"الوقوف على التل": حالة سياسية جديدة في العراق

06 سبتمبر 2022
تؤمن شريحة واسعة من النشطاء والمهتمين بالشأن السياسي بما تصفه بالوقوف على التل (Getty)
+ الخط -

مع استمرار الأزمة السياسية العراقية التي تقترب من دخول شهرها الحادي عشر على التوالي، واحتدام التصعيد السياسي والإعلامي بين طرفي الأزمة، خاصة في ما يتعلق بمسألة حل البرلمان والذهاب لانتخابات مبكرة، أو تشكيل حكومة مؤقتة، وما يرافقها من تهديدات بالعودة لاستخدام ورقة الشارع مجدداً؛ تؤمن شريحة واسعة من النشطاء والمهتمين بالشأن السياسي بما تصفه بـ"الوقوف على التل"، وعدم دعم جهة سياسية على حساب الأخرى، معتبرين أن الانحياز يجب أن يكون للقوى التي تؤمن بأهمية تغيير الواقع السياسي الحالي.

وبرزت دعوات عدم الدخول على خط الأزمة، أو ما اعتبره آخرون "الوقوف على التل" من سياسيين وناشطين مدنيين عن قوى وحراكات مختلفة في البلاد، عقب اعتصام أنصار "التيار الصدري" في المنطقة الخضراء وسط بغداد، وما أعقبها من اشتباك مسلح مع الفصائل المسلحة التي راح ضحيتها نحو 30 قتيلاً ومئات الجرحى، إذ حرصت القوى المدنية والعلمانية في البلاد على موقفها من ضرورة الحفاظ على الأمن والاستقرار، دون إعلان أي موقف واضح من الجانبين (التيار الصدري والإطار التنسيقي).

وكتب عشرات الناشطين العراقيين منشورات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، خلال الأزمة الأمنية والسياسية التي شهدها العراق الشهر الماضي، اعتبروا فيها أن "وقوفهم على التل" سيحقن دماءهم من أطراف سياسية باتت تلجأ إلى السلاح في سبيل إثبات مواقفها السياسية، على اعتبار أنهم الطرف الأضعف في المشهد السياسي، ويمكن لتدخلهم أن يعرّض القوى المدنية للاستهداف، الذي يهدد سلامة كوادرها.

وتعتبر القوى المدنية العراقية أن مشوار كفاحها للوصول إلى دولة مدنية تؤمن بالمواطنة والعدالة وسيادة القانون، هو معيار وقوفها أو اقترابها وبعدها عن القوى الحالية، معتبرة أن فرص التقارب مع القوى الدينية، والتي تمتلك أجنحة مسلحة، غير وارد.

كما تأمل القوى المدنية مضاعفة عدد مقاعدها في البرلمان المقبل بحال أجريت انتخابات جديدة، مستفيدة من النقمة الشعبية على القوى السياسية الحالية التي تحكم البلاد منذ الغزو الأميركي للعراق عام 2003.

استثمار نقمة الشارع

وحسب الناشط المدني أحمد حقي، فإن القوى المدنية واللادينية والمستقلة، "يجب أن تستثمر نقمة الشارع على الصراع بين قوى الإسلام السياسي الحالية، في تعزيز خطابها المدني بالشارع، ورفع ثقافة المواطنين بأهمية الخروج من العملية السياسية الحالية التي تستمر منذ نحو 20 عاماً بلا فائدة".

واعتبر حقي في حديث مع "العربي الجديد"، أن القوى المدنية "لها فرصة كبيرة في تعزيز موقفها، لكن بالوقت ذاته عليها ألا تصطف مع أي طرف بالأزمة الحالية، إلا فيما يتعلق بالتوافق مع بعض مطالبها الرئيسة والتي تبناها التيار الصدري أخيراً، فموضوع الإلغاء بالمجمل أو القبول بالمطلق غير منطقي بالسياسة، خاصة في بيئة مثل العراق".

وفي السياق، يقول عصام السوداني، وهو ناشط عراقي ضمن "حراك تشرين" المدني، من العاصمة بغداد، إن "الناشطين والمتظاهرين توزعت اهتماماتهم بشكل كبيرة عقب انتهاء انتفاضة تشرين 2019، فقد انخرط جزء منهم في تأسيس كيانات سياسية، وآخرون بقوا يؤمنون بأهمية الاحتجاج عبر الميادين، وجزء قليل تعاطف مع احتجاجات التيار الصدري، بوصفه يحمل نقاطاً تتوافق مع مطالب المدنيين، في حين بقي جزء منهم يقف على التل، وينظر إلى جميع هذه الأطراف دون موقف، باعتبار أن النظام الحالي بات متفسخاً ولا مجال لإصلاحه إلا باقتلاعه".

