أمام شارع عربي، وغير عربي، مؤيد لفلسطين، ثمة حالة فصائلية فلسطينية محيرة، يسارياً وإسلامياً، خصوصاً فيما يخص اضطهاد وظلم الشعب السوري منذ 2011.
ما من شك أن حركة حماس، كغيرها، انحازت إلى أدبيات "العمق الجماهيري"، في الموقف من ثورات الربيع العربي. ولم توغل مثل "حزب الله" (اللبناني) في الدماء السورية، بعد إزالة كرنفالاته رايات الثورات العربية إثر وصولها إلى حوران السورية، وتبنيه سرديات ممهدة لتحشيد مدمر، باعتبار أن هدف ثورتهم استهداف "المقامات" الدينية، ومساهمة في تحويل بلدهم إلى جمهورية مليشيات.
ورغم ذلك، إذا صحت تبريرات "العودة إلى حضن دمشق"، كما يطلق عليها بعجرفة مؤيدو محور التلطي وراء فلسطين، فهناك الكثير من الشواهد، حتى الفلسطينية، التي تتنافى والمبررات. فأهل مخيم اليرموك، وعموم فلسطينيي سورية، أدرى وأعلم بالطبيعة الحقيقية لنظام الأسد، الأب والابن، بما لا يختلف كثيراً عما أظهرته مجزرة "حفرة التضامن"، واستمرار تهجير سكان اليرموك منذ نحو 10 سنوات، واختفاء الآلاف في سجونه.
وذلك ليس بمعزل عن تاريخ مرير وكارثي لصناعته "دكاكين" استخباراتية على الساحة الفلسطينية، عاصرتها قيادات وكادرات فلسطينية، على رأسهم الراحل ياسر عرفات، من مذبحة تل الزعتر (1976 في بيروت) إلى شق الساحة الفلسطينية 1983، و"حصار وحرب المخيمات"، ومطاردة أبو عمار بنفسه، والتضييق على جورج حبش ونايف حواتمة، لإبقاء الانقسام، برغبة الإمساك بالورقة الفلسطينية.
ومهما كانت مبررات البعض الفلسطيني، فإن فداحة الظهور على عكس مبادئ أن الحرية ومقاومة الظلم لا يتجزآن، لا تنعكس فقط على من يندفع إلى "حضن دمشق"، متلاقياً مع بعض الأنظمة المطبعة مع الاحتلال الإسرائيلي لتعويم نظام الأسد، بل على كل الحالة الفلسطينية التي تغيب عنها المصارحة العميقة لتلك السياسات.
ويبقى السؤال الرئيس: ماذا تستفيد فلسطين من نظام تآمر على ثورتها، وهجر شعبه ودمر مدنهم، بما لم تحلم به الصهيونية، والعاجز تاريخياً عن رد قصفه شبه اليومي، وبات ملحقاً في سياسات إيرانية وروسية؟
على كل، إذا كانت "البراغماتية" مبرراً، سواء عند "حماس" أو "فتح"، وغيرهما، فالأولى أن يُمارسوها لوقف استمرار الانقسام الفلسطيني، ووقف تحويل فلسطين إلى جملة تنميق بيانات "الممانعة"، إسناداً لمشروع مصالح إيرانية قومية خالصة.
جسور فلسطين مع العالم العربي أهم بكثير من تحويلها مبرراً دعائياً للتدخل في شؤونه، بحجة "الوقوف مع المظلومين". فسورية وحدها تكفي لقراءة النتائج الكارثية لشعاري "نصرة المظلومين" و"مواجهة المؤامرة". ومن أسس للتغريبة السورية ليسوا أشباحاً.