أحزاب السلطة في الجزائر... رفضها الشارع وأعادها صندوق الانتخابات

02 ديسمبر 2021
أدت المقاطعة دوراً في نتائج الانتخابات الأخيرة (Getty)
+ الخط -

كرّست نتائج الانتخابات المحلية التي أجريت يوم السبت الماضي في الجزائر، عودة لافتة لأحزاب السلطة إلى مؤسسات الحكم المحلي، بعد أشهر فقط من تصدرها أيضاً لنتائج الانتخابات التشريعية المبكرة (12 يونيو/ حزيران الماضي). وأثار خصوصاً استحواذ "جبهة التحرير الوطني"، التي هيمنت على الحياة السياسية في البلاد لعقود، على المرتبة الأولى من حيث عدد المقاعد في المجالس البلدية والولائية، وما أظهرته النتائج من تعافي حزب "التجمع الوطني الديمقراطي"، تساؤلات عدة حول الظروف والسياقات السياسية التي أتاحت لهذين الحزبين العودة بهذه القوة إلى المشهد، على الرغم من أنهما كانا عرضة لرفض شعبي عارم خلال تظاهرات الحراك الشعبي الجزائري الذي خرج في فبراير/ شباط عام 2019 لإسقاط نظام عبد العزيز بوتفليقة.

نتائج الانتخابات البلدية والولائية الجزائرية

وفي المجمل، فازت جبهة التحرير الوطني بـ124 بلدية بأغلبية مطلقة و552 بأغلبية نسبية من أصل ما مجموعه 1541 بلدية في الجزائر، فيما حصد التجمع الوطني الديمقراطي 58 بأغلبية مطلقة و331 بأغلبية نسبية. ثم جاءت أحزاب الحزام الحكومي: جبهة المستقبل بـ288 بلدية، وحركة البناء الوطني بفوز نسبي في 125 بلدية، وصوت الشعب الفتي بـ45 بلدية. وفاز المستقلون في 344 بلدية، في مقابل حصول قوى المعارضة، حركة مجتمع السلم وجبهة القوى الاشتراكية، على 148 بلدية (101 بلدية للأولى و47 للثانية).

مع الاشارة الى أن عدداً من البلديات فاز فيها حزبان بالأغلبية النسبية التي يحددها القانون الانتخابي بـ35 في المائة من مجموع المقاعد، ما يتيح لهما فقط تقديم مرشح لرئاسة البلدية بعد التحالف مع باقي القوائم الأخرى.

نجحت أحزاب السلطة في الجزائر في تجاوز العاصفة الشعبية المناوئة لها

أما بالنسبة إلى الانتخابات الولائية، ففازت جبهة التحرير الوطني بـ471 مقعداً عبر 58 ولاية، والتجمع الديمقراطي بـ366 مقعداً، وجبهة المستقبل بـ304 مقاعد، وحركة البناء الوطني بـ230 مقعداً، وصوت الشعب بـ82 مقعداً، وثلاثتهم مشاركون في الحكومة، بالإضافة إلى المستقلين الذين حصلوا على 443 مقعداً، فيما حصلت المعارضة ممثلة في حركة مجتمع السلم على 239 مقعداً والقوى الاشتراكية على 40 مقعداً.

وتظهر النتائج الأخيرة نجاح أحزاب السلطة في الجزائر في تجاوز العاصفة الشعبية المناوئة لها، منذ أن عجّت شوارع العاصمة الجزائرية وكامل مدن الجزائر بالتظاهرات قبل عامين، رفضاً للتجديد لبوتفليقة، حيث برز من ضمن مطالب الحراك حلّ "جبهة التحرير الوطني". بل إن كتلة من قيادات "الجبهة" نفسها استقالت من الحزب وانضمت إلى صفّ المطالبين بحلّه، إضافة إلى "التجمع الوطني الديمقراطي". كما تعرّض هذان الحزبان وغيرهما من الأحزاب التي كانت تدعم سياسات الرئيس السابق لملاحقة سياسية وإعلامية حادة، ما اضطر بعضها إلى غلق مقراته لفترة. وتوارت كوادر وقيادات هذه الأحزاب أيضاً عن الساحة لفترة، بسبب حجم الغضب الشعبي المتصاعد ضدها.

لكن بعد ذلك، نجحت أحزاب السلطة في تجاوز هذه العاصفة الشعبية، وتخطت مرحلة الارتباك التي أحدثت هزة داخلية ونزيفاً كبيراً في صفوفها، وعادت إلى صياغة خطابها مع مرور الوقت، وتمكنت من تشكيل قوائم مرشحيها في الانتخابات النيابية الماضية ثم المحلية التي أجريت أخيراً. 

سردية الأحزاب حول الفوز

وتعتبر أحزاب السلطة أن نجاحها يعود إلى قيامها بالمراجعات الضرورية لتصحيح أخطاء المرحلة السابقة، واستبعاد القيادات التي كانت مقربة من دوائر الفساد، وتشبيب القيادات المركزية والمحلية، بما يستجيب لمتطلبات المرحلة.

