30 أكتوبر 2024
عدن: محاولة فهم عِبر المؤامرة
في دولٍ يحيط بها الظلام من الداخل والخارج، مثل السعودية والإمارات، حيث تغيب المعلومة الموثقة، يصبح كل شيء متروكاً للتحليل والتقدير والمقارنة واستحضار الخلفية التاريخية وإعادة تدوير ما نعرفه أصلاً عن آليات الحكم، وعن شخصيات الحكام، لمحاولة فك ألغاز أحداثٍ أو مواقف معينة. مناسبة الحديث، بالطبع، انقلاب الإمارات على "حكومة الشرعية" في عدن، "السعودية" نظرياً، وهو انقلابٌ حمل الرقم ثلاثة، والثالث كان ثابتاً هذه المرة بعد محاولتين سابقتين في العامين الماضيين.
في الأحداث أنّ السعودية تركت، لثلاثة أيام، مليشيات حليفتها الإمارات تذبح الحكومة التابعة للرياض في عدن، "من الوريد إلى الوريد"، على حد تعبير نائب رئيس البرلمان اليمني، عبد العزيز جباري، المقرّب جداً من الرئيس عبد ربه منصور هادي. في الأحداث أيضاً أن الرياض لم تدعم، منذ بدء زحف مقاتلي المجلس الانتقالي الجنوبي، الإماراتي سياسياً وتسليحاً وتدريباً وتمويلاً، حلفاءها المفترضين من جيش الحكومة في شوارع عدن وقصرهم الرئاسي، إلا ببياناتٍ في وجه جيشٍ جرّار احتشد من مدن الجنوب الذي استحال أشبه بمستعمرة إماراتية. والدبابة بطبيعة الحال أصدق إنباءً من البيانات الممجوجة. حُسم انقلاب رجال الإمارات في أيام ثلاثة، وفقط حينها تدخل التحالف السعودي ــ الإماراتي، لا وزارة الخارجية السعودية مثلاً، ليأمر بوقف النار، وذلك بعدما كانت النيران قد توقفت بالفعل، ببساطةٍ لأن كل مقرّات الحكومة سقطت عسكرياً بيد التمرّد الانفصالي. ثم، فجر الأحد، أعلن التحالف إياه، لا السعودية مجدّداً، في بيان، أنه "استهدف إحدى المناطق التي تشكل تهديداً مباشراً على أحد المواقع المهمة التابعة للحكومة الشرعية"، ملوّحاً بعمليات آتية "في حال عدم التقيد ببيان قوات التحالف"، أي أمر وقف إطلاق النار، مع تنويهٍ يبدو نظرياً تهديداً، مفادُه بأن التحالف السعودي ــ الإماراتي "سيتولى حماية المواقع التي ينسحب منها المجلس الانتقالي".
هذا في الأحداث، فما الذي يمكن فهمه منها؟ بموجب نظرية المؤامرة، الأسهل على الهضم والأقل تطلباً لإعمال العقل، يترجم ما حدث نوايا السعودية بتسليم جنوب اليمن للإمارات، تمهيداً لإيجاد صيغةٍ تعطي الشمال للحوثيين بشروط سعودية تضمن أمن المملكة وحدودها الجنوبية، بما يُخرج الرياض من مستنقع لا أفق عسكرياً يوحي بإمكانية حسمه لمصلحتها، وبما يؤدي إلى ربط نزاعٍ مع إيران أو هدنة طويلة الأمد بالواسطة الحوثية إحياءً لتحالف الرياض ــ صنعاء في عهد الإمامة. وفق فرضية المؤامرة تلك، يكون انقلاب أتباع الإمارات متفقاً عليه بين أبوظبي والرياض، بعيداً عن موجباتٍ تفرضها الدبلوماسية، كضرورات إظهار الدعم السعودي للحكومة في كل حين، ورفض كل ما من شأنه "الإخلال بشروط الحرب ضد الانقلاب الحوثي".
