25 نوفمبر 2019
هل في وسع إيران إغلاق مضيق هرمز؟
قرّر الرئيس الأميركي دونالد ترامب إنهاء إعفاءات العقوبات المفروضة على إيران بدءاً من 2 مايو/ أيار 2019. وبهذا لن يتاح للدول التي حصلت على فترة سماح 90 يوما الاستمرار باستيراد النفط الإيراني، بل لن يكون ذلك النفط الذي لم يستلم فعلياً في غضون ذلك التاريخ متاحاً لجهات الاستيراد استلامه، ويبقى شبه محجور عليه في موانئ الاستلام. وتطابقاً مع نهجها الميّال إلى التحدي، هدّدت إيران بإغلاق مضيق هرمز، إن لم يكن متاحاً لها تصدير نفطها كحال الجميع. وبهذا سيتعرّض الممر البحري الذي يمر عبره أكثر من ثلث احتياجات العالم من النفط، لخطر مجابهاتٍ ربما حربية، ستترك آثاراً جسيمة على مجمل الوضع في المنطقة. يدفعنا مشهدٌ محتملٌ كهذا إلى التساؤل عما إذا كان بالإمكان فعلاً غلق المضيق؟
تصر إيران على أنها لن تسمح أبداً لأي نفط من الخليج بالمرور عبر مضيق هرمز، إذا كانت العقوبات المفروضة على النفط الإيراني تمنعها من تصدير نفطها. وأكدت أنه إما أن يكون المضيق مفتوحاً لجميع عمليات تصدير النفط، ولكل الدول المشاطئة للخليج العربي، أو لا، إذا كانت القضية هي منع إيران من تصدير نفطها، وفقًا لعقوبات إدارة ترامب ضد النفط الإيراني.
يتطلب فحص جدوى الادعاءات الإيرانية معالجة عدة عوامل حاسمة: ما هي الدول المصدرة للنفط التي تعتمد على المضيق في تصدير نفطها؟ هل مضيق هرمز هو السبيل الوحيد المتاح لهذه الدول لتصدير نفطها؟ إذا كانت هناك بدائل أخرى، فهل تعوّض الحاجة إلى هرمز؟ ما هو حجم النفط المتوقع الذي قد يتأثر إذا نجحت إيران في سد مضيق هرمز؟ هل تدرك إيران تداعيات إغلاق المضيق؟ هل تمتلك إيران القدرة المادية على إغلاق المضيق؟
توضح جيو استراتيجية منظومات شبكات تصدير النفط في الخليج العربي أن إيران والكويت
فقط، وإلى حد ما العراق، يعتمدون على مضيق هرمز لتصدير نفطهم. اختارت كل من السعودية وأبوظبي، نظراً للتهديدات الإيرانية المتكرّرة بإغلاق المضيق، إلى إيجاد بدائل أفضل وأكثر أمانًا لتصدير نفطهما، فقد تجاوزت أبوظبي المضيق، وأنشأت مرافق تصدير جديدة على ساحل الإمارات المطل على خليج عُمان، بينما اختارت السعودية، في وقت سابق منذ الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988)، بناء خط أنابيب عبر الجزيرة العربية من مرافق تصدير النفط في رأس تنورة عبر الصحراء العربية إلى ميناء ينبع على البحر الأحمر، بعدما خسرت منافذ تصدير نفطها عبر الأردن وسورية إلى البحر المتوسط منذ إغلاقها بسبب العدوان الإسرائيلي على الدول العربية عام 1967، لوقوع الجزء المار عبر الجولان المحتل تحت سيطرة العدو. كما أن العراق سيمكنه استخدام شبكة خطوط الأنابيب الاستراتيجية والمرنة التي أقامها في وقت مبكر، لتوجيه نفطه نحو تركيا، أو تأهيل خط الأنابيب الذي أقامه في ثمانينيات القرن المنصرم عبر السعودية من محطة الضخ في الرميلة إلى ينبع على البحر الأحمر، والذي أغلقته السلطات السعودية عشية الأزمة الكويتية في 1990. تجري المفاوضات بشأن هذا الموضوع بين الطرفين، في ضوء التحسن في بيئة العلاقات الثنائية الجديدة. ولدى العراق مشروع خط أنابيب طموح آخر لتصدير نفطه من ميناء العقبة، أو حتى استعادة خط الأنابيب التاريخي من كركوك إلى حيفا، كجزء من الحديث عن "صفقة القرن".
تشبع المرشد الإيراني، علي خامنئي، بأفكار وممارسات سلفه الخميني، المتميزة بالجمود ورفض التطور، واحتقار الرأي العام، والتشدد، وابتزاز الغرب والجوار العربي، وتشجيع الطائفية، وهي خصائص تجعل تماهيه مع الجوار والنظام الدولي مستحيلاً. ولكن لهذا المرشد قناعة تامة بأن عواقب أية مواجهة عسكرية مباشرة مع الولايات المتحدة الأميركية ستكون
وبالاً على نظامه وعلى بلاده. ولذلك، تبنّى استراتيجية الابتزاز، وتطوير خياراته الاستراتيجية في محاولة الوصول إلى الردع، على مثل ما قامت به كوريا الشمالية. وأخيرا تبنى خيار الحرب اللامتناظرة في مضيق هرمز، لعله يستطيع وقف الضغوط الأميركية التي يبدو أنها جدية فعلاً، ولا تترك مجالاً للتراجع، إلا بعد انصياع إيران لشروط ترامب الاثني عشر التي أعلنها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، وكرّرها مراراً. انصاعت غالبية الدول، باختيارها أو بموازنتها مصالحها للقرار الأميركي المسلح بزيادة تحشيد قواتها البحرية في الخليج العربي وجواره، ومقترباته للرد الحاسم على أية محاولة إيرانية لإغلاق المضيق.
