خلف ضجيج المعركة الرئاسية الحامية بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومنافسه الديمقراطي جو بايدن، تشهد الولايات المتحدة اليوم 3 نوفمبر/ تشرين الثاني منافسات لن تكون أقل أهمية في تحديد مستقبل البلاد، إذ يحسم الناخبون كذلك مصير الكونغرس بغرفتيه، مجلس النواب والشيوخ، إضافة إلى اختيار حكّام عدد من الولايات الخمسين، والتصويت على مشاريع أخرى، أبرزها الإصلاحات على عمل الشرطة، بعد أشهر من الاحتجاجات على أدائها إثر مقتل المواطن الأميركي من أصول أفريقية جورج فلويد على يد شرطيين وما تلاها من حوادث مشابهة.
طيف ترامب وإخفاقاته سيكون حاسماً في تحديد مصير هذه الاستحقاقات، بعد أربع سنوات في البيت الأبيض تخللتها معارك عنيفة مع حكّام الولايات وأعضاء في الكونغرس، حتى من الجمهوريين، إضافة إلى تحدي الشارع المنتفض على عنف الشرطة بدعم هذا الجهاز على الرغم من الانتقادات الكبيرة الموجهة إليه. كل ذلك يجعل التصويت على كامل أعضاء مجلس النواب المؤلف من 435 عضواً، إضافة إلى 35 من أعضاء مجلس الشيوح المائة، و11 من حكّام الولايات الخمسين، يكتسب أهمية قصوى، ليس فقط في رسم مسار التعاون مع الرئيس المقبل وإقرار القوانين وتطبيقها، بل ربما يسبق ذلك في تحديد هوية الرئيس في حال حصول نزاع قانوني.
الأنظار على الكونغرس
لا تبدو سيطرة الديمقراطيين على مجلس النواب (232 مقعداً من أصل 435) مهددة، مع إعرابهم عن الثقة بالاحتفاظ بالأغلبية فيه، كما أكدت رئيسته الديمقراطية نانسي بيلوسي قبل أيام، وهو أمر لا ينكره الجمهوريون. لكن المعركة الحقيقية ستكون في مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه الجمهوريون بـ53 مقعداً مقابل 47 لخصومهم، فيما سيتم التصويت على 35 مقعداً، 23 منها بيد الحزب الأحمر و12 يدافع عنها الديمقراطيون. هنا تبدو المعركة قاسية مع اعتراف الجمهوريين بإمكان خسارتهم بعض المقاعد، بما قد يسمح لخصومهم بالحصول على الأغلبية في المجلس.
منافسة شرسة على 35 من مقاعد مجلس الشيوخ، مع مخاوف جمهورية من خسارة الأكثرية
واعترف ترامب قبل أيام أنه سيكون من "الصعب للغاية" على الجمهوريين الاحتفاظ بالسيطرة على مجلس الشيوخ لأن بعض أعضائه في الحزب هم من المرشحين الذين لا يستطيع دعمهم، وفق ما كشفت صحيفة "واشنطن بوست". وذكرت الصحيفة أن الرئيس قال في حفل لجمع التبرعات يوم الخميس في ناشفيل "أعتقد أن معركة مجلس الشيوخ صعبة بالفعل"، مضيفاً "هناك اثنان من أعضاء المجلس لا أستطيع دعمهما. لا يمكنني فعل ذلك. تفقد روحك إذا فعلت".
