مصادر تكشف لـ"العربي الجديد" أبرز نقاط الاتفاق والخلاف بين وفدي المفاوضات في السودان

05 ديسمبر 2023
يصر الجيش السوداني على خروج كامل لقوات الدعم السريع من منازل المدنيين (Getty)
+ الخط -

 كشفت مصادر "العربي الجديد" أن وفدي الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في مفاوضات جدة كانا قد اتفقا على وقف شامل لإطلاق النار، لكنّها أشارت إلى أنّ "المسافات تباعدت بينهما تماماً في ما يخص التفاصيل، ولا سيما حول بند انتشار الطرفين على الأرض بعد وقف إطلاق النار". 

وأوضحت المصادر أن وفد الجيش يصر على خروج كامل لقوات الدعم السريع من منازل المدنيين وكلّ المنشآت المدنية وعدم السماح لها باقإمة نقاط ارتكاز في الشوارع، كما يحدث حالياً في معظم مناطق وأحياء العاصمة الخرطوم، لافتة إلى أنّ "الدعم السريع" وافق على مقترح الخروج من المنازل ورفض فكرة إبعاده عن نقاط الارتكاز لتخوفه من القصف الجوي في حال عودته إلى معسكراته القديمة.

وأوضحت المصادر أن النقطة الثانية، وهي الأكثر إثارة للخلاف، وتتعلق ببند إجراءات الثقة، الذي تم التوصل إليه سابقاً، وأهم ما فيه هو إعادة إلقاء القبض على رموز نظام الرئيس المعزول عمر البشير وحزبه المؤتمر الوطني، الذين خرجوا من السجون مع بدء الحرب، وهو البند الذي يتمظهر "الدعم السريع" بالتشديد عليه، مطابقة لخطابه العام أثناء الحرب وتركيزه على أنّ حربه بالأساس ضد من يسميهم فلول النظام البائد.

وعلاوة على ذلك، فإنّ هناك خلافاً ثالثاً يتمحور حول توصيل المساعدات الإنسانية للمتضررين من الحرب، حسب المصادر. 

 أول من أمس الأحد، أُعلن عن تعليق المفاوضات بين الجيش و"الدعم السريع" إلى أجل غير مسمى، وغادر الوفدان مدينة جدة السعودية لإجراء مشاورات مع القيادة بعد إخفاقهما في تنفيذ إجراءات بناء الثقة وإنهاء الوجود العسكري في المدن الرئيسية. لكن، لم يصدر بيان رسمي حتى اللحظة من الوساطة السعودية الأميركية بفشل المفاوضات. 

وأصدر رئيس حزب الأمة القومي فضل الله برمة ناصر بياناً، قال فيه إن انهيار مفاوضات جدة يشكل خيبة أمل للشعب السوداني لأنه ينظر إلى المفاوضات كطريق للوصول إلى اتفاق يرفع عن الشعب مآسي الحرب اللعينة ويعيد الاستقرار إلى البلاد. 

وذكر ناصر، في بيانه، أن التصعيد الإعلامي والخطابات غير الحكيمة تشير إلى عدم توفر الإرادة السياسية لدى أطراف الحرب لتنفيذ ما اتفق عليه في الجولات السابقة والوصول لاتفاق لوقف إطلاق النار.

واستدرك بقوله: "معاناة الشعب السوداني هي آخر اهتمامات طرفي الحرب وداعميهم وهو أمر مؤسف للغاية"، محملاً من نعته بالطرف المتشدد مسؤولية فشل المفاوضات، دون تسمية أي من الطرفين. 

وأضاف ناصر: "إنجاح عملية التفاوض يحتاج لإرادة سياسية وإعلاء للمصلحة الوطنية والوصول لقناعة بأن الحرب لا يمكن أن تحقق أي مكاسب وأن المكاسب الحقيقية هي في اتخاذ القرارات الشجاعة بالإقبال على التفاوض بإرادة للوصول لسلام حقيقي"، وأردف: "التصريحات غير المسؤولة وتوزيع الاتهامات والتنصل من المسؤوليات تؤكد عدم توفر هذه الإرادة للوصول لاتفاق". 

وناشد رئيس حزب الأمة القومي الطرفين بضرورة الالتزام بتعهداتهما واستشعار المسؤولية الوطنية والعمل الجاد على إنجاح العملية التفاوضية في جدة للوصول لسلام حقيقي. 

ويوضح القيادي بقوى الحرية والتغيير ماهر أبو الجوخ، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن السبب الأساسي لتعليق التفاوض مرتبط برفض وفد الجيش تنفيذ الالتزامات السابقة بإلقاء القبض على قيادات النظام السابق المتفق على اعتقالهم، ويشير إلى أن وفد الجيش ذكر أن الأمر يحتاج بعض الوقت، وأعلن استعداده للتوقيع على بقية تفاصيل الاتفاق الخاص بوقف العدائيات، مضيفاً: "من الواضح أن الأمر المرتبط بهذه الجزئية هو كعب أخيل المفاوضات، فالأمر لا يرتبط بمجرد إجراء، لكن جوهر معيار الالتزام والرغبة في إنهاء الحرب، ولذلك تعثرت المفاوضات". 

