"تهريب" الفائزين... ظاهرة متكررة في الانتخابات المغربية

18 سبتمبر 2021
جرت الانتخابات البلدية والجهوية في 8 سبتمبر (فاضل سنا/فرانس برس)
+ الخط -

مع دخول مرحلة العد العكسي للحسم في تشكيل المجالس المحلية للمدن والجهات، ألقى التهافت السياسي على الفائزين في اقتراع الثامن من سبتمبر/ أيلول الحالي، بظلاله على المشهد الانتخابي، بعد اختفاء المئات منهم عن الأنظار في ظروف غامضة، قبل أيام من انعقاد اجتماعات انتخاب هياكل تلك المجالس.
وبينما شرعت الأحزاب المغربية الفائزة في الانتخابات البلدية والجهوية الأخيرة في مفاوضات وعقد تحالفات من أجل تشكيل المجالس المحلية للمدن ومجالس الجهات، كانت لافتة عودة ظاهرة "تهريب" الفائزين في الانتخابات إلى وجهات مجهولة، من أجل ضمان تشكيل مكاتب المجالس البلدية والاتفاق على اسم الرئيس المقترح، باستعمال أساليب الترغيب المختلفة.

محمد الغلوسي: تهريب المنتخبين امتداد لممارسات أخرى يشهدها الحقل الانتخابي

ومباشرة بعد الإعلان الرسمي عن نتائج الانتخابات من طرف وزارة الداخلية المغربية، تداول مواطنون ومنتخبون في العديد من مناطق المملكة، وعلى نطاق واسع، أخباراً عن اختفاء عدد من المستشارين الجماعيين (المرشحين الفائزين في الانتخابات المحلية)، كما كان الحال بمنطقة المنارة بمراكش، جنوب المغرب، حيث أطلقت أسرة وكيلة لائحة حزبية عملية بحث عنها بعد اختفائها عن الأنظار وإغلاق هاتفها. وتكرر الأمر ذاته مع زوج عضو منتخبة في المجلس البلدي لمدينة القنيطرة، غرب البلاد، بعدما فوجئ باختفائها من دون سابق إنذار. وفي بلدية القنيطرة كذلك نقلت وسائل إعلام محلية خبر تمكن عضوين منتخبين في مجلس البلدية الجديد من الفرار، نهاية الأسبوع الماضي، من أحد المنتجعات السياحية بمدينة الخميسات، بعدما قام المرشح لرئاسة البلدية عن حزب "التجمع الوطني للأحرار" أنس البوعناني بنقلهما، بمعية مجموعة من الأعضاء المؤيدين له، إلى المنتجع، والتحفظ عليهما هناك خوفاً من استقطابهما من طرف منافسيه.
ويقف وراء عملية الاختفاء، التي تستمر إلى الموعد الذي تحدده السلطة لعقد جلسة انتخاب رؤساء المجالس البلدية والجهوية ونوابهم، منتخبون كبار وأعيان (وجهاء)، وأصحاب نفوذ ممن يتحكمون في تكوين التحالفات الممكنة داخل العديد من المجالس البلدية ومجالس الجهات في عدد من المناطق والدوائر الانتخابية. ولتحقيق غاياتهم، يتم الحرص على نقل المنتخبين الجدد بسرية إلى أماكن بعيدة عن دوائرهم (منتجعات سياحية، وقرى)، وإبعادهم عن الأوساط التي يمكن لها أن تؤثر على التحالف المتفق عليه، وتكبيلهم بكل ما يحول دون نقض عهودهم بالتصويت لصالحهم، وذلك إلى حين إيداع لوائح التحالف، وإلى أن تكون رسمية بعد نهاية الأجل المخصص لإيداع الترشيحات لرئاسة المجالس المحلية.

