"هيومن رايتس ووتش": تحقيقات معيبة في "جرائم سياسية" في لبنان وعلى المانحين مراجعة المساعدات
ألقت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، في تقرير لها اليوم الخميس، الضوء على أربع جرائم قتل ذات حساسية سياسية ارتُكبت في لبنان، في العامين الماضيين، كانت التحقيقات فيها حافلة بالعيوب، داعيةً الدول المانحة إلى مراجعة المساعدات المقدمة إلى قوى الأمن الداخلي والقضاء.
وقالت باحثة لبنان في "هيومن رايتس ووتش"، آية مجذوب، إن "المجتمع الدولي حوّل ملايين الدولارات إلى الأجهزة الأمنية اللبنانية على مرّ السنين، لكن من الواضح أن هذا لم يلغِ ثقافة الإفلات من العقاب السائدة، وعلى المانحين مراجعة المساعدات التي يقدمونها لضمان أنهم لا يمولون الوحدات الضالعة في التستر على جرائم القتل الحساسة، وغيرها من الانتهاكات الحقوقية".
وفنّدت "هيومن رايتس ووتش" أوجه القصور المتعددة والإهمال الجسيم وانتهاكات الإجراءات في أربعة تحقيقات في جرائم قتل ذات حساسية سياسية، في العامين الماضيين، تظهر كيف أن التمويل السخي والتدريب من المانحين لقوى الأمن والقضاء في لبنان لم يؤديا إلى سيادة القانون.
والجرائم الأربعة هي لقمان سليم، الناشط والكاتب والناقد الشرس لـ"حزب الله" والمدافع عن لبنان علماني وديمقراطي، الذي اغتيل في 4 فبراير/شباط 2021. وجو بجاني، موظف اتصالات ومصوّر عسكري هاوٍ اغتيل بالرصاص في 21 ديسمبر/كانون الأول 2020. والعقيد منير بو رجيلي، ضابط جمارك متقاعد عثر عليه ميتاً في منزله في 2 ديسمبر/كانون الأول 2020 من جراء إصابته بآلة حادة في رأسه. وأنطوان داغر رئيس قسم الأخلاقيات وإدارة مخاطر الاحتيال، والرئيس السابق لوحدة الامتثال في بنك "بيبلوس" الذي طُعن حتى الموت، في 4 يونيو/حزيران 2020.
وتبعاً للتقرير، ذكر محامون وأقارب ومصادر مقربة من العائلات عدم جدية قوى الأمن في التعامل مع التحقيقات، وعدم متابعة خيوط تحقيق مهمة لتحديد الدوافع المعقولة لقتلهم.
وقال أفراد الأسر إن الأسئلة التي طُرحت عليهم كانت سطحية ومقتصرة على دوافع شخصية غير محتملة لعمليات القتل، متجاهلة على نحو سابق لأوانه السيناريوهات المحتملة الأخرى، بما في ذلك إمكانية ربط جرائم القتل بعمل الضحايا الحساس سياسياً.
وأضافت العائلات أنه لم يتم استجواب الأشخاص الرئيسيين الذين قد تكون لديهم معلومات حساسة وربما مهمة حول جرائم القتل أو الدافع.
كما أعربت العائلات إلى جانب المحامين، أيضاً عن ارتيابها بشأن عدم تمكن المحققين من تحديد أي مشتبه بهم، رغم ارتكاب جرائم القتل قرب مناطق سكنية مكتظة، أو في وضح النهار، أو حتى أمام الكاميرا.
ويصادف غداً مرور عام على قتل الناشط السياسي لقمان سليم، حيث إن التحقيق ما زال مستمراً، والملف لم يقفل، بيد أن أحداً لم يُوقف حتى الساعة في القضية، ولا معطيات عن الجهة التي نفذت الجريمة في الرابع من فبراير/شباط 2021، يوم عثر على سليم مقتولاً في سيارته بين بلدتي العدوسية وتفاحتا في جنوب لبنان، حيث معاقل "حزب الله"، وقد كشف تشريح الجثة عن إصابته بست رصاصات، خمس في رأسه وواحدة في ظهره.