غير أن جيسي هانت، المتحدث باسم اللجنة الوطنية لمجلس الشيوخ الجمهوري، نفى فكرة أن ترامب لا يدعم بعض الجمهوريين في المجلس. وقال: "كان للمجلس الذي يقوده الجمهوريون والرئيس ترامب شراكة كبيرة على مدى السنوات الأربع الماضية... نانسي بيلوسي حوّلت مجلس النواب إلى كابوس ليبرالي، وإذا سيطر تشاك شومر على مجلس الشيوخ، فسيفعل الشيء نفسه". ما حاول هانت إخفاءه لم ينفه زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، الذي قال لصحيفة "واشنطن بوست" عن انتخابات المجلس، إنها منافسة بنسبة 50-50، معترفاً أن الطرف الآخر "قام بعمل رائع، وجعل المعركة تنافسية في العديد من الولايات". وعن فرص حزبه في الاحتفاظ بالأغلبية في المجلس، وصفها بأنها كمسابقة رمي العملة المعدنية، ما يعني أن فترة حكمه للمجلس التي استمرت ست سنوات قد تنتهي، حتى بعد النجاح بتعيين القاضية إيمي كوني باريت عضواً في المحكمة العليا، وهو حدث يأمل المحافظون أن يساعد في حشد القاعدة الجمهورية خلف الحزب.
أسباب تحوّل المعركة لصالح الديمقراطيين ترتبط بشكل مباشر بإخفاقات ترامب، من تعامل إدارته المتخبّط مع وباء كورونا، وأدائه السيئ في المناظرة الأولى، إضافة إلى خطابه المثير للانقسام حتى في صفوف حزبه، ليجد الجمهوريون أنفسهم فجأة يسعون لإنقاذ مقاعد كانت تُعتبر آمنة، ومنهم السناتور ليندسي غراهام، أبرز حلفاء الرئيس، والذي يواجه منافسة شرسة في ولاية كارولاينا الجنوبية، على الرغم من أن حظوظه تبقى أعلى من منافسه للفوز.
ومع استياء الناخبين من الكونغرس، إذ قال 68 في المائة من 1035 شخصاً شملهم استطلاع رأي لمؤسسة "غالوب"، بين 30 سبتمبر/ أيلول الماضي و15 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، إن "معظم أعضاء الكونغرس" لا يستحقون إعادة انتخابهم، وفيما يبدو الجمهوريون مقتنعين بأنهم لن يستطيعوا تحقيق أي مكسب في مجلس النواب، ويصارعون للاحتفاظ بأغلبيتهم في الشيوخ، فإن الحزب يصبح على أعتاب معركة داخلية في حال خسارته. وحاول زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس النواب كيفن مكارثي الدفاع عن نفسه في مقابلة مع صحيفة "بوليتيكو" قبل أيام، قائلاً إنه ليس المخطئ إذا تمكنت بيلوسي من زيادة أغلبيتها في المجلس، فيما يناقش مشرعون آخرون ما إذا كان يجب على شخص ما تحدي مكارثي على زعامة الأقلية، وفق وسائل إعلام أميركية.
لكن ما أهمية الكونغرس بالنسبة للرئيس المقبل؟ تسمح السيطرة على المجلسين للأحزاب بسنّ قوانين جديدة، والتحكم في أولويات الإنفاق الفدرالي، والإشراف على الفرعين التنفيذي والقضائي للدولة، إضافة إلى قضايا أخرى كفرض الضرائب وتحديث الجيش. كما أن لمجلس الشيوخ صلاحيات أخرى، فهو مكلف بتقديم المشورة بشأن التعيينات الرئاسية والموافقة عليها.
وفي حال كانت توجهات الكونغرس مخالفة للرئيس، يمكن أن يؤدي ذلك إلى نزاعات سياسية، لا سيما حول الأولويات التشريعية والموازنة الفدرالية. وخلال عهد ترامب، حاول الديمقراطيون إزعاجه في أكثر من ملف داخل مجلس النواب، ومنها مثلاً قضية التحقيق بالتدخل الروسي في انتخابات 2016.
