حقق كل من جو بايدن ودونالد ترامب انتصارات حاسمة يوم "الثلاثاء الكبير"، ليصبح تكرار مواجهة العام 2020 أمراً محسوماً على ما يبدو، إلا أن النجاحات التي حققاها في الانتخابات التمهيدية تخفي مشاكل يمكن أن تؤثر بشكل كبير على السباق للوصول إلى البيت الأبيض.
وانعكست المخاوف المرتبطة بسنّ بايدن والغضب حيال طريقة تعامله مع الحرب الإسرائيلية على غزة، على الاحتفالات بالانتصارات الكبيرة التي حققها، بينما يواجه ترامب شكوكاً بشأن قدرته على توحيد صفوف حزب مفكك إلى حد لا مثيل له في التاريخ الحديث نتيجة انتقاداته المستمرة للمؤسسة الجمهورية.
في الأثناء، برز المرشحون- من المنتمين إلى أحزاب ثالثة والمستقلين- كعامل يحتمل أن يكون حاسماً إذ يبدو أنّ الناخبين الذين باتوا يفضلون الابتعاد عن المرشحين المتصدرين باتوا أكثر انفتاحاً من أي وقت مضى تجاه شخصيات غير متوقعة يمكن أن تقلب النتيجة.
وإن كانت الانتخابات التمهيدية التي جرت حتى اللحظة أظهرت أي شيء، فهو أنّ الحزب الجمهوري ليس موحّداً خلف مرشحه المفترض. وظهرت مقاومة ملموسة لترامب في أوساط الناخبين المعتدلين في الضواحي في كل ولاية تقريباً جرت فيها الانتخابات الرئاسية التمهيدية.
وأوضح حوالى ثلثي إلى ثلاثة أرباع الأشخاص الذين صوّتوا لمنافسته نيكي هيلي في كارولاينا الشمالية وأيوا ونيوهامبشر في الاستطلاعات التي أجريت بعدما أدلوا بأصواتهم، أنه لا يمكن لترامب أن يعتمد على أصواتهم.
وكتبت أليسا فرح غريفن مديرة العلاقات العامة في البيت الأبيض في عهد ترامب، في مقال في "دايلي بيست" الأربعاء أنّ "سباق هيلي الوهمي لنيل ترشيح الحزب الجمهوري كشف موقف ترامب المعيب والأضعف في الحزب الجمهوري، بل بشكل أوسع في أوساط الناخبين الأميركيين".
"ناقوس خطر"
وعقّدت القضايا التي يواجهها ترامب في المحاكم (91 تهمة جنائية في أربعة اختصاصات قضائية مختلفة) طريقه للوصول إلى الرئاسة، إذ استبعد ناخب جمهوري على الأقل من كل ثلاثة شاركوا في الاقتراع التمهيدي دعم شخصية مدانة بجريمة جنائية.
وأفاد ترامب على وسائل التواصل الاجتماعي الاثنين بأنه يرغب في توحيد الجمهوريين، لكنه تباهى بـ"انتصاره" على هيلي واتهمها بتلقي الدعم من الديمقراطيين المنتمين إلى "اليسار المتطرف".
في الأثناء، تسود مخاوف في معسكر بايدن أيضاً وإن اختلفت الأسباب. وكشف استطلاع أخيراً أنّ غالبية الأشخاص الذين انتخبوا الرئيس البالغ 81 عاما في 2020 يعتقدون بأنه "كبير جداً في السنّ ليكون فعالاً".
وقال الخبير الاستراتيجي الجمهوري كولين ريد، لشبكة "سكاي نيوز": "إذا كنت ضمن فريق بايدن حالياً، فإنّ ناقوس الخطر هذا يدق ويدق بقوة".
ورغم عدم وجود الكثير الذي يمكنه فعله بشأن سنه، يشكّل الحراك الاحتجاجي في صفوف الديمقراطيين حيال الحرب في غزة عقبة أخرى في طريقه.
وفي ميشيغن التي فاز فيها بايدن عام 2020 بعدما صوّت غلبية ناخبيها لترامب في 2016، كتب أكثر من 100 ألف ناخب ديمقراطي "غير ملتزم" على بطاقات الاقتراع في انتخابات فبراير/ شباط التمهيدية. وبلغت أعداد البطاقات التي حملت العبارة ذاتها بما بين 45 و88 ألفاً في ولايات عدة يوم الثلاثاء الكبير.
وقال مؤسس حركة "تخلّوا عن بايدن" (Abandon Biden) حسن عبد السلام لوكالة فرانس برس: "هذه أرقام لا تصدّق"، مضيفاً أنه يرى دعماً من الأميركيين اليهود والأفارقة إضافة إلى اللاتينيين والناخبين الشباب.
لكن أنصار بايدن يشيرون إلى أرقام مشابهة في بعض تلك الولايات، عندما سعى باراك أوباما إلى الفوز بولاية جديدة في 2012.
مرشح ثالث
لكنه سيناريو تفضّل حملة بايدن عدم الاضطرار لمواجهته في الانتخابات التي يتوقع أن تحسمها بضع مئات آلاف الأصوات في مجموعة صغيرة من الولايات المتأرجحة.
وقد يكون بإمكان بايدن وترامب السيطرة على الأصوات المتمرّدة في صفوفهما بحلول نوفمبر/ تشرين الثاني، ما يتركهما أمام أكبر تهديد على الإطلاق: مرشحون من أحزاب ثالثة.
ولم ينتخب الأميركيون رئيساً مستقلاً منذ جورج واشنطن، لكن عدم رغبتهم بتكرار المواجهة بين بايدن وترامب تجعلهم أكثر انفتاحاً من أي وقت مضى على فكرة شخصية ثالثة يمكن أن تغيّر النتيجة.
ويعد الأمر حساساً على وجه الخصوص بالنسبة للديمقراطيين إذ لم ينسوا بعد كيف وقفت جيل ستاين من "حزب الخضر" في طريق هيلاري كلينتون عام 2016.
يعتقد بعض المحللين أنّ روبرت إف. كينيدي جونيور، ابن شقيق جون كينيدي، يمكن أن يحوّل انتخابات 2024 إلى سباق بين ثلاثة مرشحين، مؤكدين لمن يشككون بالأمر أن العديد من الخبراء استبعدوا تماماً وصول ترامب إلى الرئاسة في 2016.
وقال المستشار السياسي كيث ناهيغيان المخضرم في العديد من الحملات الانتخابية والذي كان مسؤولاً في البيت الأبيض في عهد جورج بوش الأب "روبرت إف كينيدي سيمثّل مشكلة لترامب وبايدن لأنه يسمح للناس بسلك مسار آخر". وأضاف: "يعود الأمر إلى الحملتين في إبقاء الناس ضمن مساريهما".
(فرانس برس)