقف رسمي، ما يزيد الأوضاع سوءاً ويجعل المهاجرين في مرمى خطاب عنصري يزداد تأججاً يوماً بعد يوم على مواقع التواصل الاجتماعي، ويتحول إلى ممارسات صادمة لم نتخيل أبداً أن تصدر عن التونسيين". وأضاف: "لذلك، نحن نحمّل السلطة المسؤولية عما يقع من تجاوزات وصمتها لا يمكن تفسيره خارج التواطؤ المخزي".
أحمد النفاتي: صمت السلطات عما يحدث في صفاقس لا يمكن تفسيره خارج التواطؤ المخزي
وتابع النفاتي: "لقد عوّدتنا هذه السلطة على التعتيم في كل عمليات التفاوض التي تنتهجها مع كل الأطراف الدولية، والمفاوضات مع الاتحاد الأوروبي بشأن ملف الهجرة ليس استثناء، وبالتالي فالمتابع الموضوعي لسياسات هذه السلطة التفاوضية لا يستطيع أن يستبعد شبهة التوظيف السياسي للمأساة الحاصلة في صفاقس في عملية التفاوض. وهو ما يجعلنا كمواطنين تونسيين، يفتخرون بإرث بلادهم الحضاري وانفتاحها وتسامحها، نشعر بالعار أمام هول المشاهد وصمت السلطة وشبهة توظيفها لهذه التجاوزات"، بحسب تعبيره.
بدوره، رأى القيادي في حزب ائتلاف الكرامة منذر بن عطية، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ "السلطة التونسية أخطأت مرتين. مرة أولى حين فشلت في حماية حدودها وتطبيق القانون الخاص بالأجانب مما تسبب في تدفق آلاف الأفارقة جنوب الصحراء.
ومرة ثانية حين فشلت في حماية هؤلاء المهاجرين المساكين من انفلات بعض المواطنين، مما ساهم في تسويق صورة سيئة جداً عن تونس والتونسيين، فخسرت علاقاتها مع الدول الأفريقية وأضعفت موقفها إزاء المطالب الأوروبية بترحيل المهاجرين التونسيين".
وشدّد عطية على أن "الفشل ليس بجديد عن المنظومة الحاكمة التي تعاقدت مع الفشل على كل الأصعدة منذ انقلاب 25 يوليو/ تموز 2021". ولفت إلى أن "الأكيد أن النظام يريد الإيحاء بأن المهاجرين، إن تم ترحيلهم إلى تونس، لن يكونوا آمنين، وهذه رسالة سيئة وتبعاتها سيئة على السياحة والاستثمار في تونس. وهو تعاطٍ خاطئ وبدائي وسطحي"، بحسب توصيفه.
من جهتها، عبّرت المتحدثة باسم حزب الاتحاد الشعبي الجمهوري، مريم الفرشيشي، في حديث مع "العربي الجديد"، عن استغرابها الشديد من "انتهاج السلطة سياسة التكتم على مخرجات المحادثات والزيارات الأخيرة لوفود أوروبية في علاقة بموضوع الهجرة". وبيّنت أن "الحزب يطالب الحكومة والسلطات "بالكشف عن حقيقة تلك الاتفاقيات وبنودها أمام الشعب".
ماهر مذيوب: سعيّد يعيش بالأزمات ويقتات من الصراعات، ويوظف بوعي كامل ملف الهجرة
من جانبه أشار القيادي في حزب النهضة، من محافظة صفاقس، ماهر مذيوب، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن "مدينة صفاقس تعد العاصمة الاقتصادية لتونس، ورسالة العمل والأمل"، لافتاً إلى أنها "تعاني منذ وصول سعيّد للسلطة من الإهمال واللامبالاة والتهميش". واعتبر أنها "تركت لمصيرها في مواجهة أزمة النفايات، ثم موجات الهجرة السرية، وبقيت ولا تزال لأشهر بدون قيادة محلية ولا جهوية، بلا محافظ ولا بلديات...".