في المقابل، فإن مجلس الشيوخ الذي له الحق بتعديل التشريعات التي يسنّها مجلس النواب، وقبول أو رفض مرشحي الرئيس لشغل المناصب التنفيذية والقضائية، كما حصل مع التعيين السريع للقاضية إيمي كوني باريت في المحكمة العليا أخيراً، فهو كان داعماً كبيراً لترامب في سنوات حكمه، ولعل أبرز مثال على ذلك كان إسقاط المجلس قبل بضعة أشهر محاولة لعزل ترامب أطلقها الديمقراطيون في مجلس النواب، متهمين إياه باستغلال السلطة وعرقلة عمل الكونغرس والضغط على الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من أجل تشويه سمعة منافس له في الانتخابات الرئاسية. بالتالي فحتى لو انتصر بايدن في الانتخابات الرئاسية، قد لا يستطيع تمرير تشريعات مهمة مثل قضايا الرعاية الصحية والهجرة وتغير المناخ، في حال حافظ الجمهوريون على أغلبيتهم في مجلس الشيوخ، في حين أن ترامب وفي حال فوزه سيواجه عرقلة شديدة لأجندته إذا انتزع الديمقراطيون الكونغرس بغرفتيه.
يمكن للجمهوريين أن يعرقلوا عمل جو بايدن إذا انتُخب في حال استطاعوا المحافظة على أغلبيتهم في مجلس الشيوخ
ولكن دور الكونغرس قد لا ينتظر إعلان اسم الرئيس الجديد، ففي حال حصول نزاع على الفائز في الانتخابات، قد يصبح المجلس هو من يفصل في القضية، وهو سيناريو ليس مستبعداً اليوم. وبعدما رفض ترامب مراراً الالتزام بنقل سلسل للسلطة، واضعاً شروطاً بأن تجرى الانتخابات بـ"نزاهة" للاعتراف بنتيجتها، يرى محللون أنه يمهد لخلق حالة فوضى قانونية وسياسية في حال خسارته، في ظل تشكيكه المستمر في شرعية الانتخاب عن طريق بطاقات الاقتراع البريدية، واحتمال تعرضها للتزوير، ويمكن عندها أن تصل القضية إلى المحكمة العليا، كما حدث في انتخابات فلوريدا عام 2000، عندما فاز الجمهوري جورج بوش الابن على الديمقراطي آل غور بفارق 537 صوتاً فقط في فلوريدا. كما قد ينتهي الأمر أمام الكونغرس.
وإذا حدث ذلك وأعادت المحاكم قضايا الانتخابات للكونغرس باعتبارها أزمة سياسية في حال عدم الاتفاق في ولاية ما على اسم الفائز، سيتعين على الكونغرس الجديد الذي يتم انتخابه اليوم تحديد هوية الهيئة الانتخابية التي يقبلها يوم 6 يناير/ كانون الثاني. ففي حال قدّم حاكم الولاية والمجلس التشريعي في ولاية تشهد منافسة متقاربة بشدة نتيجتين مختلفتين، سيكون على الكونغرس البت بها، وإذا كان الديمقراطيون يسيطرون على مجلسي النواب والشيوخ في 6 يناير فقد يكون ترامب في مأزق، لأن الكونغرس الذي يسيطر عليه الديمقراطيون سيصادق على الناخبين الذين وافق عليهم الحاكم الديمقراطي. كذلك يبقى وراداً حصول تعادل في الهيئة الانتخابية التي تضم 538 ناخباً، فإذا حصل كل من بايدن وترامب على 269 ناخباً، من شأن ذلك أن يدفع الانتخابات إلى مجلس النواب.
حكّام الولايات
استحقاق آخر يشهده اليوم 3 نوفمبر ستكون له أهمية كبرى، وهو انتخاب 11 من الولايات الخمسين حكّاماً جدداً (يشغل هذه المناصب حالياً 7 جمهوريين و4 ديمقراطيين)، مع العلم أن هؤلاء لديهم سلطات تنفيذية على مستوى ولاياتهم تتعلّق بالعديد من الاختصاصات التي ليست من صلاحية الحكومة الفدرالية، ويُعتبرون الشخصية الأقوى على مستوى الولاية.
ولم يتوانَ ترامب عن مهاجمة حكّام الولايات الذي واجهوا قراراته أو اعترضوا عليها، حتى إنه قال في سبتمبر/ أيلول الماضي إن التهديد الأكبر للانتخابات الرئاسية هو سيطرة حكّام الولايات على نظام الاقتراع، ما اعتبره أخطر من التدخل الخارجي. وخالف الكثير من الحكّام رغبات الرئيس وقراراته، لا سيما في كيفية مواجهة كورونا، خصوصاً أن النظام الفدرالي يمنحهم سلطة اتخاذ تدابير بالإغلاق أو رفعه. كذلك رفض بعضهم الاستجابة لدعوات ترامب بإنزال القوى الأمنية لمواجهة المتظاهرين ضد العنصرية خلال الأشهر الماضية.
