خرج 29 حزباً سياسياً جزائرياً من بين 40 حزباً شارك في الانتخابات المحلية، التي جرت السبت الماضي، خالي الوفاض وبدون أي مقعد من ضمن 1541 مجلسا بلديا و58 مجلساً ولائياً، كما لم تحصل هذه الأحزاب نفسها على أي مقعد في البرلمان خلال الانتخابات النيابية الماضية، وهو ما يضعها أمام مصير "موت سياسي شبه محتوم"، وفي ظل مطالبات بتطهير الساحة السياسية من "أحزاب المحفظة".
وبقدر ما كان نطاق المنافسة الانتخابية في الانتخابات البلدية والولائية متسعاً، بحكم وجود أكثر من 30 ألف مقعد مطروح للتنافس بين قوائم الأحزاب والمستقلين، فإن ما يقارب 30 حزباً سياسياً لم يحصل على أي مقعد منها.
وباستثناء أحزاب "جبهة التحرير الوطني" و"التجمع الوطني الديمقراطي" و"حركة مجتمع السلم" و"جبهة المستقبل" و"حركة البناء الوطني" و"جبهة القوى الاشتراكية" و"صوت الشعب" و"الفجر الجديد"، وبدرجة أقل "جبهة العدالة والتنمية" و"الحرية والعدالة" و"جبهة النضال الوطني" التي حصلت على عدد ضئيل من المقاعد في البلديات، فإن باقي الأحزاب التي دخلت المنافسة الانتخابية خرجت منها بصفر مقعد.
ويطرح هذا الوضع أسئلة جدية حول طبيعة هذه الأحزاب وحقيقة تمثيلها ومبررات وجودها في الساحة السياسية، بما فيها أحزاب كان لها حضور إعلامي، كـ"حركة الإصلاح الوطني" و"الوفاق الوطني" و"الجبهة الوطنية الجزائرية" وغيرها، من دون أن يترجم ذلك إلى حضور في المجالس المنتخبة.
وتتصاعد في مثل هذه المناسبات مطالبات من الأحزاب السياسية الفاعلة لإجراء "تطهير" للساحة السياسية مما توصف بـ"أحزاب المحفظة" (نسبة إلى أن حمل وثائق وختم الحزب في محفظة رئيسه)، والتي لا وجود لها في الواقع السياسي، و"إنهاء تشويش هذه الأحزاب على العمل السياسي الحقيقي"، خاصة وأن الساحة السياسية في الجزائر كانت شهدت، خلال العقود الماضية، حالة تشبّع، بسبب اعتماد عدد مبالغ فيه من الأحزاب السياسية، بعضها حصلت على الاعتماد في ظروف الفوضى السياسية التي شهدتها البلاد في التسعينيات.
وبحسب مراقبين، لم يكن هدف السلطة من إغراق الساحة بعدد كبير من الأحزاب تشجيع العمل السياسي، بقدر ما كان إضفاء تعددية صورية للمشهد السياسي، والبحث عن أكبر عدد من القوى والمجموعات السياسية الداعمة عددياً لخياراتها، بغض النظر عن مستوياتها التمثيلية.
وفي السياق، يقر رئيس "جبهة النضال الوطني"، عبد الله حداد، الذي حصل حزبه بالكاد على عدد قليل من المقاعد في الانتخابات الأخيرة، بأن غالبية الأحزاب المتواجدة والمشاركة في الانتخابات "توجد في وضع غير قانوني".
وقال حداد، لـ"العربي الجديد"، إن "هناك حقيقة يجب أن نعترف بها، وهي أن الكثير من الأحزاب التي تظهر في الانتخابات هي عبارة عن اسم سياسي ليس أكثر، بعض الأحزاب لم تعقد مؤتمراتها منذ التسعينيات، وبعضها منذ 2012، وإذا كان الحزب لا يستطيع جمع 400 عضو في صفوفه، فكيف يمكن له أن ينافس في الانتخابات"، وكشف عن أن "هناك 17 حزباً فقط في الجزائر تحمل وسم المطابقة مع القانون، وتوجد في وضع قانوني، أما الباقي فوجودها يحتاج إلى مراجعة".
