03 سبتمبر 2024
الفلسطينيون والصعود الإسرائيلي إلى الفاشية
سامية عيسى
انتصار اليمين المتطرف في الانتخابات الإسرائيلية أخيرا، بزعامة نتنياهو، دلالة جديدة على صعود الفاشية ما فوق العنصرية، الجديدة المتجددة. ليس في إسرائيل وحدها ربما، مع أنها الأكثر فجاجة، فالعالم دخل في زمن الشعبوية الذي هو مؤاتٍ لكل التيارات المتشدّدة باتجاه اليمين والتطرف وسحق الفقراء والمهمشين لمصلحة قلة قليلة لرأسمالية متوحشة لا تعرف الشبع، وما نهمها للسلطة إلا وسيلة لهذا الجشع الذي يحول و/أو سيحول شعوب العالم بأسره إلى مجرد عبيدٍ يسخرون لخدمة أسياد قلائل، يحكمون العالم عبر صناديق اقتراع عمياء، تتغذى على الخوف وجهل الناخبين، أو عجزهم من رؤية الهاوية التي تجرّنا إليها هذه القلة. وهذا غيض من فيض مؤشرات تمهد لصعود الفاشية عبر العالم، سيما في إسرائيل. نرى ذلك بوضوح عبر التحالفات التي أنشأها اليمين واليمين المتطرّف بقيادة نتنياهو ونيفتالي بينيت وليبرمان وإيليت شكد وغيرهم، فضلا عن الجنرالين المرشحين المنافسين لنتنياهو، غانتس ومردخاي اللذين لا يقلا تطرّفا عنه. لم يقتصر تقارب نتنياهو الشديد مع ترامب، بل اختار أصدقاءه المقربين من بين أسوأ الشعبويين الأوروبيين. لم يرفّ جفنه، وهو يصافح رئيس الوزراء المجري، فيكتور أوربان، على الرغم من علمه، قبل زيارته المجر ببضعة أيام في يوليو/ تموز 2017، بدفاع أوربان العلني والصريح عن وصي عرش المملكة المجرية (1920ـ 1940)، ميكلوش هورتي الذي ساعد حليفه النازي، أدولف إيخمان، على ترحيل وقتل 430 ألف يهودي مجري. لم تطرف عين زعيم "ليكود"، نتنياهو، وهو يتودد أيضا إلى ياروسلاف كاتشينسكي الرئيس البولندي الأسبق، ياروسلاف كاتشينسكي (2006 - 2007) الذي حفّز سن قانون يمنع ذكر المتواطئين مع المحتل النازي الذين تواطأوا على إبادة مائتي ألف يهودي بولوني خلال الحرب العالمية الثانية، بحسب المؤرخ زايمون داتنر في بحث أجراه عام 1970. كما أن أفيغدور ليبرمان، وغيره من زعماء اليمين المتطرّف، يُستقبلون بحفاوة منذ العام 2010. وقد أقام نحو ثلاثين من قادة اليمين المتطرّف الأوروبي في إسرائيل، منهم النمساوي هاينز كريستيان ستراتش، وعضو البرلمان الهولندي غيرت فيلدرز الذي يحلم بمنع القرآن في هولندا، وتربطه علاقة حميمة مع ليبرمان، وقد ترافع علنا في إحدى زياراته لمستوطنة في الضفة الغربية، وفق وكالة الأنباء الفرنسية، ضد مبدأ الأرض مقابل السلام مع الفلسطينيين، مقترحا إسكان الفلسطينيين بإرادتهم في الأردن.
