"إنفورماسيون" الدنماركية عن انفجار مرفأ بيروت: "الخذلان الشامل"

04 اغسطس 2021
بعد عام على تفجير المرفأ لبنان ينهار ببطء (حسين بيضون)
+ الخط -

خصصت صحيفة "إنفورماسيون" الدنماركية غلافها وصفحتين كاملتين، اليوم الأربعاء، للذكرى السنوية الأولى لانفجار مرفأ بيروت.

وتحت عنوان "الخذلان الشامل"، سلّطت الصحيفة على ما أسمته "لبنان الذي يتحول إلى حالة دراسة حول كيفية انهيار المجتمعات عندما يفشل من هم في السلطة"، متناولة بكثير من التفاصيل حالة اللبنانيين قبل دقائق من انفجار 4 أغسطس/آب 2020.

وبالعودة إلى طبيعة البلد التاريخية، ذكّرت "إنفورماسيون" بأنّ "لبنان، البلد الذي كان يوماً المكان الأكثر سحراً في الشرق الأوسط، عانى دائماً من المشاكل، لكنه اليوم، بعد عام واحد على الانفجار الكبير في مرفأ بيروت، ينهار ببطء". 

ونقلت في مقدمة تغطيتها الموسعة عن أحد الناجين، شادي فؤاد، قوله إنّ "السقوط بطيء ومهين"، منطلقة من حديثه عن تفاصيل المشهد اللبناني باعتبار ما جرى عند السادسة وسبع دقائق من يوم 4 أغسطس/آب وكأنه "انفجار قنبلة نووية صغيرة. تحطمت المتاجر والمطاعم والمقاهي فيما الناس كانوا يُعدّون العشاء، وربما كان النعناع الأخضر والطماطم والزيتون تزين الموائد قبل أن يضرب البيوت عصف الانفجار الذي رُصد في بلدان الجوار كهزة أرضية، وسُمع صوته في قبرص على بعد 250 كيلومتراً. النتيجة: مقتل أكثر من 200 شخص وإصابة أكثر من 4 آلاف وما يصل إلى 300 ألف باتوا بلا مأوى".

نظام معطل

ترى الصحيفة الدنماركية أنّ لبنان وبلاد الشام عموماً تعيش أزمة ذات أبعاد تاريخية "فنظامها السياسي في مأزق، وفقدت العملة 90% من قيمتها، ووصف البنك الدولي الانهيار الاقتصادي بأنه أسوأ أزمة مالية منذ القرن التاسع عشر، وحتى الجنود اللبنانيون، الذين ينظر إليهم على أنهم الصمغ الذي يحافظ على ترابط البلد، باتوا ينامون جائعين".

وعلى خلفية قصة الشاب شادي فؤاد (32 سنة)، وهو مصمم غرافيك، تناولت "إنفورماسيون" واقع هذه الفئة من اللبنانيين، وهو الذي "شارك مع غيره في الاحتجاجات اللبنانية الكبرى في خريف 2019، قبيل تفشي جائحة كورونا"، مشيرة إلى أنه كان يعتقد أنّ الثورة والتغييرات كانت على وشك الحدوث. أما اليوم، فهو عاطل من العمل وعاجز ويائس. ويصف شادي ما جرى كأنه يوم القيامة، ويضيف: "أعتقد أن السقوط بطيء ومهين في لبنان بالوقت الراهن". 

في تغطيتها، عرّجت الصحيفة الدنماركية على ما سمّته "النظام (اللبناني) المعطل" بعد مرور عام على انفجار المرفأ، "فالقصص محبطة للغاية: الرجال يتعرضون للضرب أمام محطات الوقود، جنود يقومون بواجبات الشرطة ويطاردون المجرمين الصغار في الأزقة بدلاً من حراسة الحدود مع سورية، أطفال يموتون في المستشفيات، انقطاع التيار الكهربائي. كبار السن من الرجال والنساء الذين نجوا من الغزو الإسرائيلي والحرب الأهلية معرضون للموت بسبب نقص الأدوية". 

و"كأن ذلك غير كافٍ"، تضيف "إنفورماسيون" أنّ "هناك ما هو أكثر مأساوية، فقد أثار نقل دببة من حديقة حيوانات بيروت إلى الخارج بسبب العجز عن إطعامها الكثير من الكوميديا السوداء في البلد، ومن بينها أنّ من الأفضل أن تكون حيوان حديقة حيوانات أكثر من أن تكون إنساناً في لبنان، فثمة فرص لأن تحصل على لجوء في الخارج".

