حرّكت دعوة أمير الكويت الشيخ نواف الأحمد الصباح، يوم الأربعاء الماضي، للحوار الوطني بين مجلس الأمة (البرلمان) الذي تسيطر عليه المعارضة وبين الحكومة، المياه الراكدة في السياسة الكويتية بعد فترة جمود طيلة العطلة البرلمانية التي تنتهي في أواخر شهر أكتوبر/تشرين الأول الحالي. ودعا أمير البلاد إلى "نبذ الخلافات وحلّ كافة المشاكل وتجاوز العقبات التي تحول من دون خدمة للمواطنين، ورفعة راية الوطن ومكانته السامية". كما أكد تطلعه إلى "تعزيز مسيرة العمل الديمقراطي الذي هو محل فخر واعتزاز لدى الجميع، وذلك في إطار التمسك بالدستور والثوابت الوطنية".
وتأتي دعوة أمير البلاد للحوار مع حلول الذكرى الأولى لتوليه الحكم في 29 سبتمبر/أيلول عام 2020 خلفاً لأمير البلاد الراحل الشيخ صباح الأحمد الصباح. كما تأتي في محاولة لخلق مشهد سياسي جديد في البلاد بعد عام كامل من الأزمات السياسية والصراع بين البرلمان والحكومة.
رحّبت أجنحة في المعارضة في الداخل والخارج بالدعوة للحوار
واستقبلت غالبية التيارات السياسية في الكويت، وعلى رأسها التيارات المعارضة مثل حركة العمل الشعبي "حشد" بيان أمير البلاد بالترحيب، إضافة إلى الحركات الإسلامية مثل حركة "حدس" الجناح السياسي للإخوان المسلمين في البلاد، فضلاً عن الحركات الوطنية والليبرالية واليسارية مثل "التقدمي" و"المنبر الديموقراطي" و"التحالف الوطني".
كما رحب عدد كبير من نواب "كتلة 31" المعارضة داخل البرلمان بدعوة أمير البلاد للحوار الوطني، لكن العديد من أقطاب المعارضة السياسية، خصوصاً من الذين يعيشون خارج البلاد بسبب صدور أحكام سجن بحقهم على خلفية قضية اقتحام مجلس الأمة عام 2011، استنكروا الدعوة للحوار الوطني واعتبروها مجرد "غطاء حكومي لشراء الوقت" ومحاولة لمناورة البرلمان المعارض.
ورفض فيصل المسلم، وهو نائب سابق وأحد قادة المعارضة، وأحد المتورطين في قضية اقتحام مجلس الأمة إبان الاحتجاجات الشعبية، دعوة الحوار الوطني، مؤكداً أنها تأتي ضمن تنازلات للحكومة وتخلياً عن المطالب الشعبية برحيل رئيسي مجلس الأمة مرزوق الغانم ورئيس مجلس الوزراء صباح الخالد الصباح، والحصول على عفو "كريم" وإنهاء ملف معتقلي الرأي قبل أي مفاوضات مع الحكومة.
في المقابل، رحب النائب السابق مسلم البراك، الموجود في تركيا بسبب تورطه في قضية اقتحام مجلس الأمة أيضاً، والذي يعد من بين الشخصيات المعارضة البارزة، بالحوار الوطني مؤكداً على لسان حركة "حشد" التي يديرها أن الحوار يجب أن يكون بناءً ووفق الضوابط الدستورية.
واعتبر قيادي بارز في المعارضة في حديثٍ مع "العربي الجديد" أن "دعوة الأمير للحوار الوطني كشفت عن وجود اختلافات كبيرة داخل المعارضة وداخل كتلة 31 النيابية، إذ إن جناح المتشددين في المعارضة بزعامة النائب محمد المطير، الذي يعتبر المعارض فيصل المسلم الأب الروحي له، يرفض تماماً التحاور مع الحكومة والتفاهم معها، من دون رحيل رئيسي مجلس الأمة ورئيس مجلس الوزراء".
وأضاف: "أما بالنسبة للجناح الأقل تشدداً داخل المعارضة الراغب بتمرير القوانين والتشريعات وإنهاء حالة الانسداد السياسي التي تعيشها البلاد، فإنه هو من عرض فكرة الحوار الوطني على أمير البلاد، وهو من قام بجهود كبيرة وسرية خلال الأشهر الماضية لإنهاء الملفات العالقة". وأشار إلى أن "على رأس هذا الجناح النائبان عبيد الوسمي وحسن جوهر، وهناك جناح ثالث مؤلف من الموجودين في تركيا بسبب قضية اقتحام مجلس الأمة رحّب بالحوار الوطني بحذر، وذلك رغبة في الحصول على عفو خاص من أمير البلاد يمكنهم من العودة إلى الكويت بشروط، وهو جناح النائب السابق مسلم البراك".