ليست خطورة هذه العلاقات على الفلسطينيين وحدهم، بل على البنية السياسية التي تحكم
إسرائيل منذ تأسيسها، وتزاوج مزاوجة مشوهة بين الدين والديمقراطية، وتتذرع بسردية دينية مريضة، تقتلع شعبا أصيلا من أرضه، وتحتله وتسرق أراضيه، وهي الآن في مرحلة تطرف أشد نحو اليمين، لم يسبق له مثيل، منذ انهيار الفاشية والنازية في أواسط القرن الماضي، قد تعيدهما إلى الحياة، وتهدد السلم العالمي مجدّدا، فنتائج الانتخابات الإسرائيلية أخيرا تؤشّر إلى تراجع شديد في المزاج الإسرائيلي العام عن الرغبة في السلام التي شهدها المجتمع الإسرائيلي في تسعينيات القرن الماضي، سيما إثر الانتفاضة الفلسطينية. يترافق مع غض النظر عن التفريط بضحايا المحرقة، عبر إقامة العلاقات المنفتحة لقادة اليمين الإسرائيلي مع رموز اليمين الأوروبي الذي يسعى، من حين إلى آخر، إلى طمس الحقائق المرتبطة بالهولوكوست. ويمهد زمن الشعبوية لصعود سافر لفاشية تتربّع على المصالح الاقتصادية وظاهرة الفساد على مستوى العالم، وهي الستار الذي يتلحف به نتنياهو (وأقرانه السياسيون) لتجنب مواجهة دعاوى قضائية، وللتمهيد من أجل مزيد من تقاسم المنافع التي ستتيحها له الولاية الخامسة لترؤسه الحكومة الإسرائيلية، متفوقا على مؤسس دولة إسرائيل، بن غوريون بما لا يقاس. لكن الفرق أنه يعجل بالخراب وبنهاية الحلم / الخرافة الصهيونية، وبحسب محمود درويش: للحقيقة وجهان.. والثلج أسود.
أكثر ما يدفع الإسرائيليين باتجاه التيارات اليمينية المتطرّفة الخوف المتصاعد من عمل الفلسطينيين الدائم على استعادة حقوقهم في أراضيهم والعودة إلى بلدهم التي طردوا منها أو طرد منها أهلوهم. وهذا يعني للإسرائيليين خسارة ما سرقوه، ويعتبرونه حقا لهم، بحسب الخرافة الدينية لأرض الميعاد، خصوصا في تغييب أي حل يحقق لهم السلام والاستقرار.
وبحسب قواعد علم النفس السياسي، يلجأ زعماء الحركة الصهيونية، منذ نشأتها، باستخدام الدين تارة والخوف من الإبادة تارة أخرى، إلى تذكير الإسرائيليين بزمن الهولوكوست، ليسهلوا عبورهم زمن "النكبة" التي تحولوا معها من ضحايا إلى مجرمين وجلادين ولصوص، ومن ثم إلى أهدافٍ "يسعى الفلسطينيون إلى قتلهم" بشتى الطرق، أو طردهم من المستوطنات، فبطريقة مشابهة، قامت النازية بتمرير "الهولوكوست " والتحضير له عبر ترويج صورة "اليهود البدناء الجشعين ذوي الأنوف المعقوفة والرائحة الكريهة الذين يسعون إلى السيطرة على الاقتصاد وتخريب طمأنينة الشعب الألماني"، إلى ما هنالك من وسائل رفعت منسوب الكراهية في أوروبا، ودفع ثمنها ملايين اليهود الأبرياء، بحسب العالم دايفيد هوتون. وإلا فكيف نفهم نزوع المجتمع الإسرائيلي إلى انتخاب أكثر المرشحين اليمينيين تطرفا ممثلين لهم في الكنيست، والذين لا يتورّع بعضهم عن خيانة ضحايا الهولوكوست؟
ما يقلق الآن أن ثمّة "حربا وجودية" تلوح في الأفق السياسي يحضر لها تحت عناوين عدة