ولتأكيد مأساوية الواقع اللبناني اليوم، تذهب الصحيفة بالقراء الدنماركيين نحو تفصيل حالة الجيش اللبناني، "فهو لا يستطيع دفع الرواتب للجنود، وبات يستخدم مروحياته العسكرية لجذب السياح، الوضع في غاية السوء بتحويل مهمة الطيارين إلى نقل السائح إلى سماء لبنان لالتقاط صور سيلفي مع الطبيعة الجميلة من الأعلى". 

وتشير الصحيفة إلى أنّ مستوى اليأس في لبنان مرتفع للغاية، "فاللبنانيون من الطبقة الوسطى، والذين يحلمون بأن يصبحوا مهندسين ورؤساء يضطرون الآن إلى بيع ممتلكاتهم الشخصية مقابل لا شيء. من ألعاب الأطفال إلى كتب القصص الخيالية والشمعدانات. كل شيء يُباع على صفحات فيسبوك، كما يشير المحلل المقيم في بيروت أنشال فوهرا في مجلة فورين بوليسي". 

وعن العالم الخارجي تقول "إنفورماسيون" إنّ "المأساة لا تجعل الاهتمام الخارجي كبيراً، فلبنان ليس إيران ولا مصر ولا تركيا، إنه دولة يبلغ عدد سكانها نحو 6.8 ملايين نسمة، ومن هم في هرم السلطة بالنسبة إلى الخارج هم غير معروفين كالمستبدين الآخرين، ولولا حزب الله المسلح والمدعوم من إيران والمتمركز على حدود إسرائيل، لكان عدد المهتمين بشأن هذه الدولة الشامية أقل بكثير". 

وفي السياق، تحدثت الصحيفة عن النظام السياسي اللبناني القائم على "كوتا (محاصصة)" طائفية توزع السلطات بين مختلف جماعات البلد، ويعتقد العلماء والخبراء أن هذا النظام السياسي تحديداً هو أحد أسباب الانهيار البطيء للبنان، وهو ما تشير إليه إميلي هورثون من شركة الاستشارات "ستراتفور ورلد فيو"، باعتبار نظام المحاصصة الطائفي تأسس لتجنب الصراعات وليس للحكم بفعالية.

وتعتبر هورثون أنّ هذا النظام يجعل من الصعب تبني إصلاحات غير تقليدية، إذ يحتاج الأمر لموافقة جميع الأطياف السياسية، وهو "أمر صعب". 

وتناولت الصحيفة أيضاً قضايا الفساد والتهريب إلى سورية، الأمر المسبّب للّجوء إلى تخزين المواد الضرورية ونقص الإمدادات المحلية، لافتة في الوقت نفسه إلى أنه "لو كان هناك شهادة تمنح للفاسد، لحصل السياسيون اللبنانيون على شهادة الدكتوراه. فهؤلاء، بدلاً من تطوير سياسة اقتصادية طويلة الأمد تعود بالنفع على البلاد، توزع النخبة الحاكمة المناصب والموارد والوظائف على من هم أقرب إليها. وهذا ينطبق على السنّة والشيعة والمسيحيين على حد سواء. وهذا يعني أيضاً أنهم في القارب ذاته، ويمسك بعضهم بأيادي بعض عندما يشعرون بالتهديد". 

لبنان ضحية السياسات الكبرى 
تشير الصحيفة إلى ما تسميه "التدخل الإيراني" في شؤون البلاد، "فقد اشتكى رئيس الوزراء المكلف والمستقيل، سعد الحريري، من أن حزب الله لم يتدخل للضغط على الرئيس ميشال عون، والحريري محق في ذلك، فإيران يمكنها أن تأمر أكبر جماعة مسلحة، حزب الله، بتسهيل تشكيل حكومة خلال ساعات، بيد أن طهران لا تفعل لأنها تفاوض على الاتفاق النووي في فيينا".

وطرح العديد من المحللين علامات استفهام حول استخدام لبنان كأداة تفاوضية ضد الولايات المتحدة. ورأت الصحيفة أنّ "ذلك يشير إلى أن مشكلة لبنان ومعاناته الدائمة يسببها مصدران: النظام السياسي الداخلي والتدخل الخارجي لقوى إقليمية". 

وتختم "إنفورماسيون" بالتوقف عند مواقف الخارج حيال الأزمة اللبنانية وغياب اتفاق النخبة على تشكيل حكومة، "فلا أحد يستطيع الحصول على قروض من الغرب والدول العربية الغنية، في ظل غياب سلطة تستطيع اتخاذ قرارات، وقد يتعين على اللبنانيين انتظار الانتخابات المقبلة ربيع العام المقبل، مع استمرار السقوط الحر لاقتصاد البلد، وهو ما سيجعل وضعه أكثر سوءاً". وتختم بالإشارة إلى أن "أوروبا حاولت الضغط على ساسة بيروت، وتهديد العقوبات الأوروبية سيظل قائماً".

المساهمون