في فبراير/ شباط الماضي، وبعد مرور حوالى شهر على رئاسة جو بايدن، قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، في أول خطاب له، إنّ مسألة "حقوق الإنسان ستحتل موضع القلب في سياسة الإدارة الخارجية". بموجب هذا التعهد، كان من المتوقع أن تسارع الإدارة إلى التقاط الفرصة، ومجابهة، أو على الأقل، ردع إسرائيل للتراجع عن خطوة إخلاء منازل فلسطينية في القدس الشرقية، باعتبارها خرقاً فاضحاً لحقوق الإنسان والقانون الدولي ومعاهدة جنيف. لكن تبين أنّ مثل هذا التوقع كان ساذجاً.
ردّ فعلها المتأخر والاضطراري بكل حال، اتسم بكثير من الرخاوة والتمييع، وكأنّ المسألة لا حقوق إنسان فيها ولا من يحزنون، مع أنّ الاعتداء صارخ والانتهاك مفضوح. حتى الكونغرس، الذي يُعتبر تاريخياً معقل النفوذ الإسرائيلي في واشنطن، بدت ردود قسم منه متقدمة بأشواط على موقف الإدارة، خصوصاً الكتلة المعروفة باسم "الجناح التقدمي" من حزب الرئيس الديمقراطي في مجلسي الشيوخ والنواب، وهي قوة متنامية بحضورها وطروحاتها، من رموزها السناتور والمرشح الرئاسي بيرني ساندرز، والسناتور إليزابيث وارن، والنائبة رشيدة طليب الفلسطينية الأصل، بالإضافة إلى عدد من أعضاء المجلسين.
وقد قاموا بحملة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مع مطالبة البيت الأبيض باتخاذ موقف حازم، والضغط على إسرائيل للتراجع عن خطوة الطرد المصنّفة بمثابة "جريمة حرب"، حسب المفوضية العليا لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة. رافقت ذلك دعوة، ولو محدودة، لربط المساعدات الإسرائيلية بمنع استخدامها لأغراض الاحتلال.
طبعاً، أثار ذلك رداً من جماعات إسرائيل ومفاتيح اللوبي الإسرائيلي في الكونغرس، الذين قاموا بحملة مضادة لسدّ الطريق على مثل هذا الطرح، الذي كان من الممنوعات في السابق، والذي بدأ يتكرّر في المدة الأخيرة، وخصوصاً على لسان السناتور ساندرز.
ارتفاع هذه الأصوات والضغوط، إلى جانب التغطية الإعلامية التي توسعت في اليومين الأخيرين، ودخول جهات يهودية على خط الضغط لمنع إسرائيل من إخلاء المنازل (مثل مؤسسة "جي ستريت" التي تدعم حل الدولتين وتطرح نفسها بديلاً للوبي الإسرائيلي في واشنطن)، كله اضطر الإدارة إلى الخروج من تجاهل الموضوع.
لكن خروجها بقي في حدود الخطاب الضبابي وتطييب خاطر إسرائيل ومراضاتها على حساب التزامها المزعوم لحقوق الإنسان. وإسرائيل، التي أدركت تردّد الإدارة منذ الأيام الأولى للمواجهة، ذهبت إلى حدود مطالبة واشنطن بـ"وجوب عدم التدخل" في مشكلة الإخلاء. وبدا أنّ الإدارة استجابت للطلب، حيث اكتفت بخطوات إسرائيل الشكلية، مثل تغيير مسار العرض لاجتناب مروره عبر بوابة الشام، ومنع المتطرفين اليهود اليوم من دخول باحة المسجد الأقصى، وتأجيل صدور حكم المحكمة العليا الإسرائيلية في قضية الإخلاء. وقد أثنى الوزير بلينكن على هذه الإجراءات، في كلمته لدى استقبال نظيره الأردني أيمن الصفدي، بعد ظهر الثلاثاء، مشدداً على أهمية "خفض التصعيد" و"حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها".
حوّلوا المشكلة إلى "صواريخ حماس التي استهدفت المدنيين"، للحديث عن هذا الحق الذي تجاهل الناطق الرسمي في وزارة الخارجية نيد برايس، الاثنين، الاعتراف بمثله للفلسطينيين. كذلك تهرّب من الجواب عن سؤال عمّا إذا كانت الإدارة قد فاتحت أو تنوي مفاتحة إسرائيل بضرورة التراجع عن عملية طرد فلسطينيين من بيوتهم.
Is @StateDeptSpox really refusing to condemn the killing of Palestinian children? https://t.co/h3tXqaxqXp
— Rashida Tlaib (@RashidaTlaib) May 10, 2021
تهاون الإدارة في هذا الموضوع، تتعدى آثاره ومخاطره مشكلة حيّ الشيخ جراح، خصوصاً إذا مررت إسرائيل عملية الطرد من غير كلفة، وبقي تدخل إدارة بايدن دون الردع. عندئذ قد تتحول مصادرة عدد من المنازل إلى بداية خطة تغيير ديمغرافي طويلة المدى في القدس الشرقية، على طريقة القضم الاستيطاني الذي سكتت عنه واشنطن لتتبناه عندما تحول إلى أمر واقع على الأرض. وليس من غير مدلول أن يسارع السفير الإسرائيلي في الأمم المتحدة إلى الرد على تغريدة لنائبة من الكتلة "التقدمية" وصفت فيها ما يجري في القدس بأنه "تطهير عرقي". وكأن العبارة وضعت الإصبع على الجرح، ما استدعى إسراع السفير إلى النفي الغاضب، لإبعاد التهمة.