سقط خيار الابتزاز مع تولي الرئيس ترامب المشبع، هو الآخر، بروح يمينية شعبوية، فاختار إيقاف الابتزاز الإيراني في مجال الخيار النووي، بتشديد العقوبات على إيران، حتى منع الأخيرة من تصدير نفطها وتصفير الصادرات، إلا إذا انصاعت لاثني عشر شرطاً، تعني نهاية الشكل الحالي للحكم الإيراني. وتوج ترامب إجراءاته باعتبار الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية، بكل التداعيات السلبية على هذه المنظمة وامتداداتها كالمليشيات الشيعية في العراق.
ستكون إيران الخاسر الأكبر إذا قرّرت التدخل للتأثير على أمن الملاحة في مضيق هرمز، لأن الرد الأميركي سيكون ساحقاً على ما يبدو، ولم يبق لها مجال إلا بتبني خيار تراجعٍ مشرّف، يتيح لها العودة إلى المجتمع الدولي، بإعلان قبولها بالشروط الاثني عشر، ومن دون مواربة أو
مناورة، فقد أوشكت الصادرات النفطية الإيرانية الوصول إلى الصفر، على ضوء انصياع حتى الدول التي تعتمد على النفط الإيراني، كالصين والهند، للعقوبات الأميركية، وانخفضت وارداتها من النفط الإيراني كثيراً، فبين إبريل/ نيسان 2018 والآن، انخفض تصدير النفط الإيراني من 2.5 مليون برميل يوميا إلى أقل من 800 ألف برميل يوميا، فضلاً عن أنه حتى تلك الناقلات النفطية الإيرانية المحملة بالنفط الإيراني مسبقاً، وبحجم يبلغ عدة ملايين من البراميل، أضحت عائمة في الموانئ، أو مقترباتها، كما في حالة الصين مثلاً، من دون أن تجد لنفطها مستهلكاً. قد يدفع هذا الموقف المتطرّف بعض الحرس الثوري المتعصب إلى شن حرب بحرية غير متكافئة في المضيق، باعتبارها الشكل الوحيد للحرب التي يمكن لإيران شنها، وعليها حينئذ تحمل تبعاتها... بالتالي، لا تملك إيران القدرة على سد مضيق هرمز، ولا على تحمل العواقب.
يتطلب فحص جدوى الادعاءات الإيرانية معالجة عدة عوامل حاسمة: ما هي الدول المصدرة للنفط التي تعتمد على المضيق في تصدير نفطها؟ هل مضيق هرمز هو السبيل الوحيد المتاح لهذه الدول لتصدير نفطها؟ إذا كانت هناك بدائل أخرى، فهل تعوّض الحاجة إلى هرمز؟ ما هو حجم النفط المتوقع الذي قد يتأثر إذا نجحت إيران في سد مضيق هرمز؟ هل تدرك إيران تداعيات إغلاق المضيق؟ هل تمتلك إيران القدرة المادية على إغلاق المضيق؟
توضح جيو استراتيجية منظومات شبكات تصدير النفط في الخليج العربي أن إيران والكويت
تشبع المرشد الإيراني، علي خامنئي، بأفكار وممارسات سلفه الخميني، المتميزة بالجمود ورفض التطور، واحتقار الرأي العام، والتشدد، وابتزاز الغرب والجوار العربي، وتشجيع الطائفية، وهي خصائص تجعل تماهيه مع الجوار والنظام الدولي مستحيلاً. ولكن لهذا المرشد قناعة تامة بأن عواقب أية مواجهة عسكرية مباشرة مع الولايات المتحدة الأميركية ستكون
سقط خيار الابتزاز مع تولي الرئيس ترامب المشبع، هو الآخر، بروح يمينية شعبوية، فاختار إيقاف الابتزاز الإيراني في مجال الخيار النووي، بتشديد العقوبات على إيران، حتى منع الأخيرة من تصدير نفطها وتصفير الصادرات، إلا إذا انصاعت لاثني عشر شرطاً، تعني نهاية الشكل الحالي للحكم الإيراني. وتوج ترامب إجراءاته باعتبار الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية، بكل التداعيات السلبية على هذه المنظمة وامتداداتها كالمليشيات الشيعية في العراق.
ستكون إيران الخاسر الأكبر إذا قرّرت التدخل للتأثير على أمن الملاحة في مضيق هرمز، لأن الرد الأميركي سيكون ساحقاً على ما يبدو، ولم يبق لها مجال إلا بتبني خيار تراجعٍ مشرّف، يتيح لها العودة إلى المجتمع الدولي، بإعلان قبولها بالشروط الاثني عشر، ومن دون مواربة أو