ويضيف أبو الجوخ أنّ "الطريق لإنهاء الحرب يتم عبر التفاوض والمدخل الصحيح لإثبات جدية التفاوض هو الوفاء بالالتزامات السابقة بشكل جاد، وإلّا فإن البديل هو استمرار الحرب والتي ستستمر، لكن ستنتهي بالتفاوض مع وجود فرق، أن كلفتها وخسارتها ستكون كبيرة للغاية مقارنة بنهايتها في أوان سابق، فمهما تثاقلت الخطى وتم الرهان على الزمن، فلا بد من جدة وإن طال السفر لإنهاء حرب السودان، وهذا سيكتمل حينما تتلاقح الإرادة والرغبة الصادقة مع إدراك فداحة الأضرار والكوارث التي لحقت بالبلاد والعباد جراء هذه الحرب وتناميها". 

ويؤكد الناطق الرسمي باسم تحالف الكتلة الديمقراطية محيي الدين جمعة، وهو تحالف داعم للجيش، أن أسباب التعليق يعود إلى عدم التزام قوات الدعم السريع بما تم الاتفاق عليه في الاتفاقية الأولى، التي نصت صراحة على إخلاء الدعم السريع منازل المواطنين والخروج نهائيا من الأحياء وإخلاء جميع المدن من المظاهر العسكرية، وعلى الجيش أن يضمن سلامة قوات الدعم السريع أثناء الخروج ويحدد لهم مواقع جديدة خارج المدن. 

ويضيف جمعة، متحدثا لـ"العربي الجديد": "خروج قوات الدعم السريع من المدن يعني الالتزام بالاتفاق وفتح الطريق أمام كيفية إنهاء الحرب، والأجندة المطروحة الآن هي فتح المسارات المسدودة بسبب انتشار أفراد الدعم السريع في الأحياء، وهذا يمنع توصيل المساعدات الإنسانية للمواطنين، وربما هناك مستجدات في المفاوضات تتطلب المزيد من المشاورات بين قيادة الطرفين للتحرك إلى الأمام". 

 ويرى جمعة أن من "أسباب عدم نجاح الجولة الأخيرة ما يتصل بالمكاسب الأخيرة التي أحرزها الدعم السريع في دارفور، وهو ما خلق نوعاً من رفع سقف التفاوض لدى الدعم ضد الجيش وتقديم بنود يصعب تنفيذها أو الالتزام بها". 

ويلفت إلى أن "توقف أو تعليق العمليه التفاوضية لا سيما في مثل هذه القضايا الخلافية الشائكة، أمر طبيعي"، لكنه يستبعد أن يكون هناك منبر آخر بديل لمفاوضات جدة، مشيراً إلى أن الوساطة ربما تتجه لفرض آليات أخرى للضغط على الطرفين لتقديم أجندة سهلة التنفيذ لإنهاء الأزمة. 

ويلفت الناشط السياسي حاتم الياس المحامي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى عدم صدور بيان رسمي حتى اللحظة من الوساطة السعودية الأميركية بفشل الجولة، وأن الرياض وواشنطن تتشبثان بالسرية التامة في إدارة التفاوض. 

وحسب تقديره، أخذت التطورات منحى خطيراً، مبدياً شكوكه حول ما ترسب عن فشل التفاوض، ورجح وجود تقدم في بعض النقاط الخلافية الكبيرة، مشيراً إلى أن "الوفدين أرادا الرجوع لقيادتهما للتشاور، فلا الدول الراعية للتفاوض ولا المجتمع الدولي ولا الاتحاد الأفريقي سيسمح بانهيار التفاوض وليست لدى الطرفين مساحة للمناورة". 

وقد جاء الإعلان عن تعليق المفاوضات صادماً لكثير من السودانيين، ومنهم سكينة، وهي نازحة من الخرطوم استقرت بولاية الجزيرة، وأحد أبنائها تعرض للأسر من قوات الدعم السريع فقط لأنه كان ضابطاً بالجيش السوداني قبل أن يحال للتقاعد قبل سنوات. 

وتقول سكينة لـ"العربي الجديد"، إن الأمل الوحيد لإنهاء الحرب بالنسبة لها ولغيرها من أمهات وأسر الأسرى هو منبر مفاوضات جدة، معبرة عن أملها بأن تتمكن المفاوضات من "تحقيق وقف إطلاق نار يعقبه تبادل إطلاق الأسرى حتى يعودوا إلى أمهاتهم وآبائهم وزوجاتهم وأبنائهم". 

المساهمون