يقرر الأميركيون مصير 11 حاكماً بعد عام من الخلافات بين بعض الحكام وترامب
وشهد عام 2020 خصوصاً معركة كبيرة بين سيد البيت الأبيض وبعض الحكّام، وهو الذي اتهمهم بعدم الاستعداد عندما واجهت البلاد نقصاً في الإمدادات الطبية أثناء تفشي كورونا، فيما حمّلهم المسؤولية عن ارتفاع أعداد العاطلين عن العمل لعدم سماحهم بالعودة إلى العمل. حتى إن ترامب اتهم بعض هؤلاء بالوقوف إلى جانب "الفوضويين" عند اندلاع الاحتجاجات. ووصف الرئيس بعض الحكّام بالضعفاء، معتبراً أنهم لم يقوموا بما هو كافٍ ضد الاحتجاجات، واندلعت اشتباكات كلامية بين ترامب وحاكم نيويورك أندرو كومو، مرات عديدة، لا سيما على خلفية تفشي كورونا، كما اتهم الرئيس حاكم ولاية نيفادا ستيف سيسولاك، باستخدام كورونا "لسرقة" الانتخابات.
إصلاح الشرطة
بالتوازي مع ذلك، يصوّت الأميركيون أيضاً على مشاريع محلية، أهمها في الظروف الراهنة الإصلاحات المقترحة للشرطة في عدد من المناطق. ويكتسب الاستفتاء على إصلاحات الشرطة أهميته هذه المرة من الانتقادات الكبيرة التي وُجهت إلى الجهاز بالعنصرية والتعامل بعنف مع المواطنين السود، خصوصاً منذ مقتل جورج فلويد في 25 مايو/ أيار الماضي في مدينة مينيابوليس، اختناقاً أثناء تثبيته على الأرض بغية اعتقاله من قبل الشرطة، وما تبع ذلك من احتجاجات عنيفة هزت الولايات المتحدة، ولم يكن تعامل الشرطة معها مقبولاً في كثير من الأحيان، إضافة إلى مقتل أكثر من مواطن أسود في الأشهر الأخيرة آخرهم الشاب والتر والاس جونيور، في فيلادلفيا، بعد أن أصابه شرطيان برصاصات عدة، ما أشعل أعمال شغب في المدينة.
ومن المرتقب أن تصوّت مدن عدة على اقتراحات لتعزيز الرقابة الشرطية، أو إنشاء هيئات رقابية جديدة. وستنظر فيلادلفيا مثلاً في ما إذا كانت ستنهي رسمياً ممارسة التوقيف والتفتيش، وستقرر أكرون في أوهايو ما إذا كان يجب نشر لقطات كاميرا الجسم للجمهور بعد وقوع حادث.
يصوّت الأميركيون على مشاريع لإصلاح الشرطة بعد انتقادات كبيرة لها أخيراً
كذلك ومع رفض حكّام ولايات مطالبات حركات ناشطة مثل "حياة السود مهمة" بالاقتطاع من ميزانيات الشرطة وتحويلها إلى مشاريع خاصة بالسكان، فإن هذا المطلب سيحضر خلال الاستفتاءات المرتقبة، بعدما جعلت تصرفات الشرطة تجاه السود خصوصاً، والاحتجاجات العنيفة، هذا الموضوع في رأس قائمة الأميركيين، الذين قد يلجؤون لمعاقبة ترامب في هذا الملف، وهو الذي دافع مراراً عن تصرفات عناصر الشرطة، قائلاً إنهم يقومون بعمل رائع، وإن "أعداداً أكبر من أصحاب البشرة البيضاء من السود" قُتلوا على يد ضباط الشرطة.