وأضاف السوداني لـ"العربي الجديد"، أن "التيار الصدري حاول أن يحصل على تأييد المدنيين والمتظاهرين، وقد نجح في استقطاب بعضهم، لكن الغالبية تخوفت من أن تسانده بسبب احتمال الانقلاب عليها، وفضلت الوقوف على التل إلى حين انتهاء الأزمة"، معتبراً أن "مفهوم التل تولد بسبب السلاح الذي يتحكم بالحياة السياسية ويرفض منح الفرصة للناشطين للمشاركة في التصحيح السياسي".

إطالة أمد الأزمة

لكن عضو حركة "وعي" سهيل هاتف، بيَّن أن "الوقوف على التل، أو الانتماء حتى ولو بطريقة ساخرة إلى جموع ما بات يعرف بـ(حركة التل)، لا يجدي نفعاً في لحظات الانفعال السياسي، بل إنه غالباً يتسبب بإطالة مدة الأزمة، ومنها ما يتعلق بالصراع على السلطة بين المتنفذين، لذلك فإن مساندة الحراك الوطني والتحرك في سبيل التغيير هو الذي يحدث فارقاً".

وأكد هاتف لـ"العربي الجديد"، أن "انتفاضة تشرين أوجدت حالات سياسية من الممكن أن تكون هي البديل الناجح عن القوى السياسية التي تحكم منذ عام 2003، لذلك فإن الأغلبية الصامتة قادرة على إحداث التغيير إذا اتجهت نحو الأحزاب الوطنية".

في الأثناء، اعتبر النائب المستقل في البرلمان العراقي باسم خشان، أن "الوقوف على التل أحياناً أسلم من أن يشارك العراقيون في دعم جهة سياسية قد تفتك بهم في حال توصلت إلى اتفاقات مع خصومها، كما أن التل يمثل حالة آمنة للأصوات الحرة التي تأثرت برصاص المليشيات خلال العامين الماضيين"، مؤكداً لـ"العربي الجديد"، أن "منافع التل تسقط في الانتخابات، لذلك لا بد من المشاركة في الانتخابات وانتخاب من يمثل الشعب، وتجنب مرشحي الرموز الدينية والسياسية والسلاح".

حالة سياسية جديدة

وسن جبار الحمداني، وهي عضوة في "الحركة المدنية الوطنية"، تقول لـ"العربي الجديد"، إن "لجوء الناشطين للصمت وعدم الانحياز في مواقفهم لأي طرف يمكن اعتباره حالة سياسية جديدة".

واعتبرت الحمداني أن "هذه الشريحة السياسية ترى أنها ليست طرفاً في الأزمة، ويجب عدم الزج بنفسها فيها، وأن الأزمات التي مرّت بالبلاد سببها كل القوى المشاركة بالعملية السياسية الحالية".

وتتلخص محاور الأزمة السياسية العراقية حالياً في إصرار قوى "الإطار التنسيقي"، الذي يضم القوى السياسية القريبة من طهران، على استئناف جلسات البرلمان العراقي ومعاودة عمله بشكل كامل، وانتخاب رئيس جمهورية ورئيس حكومة كاملة الصلاحيات بدلاً عن حكومة تصريف الأعمال الحالية برئاسة مصطفى الكاظمي، ثم الذهاب نحو تعديل قانون الانتخابات الحالي، الذي تراه قوى "الإطار التنسيقي"، سبباً في تراجع مقاعدها البرلمانية بالانتخابات الأخيرة، كما تصرّ على تغيير مفوضية الانتخابات، قبل الذهاب إلى خيار حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة.

بالمقابل يرفض "التيار الصدري" ذلك، ويصر على حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة خلال تسعة أشهر، كما يطرح تعديل الفقرة 76 من الدستور المتعلقة بالكتلة الكبرى التي يحق لها تشكيل الحكومة، مع رفعه مطلباً آخر وهو تعديل قانون المحكمة الاتحادية، لتكون أكثر استقلالية عن الأحزاب السياسية التي تولت فعلياً منذ عام 2005 اختيار أعضاء هذه المحكمة وعددهم 11 عضواً بطريقة المحاصصة الطائفية والحزبية.

وإلى جانب ذلك، يرفض "التيار الصدري" أيضاً تعديل قانون الانتخابات، ويصر على بقائه، وهو القانون الذي اعتمد نظام الدوائر المتعددة والفوز للنائب الأعلى أصواتاً، على خلاف القانون السابق المعروف بقانون (سانت ليغو) الذي منح أغلبية عددية للقوى السياسية الكبيرة على حساب القوى السياسية الناشئة والصغيرة، بسبب بند القاسم العددي في توزيع أصوات الدوائر الانتخابية. كما يرفع الفيتو أمام أي حكومة تتشكل، سواء كانت مؤقتة أو دائمة، من خلال مشاركة كتلتي "دولة القانون"، بزعامة نوري المالكي و"صادقون"، بزعامة قيس الخزعلي، ولمّح إلى قبوله إسناد ذلك للمستقلين كحل وسط، على لسان أعضائه في تصريحات سابقة.

المساهمون