أبرزها "صفقة القرن"، والتي يمكن أن تحمل في ما تحمله "عملية ترانسفير" للفلسطينيين قد لا ينجو من حرائقها المجتمع الإسرائيلي نفسه لمصلحة تلك القلة الرأسمالية الجشعة التي تحكم إسرائيل، متمثلة بزعيم شعبوي الأكثر عنصرية في تاريخ الكيان الصهيوني. وهو أمر لا يهدد الفلسطينيين وحدهم، بل العالم العربي والمجتمع الدولي بأسره. وهذا ما يسوغ التساؤل عن جدوى الحديث عن حل عادل، يسمح بتعايش الفلسطينيين والإسرائيليين في المدى المنظور، مثل "حل الدولة الواحدة: ثنائية القومية"؟ فأين هم الإسرائيليون الذين يمكننا من التحدّث معهم بهذا الشأن؟ الإسرائيليون الذين سوف يعانون هم أيضا من انجراف المجتمع الإسرائيلي نحو الفاشية؟
الخطوة الأولى التي يجب أن يبدأ بها الفلسطينيون لمواجهة كل هذا الوضع، بتعقيداته الذاتية والموضوعية، هي البحث عن مكامن "القوة" التي يملكونها، مع أن خطواتٍ أخرى يجب أن تسبقها، مثل العمل على رص الصفوف، والتخلص من حالة الانقسام التي باتت تتحول إلى سلوك خياني للشعب الفلسطيني ولقضيته العادلة، فضلا عن ظاهرة الفساد المالي والإداري والتنسيق الأمني، وترك ملايين اللاجئين الفلسطينيين من دون حماية، أو قيادة ترعى شؤونهم، سواء في داخل فلسطين التاريخية، وخارجها في دول اللجوء والشتات.
الإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها هي برسم النخب الشبابية والمثقفة والنساء أينما وجدوا، وليس برسم من يتسلطون على الشعب الفلسطيني، بوصفهم قادة وزعماء له، فمحو الوجود لا يترك للفلسطينيين أي خيارٍ غير خيار الكفاح من أجل الوجود. وعليه، وبينما أنت في غابةٍ مهدد بالموت لا محالة، يظل هناك أمل في أن تنجو. أن تبحث في نفسك عما يمكن عمله؟ أن تبحث حولك عن الوسائل، وعن الآخر الذي يتهدده المصير ذاته، أيا كان هذا الآخر، كي تتمكنا معا من بناء القوة اللازمة لدرء هذا المصير المظلم. يبقى أن تعلم أن الرؤية وسط الظلام أمر ممكن فقط حين نقبل العتمة، وحين نبدأ البحث عن بصيص النور فيها، فكما يمكن، بحسب قوانين الفيزياء، أن يتلمس المرء طريقه في الظلام، فإنه يمكن لشعبٍ بأكمله أن يفعل. وهذا لا يحتاج أي تحليل سياسي لموازين القوى، أو التيقظ من المؤامرات التي تحاك هنا وهناك، أو حتى إلى وضع خطط فذة للنجاة، فالظلام حالك، وليس هناك ما يمكن فعله غير مواجهة مصير مرعب، أوصل الفلسطينيون أنفسهم بأنفسهم إليه، وليس الأعداء فقط وظلم ذوي القربى.. حين يتهدد وجودك وحش يكشر عن أنيابه مبتهجا، فكل ما يحتاج له المرء هنا قلب شجاع، ولكن فقط أن يريد. فقط أن يبدأ الآن. أن يبدأ بنفسه قبل أن يفوت الأوان، وكي لا يلقي خطبته الأخيرة، كهندي أحمر يرثي نفسه عند خط النهاية.
ليست خطورة هذه العلاقات على الفلسطينيين وحدهم، بل على البنية السياسية التي تحكم
أكثر ما يدفع الإسرائيليين باتجاه التيارات اليمينية المتطرّفة الخوف المتصاعد من عمل الفلسطينيين الدائم على استعادة حقوقهم في أراضيهم والعودة إلى بلدهم التي طردوا منها أو طرد منها أهلوهم. وهذا يعني للإسرائيليين خسارة ما سرقوه، ويعتبرونه حقا لهم، بحسب الخرافة الدينية لأرض الميعاد، خصوصا في تغييب أي حل يحقق لهم السلام والاستقرار.