وبرأيه فإن وصول المهاجرين غير النظاميين إلى مدينة صفاقس بأعداد كبيرة "لغز كبير لا يزال يحتاج إلى التحقيق والتدقيق، ويتحمّل مسؤوليته كاملة سعيد القائد الأعلى للقوات المسلحة العسكرية والأمنية، فمن أين اتوا وكيف أتوا ومن أوصلهم، ثم من زارهم ذات يوم وبماذا وعدهم؟"، بحسب قوله. وأضاف: "ثم لماذا حدث الانفجار؟ الأمر كله يتحمّله من سهل ويسّر وأغمض عينيه على تجاوزهم (المهاجرين) للحدود، ثم تنقلهم على كامل تراب الجمهورية وصولاً لإقامتهم وسكنهم في صفاقس".
وشدد مذيوب على أن "سعيّد يعيش بالأزمات ويقتات من الصراعات، ويوظف بوعي كامل ملف الهجرة، لتحسين وضعه الدولي وفك العزلة عنه، وقد نجح في ذلك مؤقتاً على حساب أناس مهاجرين عزل، معذبين في الأرض، وعلى حساب كرامة أهل صفاقس التي تمرغت في تراب العنصرية المقيتة للبعض"، بحسب تعبيره.
ثمن تقاعس السلطة التونسية
وكان حزب التيار الديمقراطي قد طالب، في بيان صدر يوم الخميس الماضي، بنشر نتائج تحقيق "جدي وشفاف" للكشف عن كل التفاصيل المتعلقة بالأحداث في مدينة صفاقس، ومحاسبة المسؤولين عنها في إطار القانون". وعبّر عن "تضامنه مع سكان صفاقس ومع المهاجرين المتضررين من تلك الأحداث" والذين قال الحزب إنهم "يدفعون ثمن تقاعس السلطة ودفعها للأزمة وعدم استباق مآلاتها".
الحزب الجمهوري: لقد حانت لحظة انكشاف الحقيقة وانتفاض الضمير الشعبي في وجه الخديعة الشعبوية ووعودها الزائفة
بدوره، اعتبر الحزب الجمهوري، في بيان صدر أيضاً يوم الخميس الماضي، أن ما حدث في صفاقس "نتيجة لتخلي الدولة عن واجبها لإيجاد الحلول الكفيلة لضمان أمن وسلامة المواطنين وممتلكاتهم ومواجهة الأزمة بمقاربة واقعية جذرية تضمن المعاملة الإنسانية واحترام القانون، عوض منطق الارتجال والتخفي وراء ترويج وهم المؤامرة وترك مدينة صفاقس تواجه قدر الخراب فوق ما دفعته من ثمن باهظ على الصعيد البيئي...".
وحمّل الحزب "صاحب السلطات قيس سعيّد وحكومته مسؤولية انفلات الأوضاع في مدينة صفاقس من خلال عجزهما عن إيقاف النزيف وإيجاد الحلول وفق ما تقتضيه المصلحة الوطنية، لا كما يقتضيه استعمال المهاجرين الأفارقة جنوب الصحراء كورقة للتفاوض والضغط مع الاتحاد الأوروبي".
وقال الحزب أيضاً: "لقد حانت لحظة انكشاف الحقيقة وانتفاض الضمير الشعبي في وجه الخديعة الشعبوية ووعودها الزائفة، فإنقاذ تونس من المخاطر التي تهدد سلمها وسيادة قرارها وحقوق الإنسان فيها لا تتحقق برفع الشعارات والوعود الزائفة ولا بفرض التعتيم الإعلامي ولا بأساليب القمع والترهيب، ولا بنشر خطاب العنصرية والشحن. بل بطرح تنمويّ بديل قوامه الطموح والذكاء والنجاعة واحترام الحقوق والحريات المواطنية، وهو ما لا تريده منظومة الالتفاف على مطالب التغيير منذ عامين، فلم تنشغل بأولوية سوى تركيز أسباب بقائها كلفها ذلك ما كلفها حتى على حساب مصالح الشعب والوطن".