لكن بعيداً عن الاستعانة بأفكار مسبقة كتلك، تستعيض عن التحليل باستحضار نظريات جاهزة يمكن إسقاطها في أي مكان وأي زمان، وجب تذكُّر أن الانقلاب الإماراتي يندرج في سياق استدارة سياسية باشرتها أبوظبي قبل فترة، من خلال توقيع اتفاق أمني مع إيران، وإحياء خطوط تواصل لم تنقطع بالكامل يوماً مع حزب الله اللبناني، وإعلان الانسحاب من اليمن ربما تمهيداً لإنجاح انقلاب رجالها من دون تحمل مسؤولية مباشرة عن تمردهم، بدليل البيانات والتصريحات الوقحة التي صدرت عن وزارة الخارجية الإماراتية، والتي تدين أو تعرب عن الانزعاج من انقلاب أتباعها! هي استدارةٌ معروفةٌ عند الدول التي تحكم المصلحة الاقتصادية المباشرة كل سلوك لديها، وشهيرة بالنسبة لعواصم تفهم المكيافيلية في أضيق أطرها البراغماتية، على اعتبار أن الانخراط في الحرب اليمنية إلى جانب الرياض كان مجرد محاولة ورّط فيها محمد بن زايد "تلميذه" محمد بن سلمان، المتأثر به حدّ الهيام. محاولة كلفتها ضئيلة على أبوظبي مقارنة مع فوائدها المحتملة، فلمّا توفرت المكاسب، كحكم مستعمرة استراتيجية جداً في جنوب اليمن، وجب ترك الحليف في محنته، واستحضار بيانات الحوار والحلول السلمية.
هذا في الأحداث، فما الذي يمكن فهمه منها؟ بموجب نظرية المؤامرة، الأسهل على الهضم والأقل تطلباً لإعمال العقل، يترجم ما حدث نوايا السعودية بتسليم جنوب اليمن للإمارات، تمهيداً لإيجاد صيغةٍ تعطي الشمال للحوثيين بشروط سعودية تضمن أمن المملكة وحدودها الجنوبية، بما يُخرج الرياض من مستنقع لا أفق عسكرياً يوحي بإمكانية حسمه لمصلحتها، وبما يؤدي إلى ربط نزاعٍ مع إيران أو هدنة طويلة الأمد بالواسطة الحوثية إحياءً لتحالف الرياض ــ صنعاء في عهد الإمامة. وفق فرضية المؤامرة تلك، يكون انقلاب أتباع الإمارات متفقاً عليه بين أبوظبي والرياض، بعيداً عن موجباتٍ تفرضها الدبلوماسية، كضرورات إظهار الدعم السعودي للحكومة في كل حين، ورفض كل ما من شأنه "الإخلال بشروط الحرب ضد الانقلاب الحوثي".
لكن بعيداً عن الاستعانة بأفكار مسبقة كتلك، تستعيض عن التحليل باستحضار نظريات جاهزة يمكن إسقاطها في أي مكان وأي زمان، وجب تذكُّر أن الانقلاب الإماراتي يندرج في سياق استدارة سياسية باشرتها أبوظبي قبل فترة، من خلال توقيع اتفاق أمني مع إيران، وإحياء خطوط تواصل لم تنقطع بالكامل يوماً مع حزب الله اللبناني، وإعلان الانسحاب من اليمن ربما تمهيداً لإنجاح انقلاب رجالها من دون تحمل مسؤولية مباشرة عن تمردهم، بدليل البيانات والتصريحات الوقحة التي صدرت عن وزارة الخارجية الإماراتية، والتي تدين أو تعرب عن الانزعاج من انقلاب أتباعها! هي استدارةٌ معروفةٌ عند الدول التي تحكم المصلحة الاقتصادية المباشرة كل سلوك لديها، وشهيرة بالنسبة لعواصم تفهم المكيافيلية في أضيق أطرها البراغماتية، على اعتبار أن الانخراط في الحرب اليمنية إلى جانب الرياض كان مجرد محاولة ورّط فيها محمد بن زايد "تلميذه" محمد بن سلمان، المتأثر به حدّ الهيام. محاولة كلفتها ضئيلة على أبوظبي مقارنة مع فوائدها المحتملة، فلمّا توفرت المكاسب، كحكم مستعمرة استراتيجية جداً في جنوب اليمن، وجب ترك الحليف في محنته، واستحضار بيانات الحوار والحلول السلمية.