وبحسب قواعد علم النفس السياسي، يلجأ زعماء الحركة الصهيونية، منذ نشأتها، باستخدام الدين تارة والخوف من الإبادة تارة أخرى، إلى تذكير الإسرائيليين بزمن الهولوكوست، ليسهلوا عبورهم زمن "النكبة" التي تحولوا معها من ضحايا إلى مجرمين وجلادين ولصوص، ومن ثم إلى أهدافٍ "يسعى الفلسطينيون إلى قتلهم" بشتى الطرق، أو طردهم من المستوطنات، فبطريقة مشابهة، قامت النازية بتمرير "الهولوكوست " والتحضير له عبر ترويج صورة "اليهود البدناء الجشعين ذوي الأنوف المعقوفة والرائحة الكريهة الذين يسعون إلى السيطرة على الاقتصاد وتخريب طمأنينة الشعب الألماني"، إلى ما هنالك من وسائل رفعت منسوب الكراهية في أوروبا، ودفع ثمنها ملايين اليهود الأبرياء، بحسب العالم دايفيد هوتون. وإلا فكيف نفهم نزوع المجتمع الإسرائيلي إلى انتخاب أكثر المرشحين اليمينيين تطرفا ممثلين لهم في الكنيست، والذين لا يتورّع بعضهم عن خيانة ضحايا الهولوكوست؟
ما يقلق الآن أن ثمّة "حربا وجودية" تلوح في الأفق السياسي يحضر لها تحت عناوين عدة
الخطوة الأولى التي يجب أن يبدأ بها الفلسطينيون لمواجهة كل هذا الوضع، بتعقيداته الذاتية والموضوعية، هي البحث عن مكامن "القوة" التي يملكونها، مع أن خطواتٍ أخرى يجب أن تسبقها، مثل العمل على رص الصفوف، والتخلص من حالة الانقسام التي باتت تتحول إلى سلوك خياني للشعب الفلسطيني ولقضيته العادلة، فضلا عن ظاهرة الفساد المالي والإداري والتنسيق الأمني، وترك ملايين اللاجئين الفلسطينيين من دون حماية، أو قيادة ترعى شؤونهم، سواء في داخل فلسطين التاريخية، وخارجها في دول اللجوء والشتات.
الإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها هي برسم النخب الشبابية والمثقفة والنساء أينما وجدوا، وليس برسم من يتسلطون على الشعب الفلسطيني، بوصفهم قادة وزعماء له، فمحو الوجود لا يترك للفلسطينيين أي خيارٍ غير خيار الكفاح من أجل الوجود. وعليه، وبينما أنت في غابةٍ مهدد بالموت لا محالة، يظل هناك أمل في أن تنجو. أن تبحث في نفسك عما يمكن عمله؟ أن تبحث حولك عن الوسائل، وعن الآخر الذي يتهدده المصير ذاته، أيا كان هذا الآخر، كي تتمكنا معا من بناء القوة اللازمة لدرء هذا المصير المظلم. يبقى أن تعلم أن الرؤية وسط الظلام أمر ممكن فقط حين نقبل العتمة، وحين نبدأ البحث عن بصيص النور فيها، فكما يمكن، بحسب قوانين الفيزياء، أن يتلمس المرء طريقه في الظلام، فإنه يمكن لشعبٍ بأكمله أن يفعل. وهذا لا يحتاج أي تحليل سياسي لموازين القوى، أو التيقظ من المؤامرات التي تحاك هنا وهناك، أو حتى إلى وضع خطط فذة للنجاة، فالظلام حالك، وليس هناك ما يمكن فعله غير مواجهة مصير مرعب، أوصل الفلسطينيون أنفسهم بأنفسهم إليه، وليس الأعداء فقط وظلم ذوي القربى.. حين يتهدد وجودك وحش يكشر عن أنيابه مبتهجا، فكل ما يحتاج له المرء هنا قلب شجاع، ولكن فقط أن يريد. فقط أن يبدأ الآن. أن يبدأ بنفسه قبل أن يفوت الأوان، وكي لا يلقي خطبته الأخيرة، كهندي أحمر يرثي نفسه عند خط النهاية.
دلالات
مقالات أخرى
02 اغسطس 2024
22 يوليو 2024
13 ابريل 2024