في الوقت الذي يتحدث فيه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، والرئيس الأميركي جو بايدن، ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، عن التطبيع بين السعودية وإسرائيل، وعن أنه بات أقرب من أي وقت مضى، يواجه نتنياهو عراقيل داخلية قد تجعل الطريق أطول مما يجري تقديمها.
ومن أبرز تلك الصعوبات عدم قدرة نتنياهو على الالتزام بتقديم "تنازلات" للفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، ومعارضة المستوى الأمني الإسرائيلي لامتلاك السعودية برنامجاً نووياً مدنياً. ولعل ما يزيد الأمر صعوبة هو تركيبة الحكومة الاسرائيلية التي سبق أن وصفها بايدن بأنها الأكثر تطرفاً منذ عقود.
وفي ما تحدّث بن سلمان لشبكة "فوكس نيوز" الأميركية عن أهمية البرنامج النووي للمملكة وحلّ القضية الفلسطينية، تشهد الساحة السياسية الإسرائيلية تحركات لتحذير نتنياهو من اتخاذ أي خطوة باتجاه الفلسطينيين قد تقود إلى تفكك ائتلافه.
وتطرق لقاء بايدن ونتنياهو، أمس الأربعاء، إلى قضيتين أخريين، هما ملف النووي الإيراني، والأزمة الداخلية الإسرائيلية في ظل التشريعات القضائية التي تقودها حكومة نتنياهو.
ويرى المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية عاموس هارئيل، في مقال تحليلي نشره اليوم الخميس، أن "بايدن يعوّل بالأساس على التقدّم بموضوع التطبيع، الأهم بالنسبة له، كما يتمنى نتنياهو ذلك أيضاً، ويؤمن بأن اتفاقاً مع السعودية سيخفّف ألسنة اللهب في الساحة الداخلية".
ويتخوّف الكثير من الخبراء الأمنيين الإسرائيليين من إمكانية تحكّم السعودية الكامل في إنتاج الوقود النووي على أراضيها، بحسب ما ذكره هارئيل، فيما يأمل الأميركيون بتهدئة المخاوف من خلال التعهد بالإشراف الخارجي على المشروع.
وفي غضون ذلك، بدأت محاولات تهيئة الرأي العام الإسرائيلي للتطبيع مباشرة بعد لقاء بايدن ونتنياهو أمس.
وبينما أفادت صحيفة "وول ستريت جورنال" بأن نتنياهو يفحص بإيجابية الموافقة على طلبات السعودية لتخصيب اليورانيوم، أكدت أنه قلق أكثر إزاء ما يمكن تقديمه في المسار الفلسطيني والاستجابة للطلب السعودي، الأمر الذي قد يقود إلى تفكك حكومته المبنية على اليمين المتطرف، فيما لمّح الوزيران بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير إلى أنهما سيُفشلان أي خطوة باتجاه الفلسطينيين.
ويعوّل الجانب الأميركي في هذا الصدد، بحسب هارئيل، على أن تدفع الأزمة مع المتطرفين في حكومة نتنياهو، باتجاه ائتلاف بديل، يجمع نتنياهو مع بني غانتس رئيس حزب "هماحانيه همملختي" (المعسكر الرسمي)، وبذلك يمكن أيضاً تجميد خطة التعديلات القضائية. لكن غانتس نفسه يتحفّظ في هذه المرحلة على الدخول في ائتلاف مع نتنياهو.
سموتريتش يرفض تقديم "تنازلات" للفلسطينيين
مؤشر آخر على العراقيل التي قد تواجه نتنياهو، يكمن بما نشرته القناة "12" الإسرائيلية مساء الأربعاء، حول النقاش الحاصل بين مركبات الائتلاف الحاكم.
وذكرت القناة أنه قبل سفر نتنياهو إلى الولايات المتحدة، التقى هو ووزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر عدة مرات مع وزير المالية سموتريتش، لمناقشة التطبيع مع السعودية وطلباتها بالشأن الفلسطيني أيضاً.
ونقلت القناة عن مصدرين مطلعين على المحادثات، لم تسمّهما، أن سموتريتش أوضح لنتنياهو عدة مرات أن نطاق الاتفاق الذي يمكنه القبول به هو "السلام مقابل السلام".
وأضاف سموتريتش أنه "مستعد لاتخاذ خطوات تتضمن تغييرات وخطوات اقتصادية ومدنية كبيرة، وليس تنازلات عن أراضٍ".
نواب من "الليكود" يحذرون نتنياهو
وقبل نحو ساعتين من لقاء بادين ونتنياهو أمس، نشر 13 نائباً في حزب "الليكود" الذي يتزعمه نتنياهو "رسالة مفتوحة"، حذروا فيها نتنياهو من تقديم أي "تنازلات"، موضحين "سنوافق فقط على السلام مقابل السلام".
وأعلن النواب الموقعون على الرسالة أنهم يدعمون التطبيع مع السعودية، ولكن "بدون تنازل عن أراضي الوطن"، على حد زعمهم. وأشاروا في رسالتهم إلى مرور ثلاثين عاماً على اتفاق أوسلو، وأنهم لا يريدون العودة إلى اتفاق مماثل.
وجاء في الرسالة: "كل المجتمع الإسرائيلي يدرك اليوم ما فهمته أنت (أي نتنياهو)، وفهمناه نحن أبناء المعسكر الوطني (الليكود)، منذ فترة طويلة، أن التنازلات للسلطة الإرهابية، بما في ذلك تعزيز قوتها العسكرية، تجلب الإرهاب. والعالم العربي أيضاً يفهم ذلك"، على حد ادعاءاتهم.
وذكر أعضاء الكنيست الموقّعون على الرسالة أنهم يدعمون نتنياهو، لكنهم يطالبون بتقديم موقف حازم للرئيس الأميركي وزعماء العالم، بأن "دولة إسرائيل تصر على حقوقها في المسائل المتعلّقة بها، بغض النظر عن الجهود المبذولة لإحلال السلام مع الدول العربية، سواء في سياق الحرب على الإرهاب، وفي سياق منع البناء الفلسطيني غير القانوني وإنفاذ القانون".
من جهة أخرى، فإن العقبات التي قد يواجهها نتنياهو على طريق التطبيع مع السعودية لا تأتي من داخل الائتلاف فقط، ولكن ثمة تخوفات في المعارضة أيضاً من قضية امتلاك السعودية برنامجاً نووياً مدنياً.
ويوم أمس الأربعاء، طالب عدد من نواب المعارضة المتواجدين في لجنة الخارجية والأمن البرلمانية، من خلال رسالة بعثوا بها إلى رئيس اللجنة يولي أدلشيتاين، بعقد جلسة طارئة للجنة، لبحث "الإسقاطات الأمنية التي ينطوي عليها الاتفاق الذي تتم صياغته مع السعودية، والناجمة عن برنامج سعودي مدني".