وبحسب القانون التنظيمي للجماعات الترابية، يجرى انتخاب رئيس المجلس الجماعي (البلدي) ونوابه في جلسة واحدة، تعقد لهذه الغاية خلال 15 يوماً من انتخاب أعضاء المجلس. وبالنسبة للجماعة التي ينتخب أعضاء مجلسها بالاقتراع الأحادي الاسمي، يفتح باب الترشيح لرئاسة المجلس لكل الأعضاء المنتخبين. ويشترط بالنسبة للأعضاء المنتمين للأحزاب السياسية الإدلاء بتزكية الحزب الذي ترشح باسمه المرشح أو المرشحة. وبالنسبة للجماعات التي انتخب أعضاء مجلسها عن طريق الاقتراع باللائحة، يترشح لمنصب الرئيس الأعضاء والعضوات على رأس لوائح الترشيح التي فازت بمقاعد داخل المجلس.
وتتلخص اختصاصات المجالس البلدية والقروية في المساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية للقرية أو المدينة المعنية. ويعمل مجلس البلدية على التخطيط والتنظيم العمراني للمدينة، وعلى بناء الطرق وتجهيزات البنى التحتية، والمرافق العامة، وتوفير الماء والكهرباء. كما أن من اختصاصات هذه المجالس السهر على مراقبة الصحة العامة وتدبير الأملاك العامة، والسهر على النظافة وجمع النفايات والتخلص منها.
وإن كانت ظاهرة تهريب واختفاء المنتخبين الجدد تتكرر منذ سنوات بعد كل انتخابات بلدية، إلا أنها أثارت خلال المحطة الانتخابية الحالية انتقادات واسعة، كما طرحت أكثر من علامة استفهام حول مدى احترام معايير النزاهة والكفاءة والمنافسة الشريفة في انتخابات الهياكل التي ستُسير المجالس المحلية الجديدة.

جواد الشفدي: الحياد السلبي للسلطات أمام هذه الظاهرة سيعيد إنتاج مجالس مهترئة

وبحسب رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام محمد الغلوسي، فإن اختفاء و"تهريب" المنتخبين هو "امتداد لممارسات أخرى يشهدها الحقل الانتخابي، كشراء المرشحين، وانتقال بعضهم من حزب إلى آخر، وبيع التزكيات لبعض المفسدين وناهبي المال العام لضمان الأصوات ونيل المزيد من المقاعد، واستعمال المال لشراء ضمائر بعض الناخبين والتأثير على إرادتهم، واستغلال حاجة وفقر بعض الفئات الهشة داخل المجتمع، لتوسيع دائرة المكاسب وتعميق الريع والفساد في الحياة السياسية".
وبرأي الغلوسي، فإن تلك الممارسات تجسد هشاشة النخب الحزبية وضعفها. واعتبر، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن تلك النخب ساهمت بسلوكها الهجين في تسليع العمل السياسي وجعله مجالاً للتجارة والسمسرة، فضلاً عن كونها ممارسات تعكس مستوى الوعي السائد في المجتمع. وأضاف: "في ظل هذه الممارسات يتحول المنتخبون إلى مجرد رهائن في يد بعض سماسرة الانتخابات، الذين يرون في الانتخابات مجرد حرفة لربح المال وربط علاقات مع إدارات ومؤسسات، وابتزازها باسم المصلحة العامة وتمثيل السكان".
من جهته، رأى أستاذ العلوم السياسية بكلية الحقوق بجامعة الحسن الثاني بالمحمدية محمد زين الدين أن ما يحصل من اختفاء وتهريب للمنتخبين ظاهرة مرضية تتنافى مع الهدف والغاية من العملية الانتخابية ككل. وأشار، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أنه في سبيل البحث عن أغلبية والظفر برئاسة المجالس أو بأغلبية مريحة داخل تلك المجالس، تتم الإساءة للعملية الديمقراطية من طرف جميع الأحزاب.

وبينما أكد زين الدين أن المسؤولية تقع على الأحزاب في ما يخص استمرار ظاهرة تهريب واختفاء المنتخبين الجدد، اعتبر رئيس "المرصد المغربي للمشاركة السياسية" جواد الشفدي أن استمرار الظاهرة، قبل التصويت على رؤساء المجالس المنتخبة، ينم عن درجة كبيرة من الغباء السياسي، الذي ما زال يسيطر على بعض سماسرة الانتخابات. وقال إن "هذا السلوك المتخلف، يطرح إشكالية منهجية إعداد التحالفات، والتي حادت عن توحيد التصورات والبرامج بين الأحزاب التي تريد تكوين الأغلبية المسيرة للمجالس، وتركت مكانها للأشخاص الذين يتقنون ممارسات لاديمقراطية، من قبيل خطف المستشارين إلى منتجعات سياحية، وأمرهم بعدم تشغيل هواتفهم، لضمان تصويتهم أثناء جلسات انتخاب الرؤساء".

ورأى الشفدي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الحياد السلبي للسلطات أمام هذه الظاهرة، سيعيد إنتاج مجالس مهترئة، تفتقر لأبسط أدبيات التدبير وفق برامج وتعهدات واضحة بين المواطنين والمنتخبين، لافتاً إلى أن "المغرب اليوم أمامه ورش هيكلية ضخمة، والتي لا يمكن تنزيلها (تطبيقها) إلا بفضل نخب واعية وكفوءة تقطع مع الممارسات البائدة التي ستعيدنا إلى ما قبل دستور 2011".

المساهمون