من جهتها، قالت مصادر داخل الحكومة الكويتية لـ"العربي الجديد" إن نجاح الدعوة للحوار الوطني كان انتصاراً حكومياً، أدى إلى تشظي المعارضة بشكل نهائي وتقسيمها، مما سيؤمن لرئيس الوزراء أغلبية "لا بأس بها داخل البرلمان" في دور الانعقاد المقبل، الذي سينطلق في أواخر شهر أكتوبر الحالي.
ومن المقرر أن يبدأ الحوار الوطني غداً الاثنين، حسبما تؤكد مصادر لـ"العربي الجديد"، وسيمثل عبيد الوسمي وحسن جوهر ومهلهل المضف نواب المعارضة البرلمانية، فيما سيمثل هشام الصالح النواب الموالين للحكومة، وسيمثل رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم المؤسسة التشريعية، فيما سيتمثل رئيس مجلس الوزراء الشيخ صباح الخالد الصباح. وسيجري الحوار بإشراف مستشارين من الديوان الأميري، هما محمد ضيف الله شرار المطيري وحمود العتيبي.
وتكشف المصادر لـ"العربي الجديد" أن الحكومة ستطلب من المعارضة التهدئة مع رئيس مجلس الوزراء وسحب الاستجوابات المقدمة له وتقديم ضمان بعدم استجوابه مستقبلاً، كما ستطلب من النواب الموافقة على تمرير حزمة من القوانين الاقتصادية العاجلة وأبرزها قانون الدين العام. في المقابل ستتعهد الحكومة بإعطاء من أربعة إلى ستة مناصب وزارية للمعارضة، وتفعيل العفو الخاص عن المتهمين في قضية اقتحام مجلس الأمة، إضافة إلى تأمين قضايا الرأي وحرية التعبير.
مصادر حكومية: نجاح دعوة الحوار أدى إلى تشظي المعارضة
وستتيح المفاوضات للحكومة شراء الوقت والحصول على تهدئة سياسية، فيما ستمكن المعارضة من الحصول على "حكومة شبه شعبية" للمرة الأولى في التاريخ السياسي الكويتي، لأن تشكيل الحكومة في الكويت يعود إلى رئيس مجلس الوزراء الذي يختاره أمير البلاد وفقاً للدستور. وغالباً ما يختار رئيس الوزراء حكومةً مخالفة للتوجه البرلماني، مما يخلق حالة صدام معه في كل مرة، وتنتهي هذه الحالات في الغالب باستقالة الحكومة أو حلّ مجلس الأمة والدعوة لانتخابات جديدة.
وحول هذه التطورات، اعتبر النائب عبيد الوسمي، وهو أحد الأطراف الرئيسية في الحوار الوطني كممثل عن المعارضة، في حديثٍ مع "العربي الجديد" رداً على منتقدي جلوس المعارضة على طاولة الحوار، أنه "لا يوجد طريق إلا طريق الحوار مع الحكومة ومحاولة التفاهم معها". ورأى أن "مسألة تحصين رئيس الوزراء غير قابلة للنقاش، لأن الدستور يمنع النائب من التنازل عن صلاحياته، وأهم صلاحية لدى النائب هي مساءلة الوزراء ومحاسبتهم واستجوابهم إذا اضطر لذلك".
وأصبح قبول المعارضة لدعوة الأمير للحوار الوطني، وفق مراقبين، طوق النجاة الذي ألقته للحكومة بسبب انسداد الطريق السياسي ورفض الأخيرة تقديم تنازلات سياسية للمعارضة خلال الأشهر الماضية.
يذكر أن المعارضة حققت نجاحاً خلال الانتخابات البرلمانية في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، لكنها فشلت في ترجمة هذه النجاحات لإسقاط رئاسة رئيس مجلس الأمة الموالي للحكومة مرزوق الغانم. وأدى هذا الأمر إلى تقديم استجواب ثلاثي أسقط الحكومة بعد أقل من شهر على تشكيلها في يناير/ كانون الثاني الماضي، لكن أمير البلاد أعاد تكليف رئيس مجلس الوزراء بتشكيل حكومة جديدة.