لكن السلطة السياسية بدأت في الفترة الأخيرة في تطبيق إجراءات ضد بعض الأحزاب السياسية التي لم تعقد مؤتمراتها ولم تخضع للإجراءات التي يفرضها قانون الأحزاب، إذ كانت قد قامت بحل حزب سياسي، وأشعرت عدداً من الأحزاب ببدء إجراءات ضدها في السياق نفسه، حيث رفعت ضدها دعاوى قضائية لحلها، خاصة وأن الدستور الجديد كرس منع حل الأحزاب السياسية إلا بقرار قضائي.
وفي 24 سبتمبر/أيلول الماضي، أصدر مجلس الدولة، أعلى سلطة في القضاء الإداري، قراراً يقضي بحل حزبين سياسيين معتمدين ومنعهما من أي نشاط سياسي، بسبب تواجدهما في وضعية غير مطابقة للقانون المنظم للأحزاب السياسية، ولعدم عقدهما مؤتمراتهما العامة في الوقت المحدد، وهما حزبا "الاتحاد من أجل الديمقراطية والحريات" و"جبهة الجزائريين الديمقراطيين"، كما تتجه إلى حل أحزاب أخرى، كحزب "العمال الاشتراكي".
وبرأي الناشط السابق في حزب "الجبهة الجزائرية" (لم يحصل على أي مقعد) أحمد عليليش، فإن مصير الحزب، الذي نشط فيه لفترة قصيرة قبل الانسحاب منه، مثل الكثير من الأحزاب ينتهي عملياً بمجرد انتهاء ظروف إنشائها، لكونها لا تملك أية مقومات للاستمرار.
وقال أحمد عليليش، لـ"العربي الجديد"، إن "هناك حالة فوضى سياسية، رأينا كيف أن أحزاباً يقودها ناشطون بمستوى علمي متدن جداً، بعضهم لا يعرف القراءة والكتابة بالشكل الصحيح حتى، والجزء الأكبر من هذه الأحزاب ليس له أي تواجد في الساحة السياسية، أو إسهام في تأطير المجتمع السياسي، وتظهر فقط في الاستحقاقات الانتخابية والمواعيد السياسية، للحصول على عائدات مالية كانت تدرّها عليها عضوية اللجان الولائية والبلدية للانتخابات، قبل أن يتم إلغاء هذه اللجان منذ انتخابات عام 2017، كما كانت تستغلها السلطة في ظروف سياسية لدعم سياسات وخيارات معينة".
وتوجد في الجزائر عشرات الأحزاب السياسية المعتمدة، بلغ عددها بحسب وزارة الداخلية الجزائرية 64 حزباً سياسياً.
ويعتقد متابعون للشأن السياسي في الجزائر أن "هناك ضرورة فعلية لإجراء مراجعة جدية لقانون الأحزاب، وتضمينه ما يفيد بإخلاء الساحة السياسية من الأحزاب التي لا تحترم الالتزامات المتضمنة في قانون الأحزاب، أو تلك التي لا تحصل على تمثيل في عدد محدد من الاستحقاقات الانتخابية المتتالية، لتطهيرها من "أحزاب المحفظة" التي غالباً ما تشوش على مختلف الانتخابات، بسبب توفيرها لأطر عشوائية لمرشحين لا تربطهم أية علاقة نضالية بهذه الأحزاب".
وقال أستاذ العلوم السياسية أحمد دريس، لـ"العربي الجديد"، إن "غالبية الأحزاب السياسية المعتمدة في الجزائر لا تملك أية مقومات للكيانات الحزبية أو مؤسسات قاعدية محلية، ناهيك عن عدم عقدها لمؤتمراتها، وعدم تجديدها لهيئاتها القيادية في المواعيد التي يحددها قانون الأحزاب وقوانينها الداخلية، إضافة إلى عدم تقديمها تقارير عن ماليتها إلى السلطات".
وأضاف دريس أن "هذه الأحزاب استفادت من مرحلة الفوضى السياسية السابقة التي كانت تستفيد فيها السلطة من وجود هذه الأحزاب، لإظهار حصول خياراتها السياسية على دعم الطبقة السياسية، بينما كان ذلك في الواقع مجرد غش سياسي، ولم يكن تعبيراً عن طبقة سياسية حقيقية".