وفي هذا السياق، يرى المتحدث باسم "التجمع الوطني الديمقراطي" صافي لعرابي أن هذه الإجراءات ساهمت في الوصول إلى هذه النتائج الانتخابية. واعتبر لعرابي في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "حزبنا بطبيعة الحالة تكيف مع الواقع، وعقد مؤتمراً لتصحيح وتصويب خياراته، انبثقت عنه قيادة كانت هي نفسها تمثل المعارضة داخل الحزب للخط السابق"، وقال: "نحن نتوجه الآن إلى خط يتأسس على التوافق المسؤول وأخذ مسافة من السلطة"، مضيفاً أن "الشعب الجزائري يعرف أن حزبنا وجبهة التحرير هما صمّام أمان لاستقرار البلاد، لتمتعهما بثقافة الدولة. نحن متجذرون لأن جبهة التحرير ولدت من رحم الثورة، والتجمع ولد من رحم الأزمة"، ورأى أن "الأصوات التي كانت تطالب برحيل الحزبين لم تكن سوى أصوات نشاز، فالحراك الشعبي طالب بتحييد الفساد ومحاسبة المفسدين واسترجاع السيادة الشعبية، وهذا ما تم، والصندوق قالها مرتين، وإذا تكررت الانتخابات ستأتي بالنتائج نفسها".

مقاطعة شعبية وإقصاء لقوى الحراك

وإذا استثنيت معطيات سابقة كانت تصب في صالح أحزاب السلطة، ولا يمكن أخذها في الاعتبار هذه المرة، إلى حدّ ما، بما فيها استفادة هذه الأحزاب من التزوير أو التلاعب في نتائج الانتخابات المحلية، كما كان يحدث قبل إشراف السلطة المستقلة للانتخابات على الاستحقاقات الانتخابية، فإن معطيات أخرى ربما تكون قد صبّت في صالح هذه الأحزاب وأتاحت لها الإمساك مجدداً برأس المشهد السياسي.

ومن أبرز هذه الأسباب، يمكن ذكر مقاطعة ثلثي الناخبين لصندوق الاقتراع، وهي النسبة التي لديها مواقف نقدية رافضة لأحزاب السلطة، على نحو يجعل من انخفاض نسبة التصويت، وتصويت كتلة معينة تنحاز لأسباب البحث عن امتيازات أو منافع بعدية، لأحزاب السلطة، يصب في صالح الأخيرة، فيما تخسر أحزاب المعارضة بسبب استمرار الكتلة الأكبر من الناخبين في العزوف عن التصويت.
بعض القراءات السياسية لحالة التباين بين رفض الشارع لأحزاب السلطة وعودتها من باب صندوق الانتخابات، تعتبر أن فوز هذه الأحزاب وعودتها القوية إلى المشهد يرتبطان بقدرتها على التصرف بواقعية أكبر مع المجتمع الناخب، سواء في اختيارات المرشحين، بغض النظر عما إذا كانت لهم علاقة نضالية بهذه الأحزاب، أو في الخطاب الشعبوي الذي تستدعيه الحالة الانتخابية بوضعها الحالي الساذج في البلاد.

وفي هذا الإطار، يعتبر المحلل السياسي ناصر حدادي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه "صحيح أن هذه الأحزاب تستفيد من مشهد سياسي لم يتجدد بعد، بحيث لم يفرز الحراك أطراً سياسية تتيح للشباب العمل والترشح، وهي تتصرف أيضاً بواقعية، لأن الطبيعة السياسية لا تقبل الفراغ، وإلى حد ما فقد نجحت في تجاوز أزمتها الداخلية عقب الحراك، وتحقيقها نتائج جيدة سيضمن لها مساحة تحرك أكبر في المرحلة المقبلة، ويُعقّد أكثر مساحات المعارضة".

تمكنت أحزاب السلطة من التصرف بواقعية أكبر مع المجتمع الناخب، لا سيما لجهة الخطاب الشعبوي

بخلاف ذلك، يطرح عامل آخر نفسه ضمن تفسير هذا الوضع. فبغض النظر عن قواعد اللعبة السياسية التي حكمت على نتائج الانتخابات، فإن أطرافها والأقطاب السياسية التي تنافست في الانتخابات النيابية أو المحلية الأخيرة، هي نفسها التي كانت قبل الحراك الشعبي، بحيث لم تسمح السلطة لقوى سياسية ناشئة صاعدة من رحم الحراك بدخول الحقل السياسي. وظلّت السلطة ترفض اعتماد 12 حزباً سياسياً شكّلها شباب الحراك، مع منعها من النشاط ومن المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية، بسبب عدم الاطمئنان إليها وإلى مواقفها. وكانت السلطة تخشى من أن تحدث هذه القوى تحولاً في الخريطة السياسية لا يخدم خياراتها في هذه المرحلة المرتبكة سياسياً واقتصادياً، والمتأزمة اجتماعياً.

ويعرب الباحث في علم الاجتماع السياسي دريس نوري عن اعتقاده بأن نتائج هذه الانتخابات جاءت انعكاساً لحجم الغلق الذي مارسته السلطة في الحقل السياسي والإعلامي بشكل عام، مشيراً في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "السلطة أغلقت كل الطرق للوصول إلى السلطة المحلية، ولم تترك لمن يرغب في الترشح (وليس ممارسة السياسة) إلا أحزابها وأجهزتها الوفية التي تمارس مهمة استقطاب الزبائن وإخراج المجتمع من السياسة، وهو غلق لم يسمح إلا بمرور 35 في المائة من حجم القوة الناخبة". ويختم نوري بقوله: "نحن اليوم أمام إقصاء سياسي وليس عزوفاً انتخابياً، فخلال الحراك عبّر الجزائريون عن إرادتهم في المشاركة السياسية، وقدموا طلبات تشكيل أحزاب وجمعيات، لكن السلطة رفضتها جميعاً، وجعلت جبهة التحرير والتجمع الديمقراطي وما شابههما الإطار الوحيد، فليشارك من أراد وليقاطع من أراد، وعدم انزعاج السلطة من نسبة المشاركة يعكس إصرارها على الحفاظ على قواعد اللعبة نفسها".

المساهمون