وتقول رشا سليم (شقيقة لقمان)، لـ"العربي الجديد": "أملنا كبير بالوصول للعدالة، رغم علمنا أن هذا المطلب صعب جداً في بلد يعيش قراناً بين الفساد والديكتاتورية".
وتشير سليم إلى أن "الأمن في لبنان على الطلب، ساعة يكشفون عن شبكات تجسس إسرائيلية وعمليات أمنية استباقية وكبيرة، وساعة لا يعثرون على مرتكبي جرائم رغم حيازتهم على كاميرات المراقبة وأدلة أخرى".
وتسأل سليم: "هل القاتل قديس؟ هل يحق لإنسان أن يقتل إنسانا آخر؟ أين أصبح التحقيق بجريمة قتل جو بجاني؟ وبلقمان؟ والتحقيق بانفجار مرفأ بيروت؟ وغيرها من الجرائم؟ أين المطلوب سليم عياش (قيادي في "حزب الله") في قضية اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري؟ نحن لا نريد من أرسل عياش ليقتل، أقله أن يلقى القبض على عياش. أقله يلقى القبض على الشخص الذي قتل لقمان".
ولفتت "هيومن رايتس ووتش" إلى أن "الصور ومقاطع الفيديو التي راجعتها أظهرت حشوداً من الأشخاص والسيارات حول سيارة سليم، أغلبهم كانوا من المتفرجين والمارة على ما يبدو. لم يتم تطويق المنطقة المحيطة بالسيارة، ولا إغلاق الشارع، ما سمح للسيارات الأخرى بالمرور. كما تظهر مقاطع فيديو من مسرح الجريمة رجالاً مجهولين بملابس مدنية يدخنون السجائر حول مسرح الجريمة، ويلمسون السيارة من دون قفازات".
وقالت مونيكا بورغمان، زوجة لقمان، وفق تقرير "هيومن رايتس ووتش"، إن "شعبة المعلومات استجوبتها مرة واحدة، بعد عدة أسابيع من الجريمة، وسألتها حول ما إذا كان أي شخص أراد قتل سليم بسبب خلاف شخصي، وما إذا كان قد انتحر". وأضافت أنه لم يسألها أحد عن التهديدات التي تلقاها أو البيان الذي كتبه عام 2019، وحمّل فيه رئيس البرلمان نبيه بري والأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصر الله استباقياً مسؤولية حدوث أي شيء له.
بدوره، تحدث محامي عائلة سليم، موسى خوري، للمنظمة، عن أن "الصور التي رأيناها أظهرت عدم حماية مسرح الجريمة. عندما رفعوا الجثة والسيارة، لم يكن ما تبقى محمياً. بمجرد رفع الجثة، تُرك مسرح الجريمة فارغاً، الأمر الذي أدى ربما إلى فقدان أدلة أو معلومات".
وأجرت شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي مقابلات مع أصدقاء سليم وأفراد أسرته، وقال مصدر لـ"هيومن رايتس ووتش" إنه طلب من شاهدين على الأقل ترك هاتفيهما في مكتب الاستقبال، ثم طُلب منهما إعطاء كلمات المرور الخاصة بها كشرط لاستعادتهما.
وأضاف: "عناصر قوى الأمن الداخلي أثناء استجوابهما أشاروا إلى رسائل ومواقع وبيانات أخرى. بعد انتهاء الاستجواب، طُلب من الشاهدين التوقيع على وثيقة تفيد بأنهما يسمحان لقوى الأمن الداخلي بالوصول إلى بياناتهما الشخصية، رغم قيام قوى الأمن الداخلي بالفعل بذلك، وعند إعادة الهاتفين كانت بعض البيانات مفقودة والهاتفان لا يعملان بشكل جيد".