31 أكتوبر 2024
هدية بوتين وهدية ترامب
ثمّة شبه غريب بين الهديتين، الأميركية والروسية، إلى إسرائيل. كما نعلم، الأولى كانت الجولان، والثانية رُفات الجندي الإسرائيلي زخاريا بومل. والاثنتان تحيلان إلى ثلاث حروب.
هَضَبة الجولان معروفة قصتها: حرب 1967 التي أفضت إلى احتلالها، مقابل تثبيت سلطة حافظ الأسد في أعلى سلطة لبلاده. والتي تحولت لاحقاً إلى مادة بروباغاندا كاذبة عن "تحرير كامل التراب الفلسطيني".. وما يساويها من رطانةٍ ممانعةٍ هي الدعامة "الفكرية" لنظام الأسد المخلَّد.
أما رُفات الجندي الاسرائيلي، فتعود إلى الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، وتُسرد وقائعه بحسب الرواة: هناك من قال إنه، بعد أيام قليلة من هذا الاجتياح، حصلت معركة بين الجيشين الإسرائيلي والسوري. وهناك من يوضِّح بأن المعركة حصلت بين الجيش الإسرائيلي من جهة، تقابله من الجهة الأخرى قوات فلسطينية ولبنانية مشتركة، ومعها الجيش السوري. وتبايُن النظر إلى أصحاب الأدوار يقف هنا: إذ يتفق الجميع على أن المعركة كانت فخاً وقع فيه الجيش الإسرائيلي، وانقضَّت عليه القوى الوطنية المشتركة، فأدى إلى مقتل ثلاثين جنديا إسرائيليا، واختفاء آخرين، من بينهم الجندي العائد رُفاتُه إلى مقابر الوطن، موضوع الهدية الروسية إلى إسرائيل. ويجمعون أيضاً، على أن القوات النظامية السورية انسحبت من هذه المعركة بعد ثلاثة أسابيع على إشتراكها فيها؛ ومن دون أثرٍ يُذكر غير تلك المعركة التي عرفت لاحقا بمعركة السلطان يعقوب (في بيادر العدس البقاعية). وبما أن الغزو الإسرائيلي للبنان دام أكثر من أربعة أشهر، يمكن القول هنا أيضا، بعد الجولان، إن الأسد توقف عن مقاتلة إسرائيل بعد هذه المعركة، حفاظاً، أيضاً، على نفسه.
مع الهدية الروسية، تطلّ حربٌ ثالثة؛ فبما أن رُفات الجندي الاسرائيلي وُجد في مخيم اليرموك
الفلسطيني، الواقع بالقرب من دمشق، فلا بد أن تحضر نكبة عام 1948 التي طردت الفلسطينيين إلى دول الجوار، بما فيها سورية. نكبةٌ أبقت على أنظمة، وأصعدت أخرى، منها نظام حافظ الأسد.
الهديتان الأميركية والروسية تنعشان فصول وقائع حربية، يُفترض أن وقتها قد مضى. ولكن لا. لا الحروب تنتهي في منطقتنا، ولا هزائمها تتوقف من توليد نفسها بنفسها، بحيث إنكَ تعيش على طبقاتٍ من الذاكرة المهزومة، كل واحدة منها تعود إلى حربٍ، إلى حقبةٍ حربيةٍ، أثمرت ما نحن مُصابون به الآن.
بين الهديتين، الروسية والأميركية، لا يتوقف الشبه هنا. الهديتان تفيدان نتنياهو في الانتخابات التشريعية؛ هذا مؤكّد. لكن صاحبتَي الهديتين، روسيا وأميركا، ليستا في خدمة رئيس الوزراء الإسرائيلي؛ بل بخدمة مصالحهما. فوق أنهما في هذه الهدايا، تجسدان، كلٌ على طريقتها، مدى تأثير قراراتها في لعبة الحرب على سورية. وتقيسان حجم الدور الملعوب على الأرض السورية: حيث تبدو أميركا فوق الجميع، على الرغم من عدم تورّطها عسكرياً، قياساً إلى روسيا. إنها أراض سورية تلك المهداة إلى إسرائيل، والعالم كله يقف ضد قرار اعتبارها أرضاً إسرائيلية. ولكن هذه أميركا حتى الآن، فيما هدية روسيا تبدو شديدة الرمزية، أقل استراتيجية من الجولان. ولكنها تعزّز سيطرتها على الأرض، تلك النقطة الصعبة للوجود الروسي في سورية في مقابل الوجود الإيراني. رُفات جندي قضى منذ 37 عاماً، مقابل الاستيلاء "القانوني" على 1800 كلم مربع من الأراضي السورية (مساحة الجولان)! الفرق شاسع بين الهديتين؛ مع أن وقع الهدية الرمزية انتخابيا لصالح نتنياهو قد يكون أقوى من ضمّ الجولان.
والاثنتان تصيبان عصافير عديدة، بعد تحصين العصفور الإسرائيلي: منها إيران، وإفهامها أن
الأمر ليس كله لها، لا على الأرض السورية، كما تزعم، ولا على الأراضي المحتلة، كما تعبّئ وتجنّد. من العصافير الأخرى تركيا، الأقل سطوة، لكن الغاطسة هي الأخرى في منافسة "ودّية" مع روسيا في الشمال السوري. منها الأسد نفسه، المدفوع إلى تطوير مهاراته باللعب على التناقضات بين منقذي عرشه، وباختيار الأقوى بينهم.
انظر إلى ردّة فعل النظام على كلتا الهديتين: في الأولى، أي الجولان، التزم الصمت، وشغّل ماكينة "المقاومة" بالبطاريات المعتادة، هنا وهناك من حلفائه وإعلامه. في الثانية، حاول التملّص من ضعفه أمام الروس، فبَسَط دَجَله الأهبل، وادّعى وزير إعلامه، عماد سارة، أن لا علم لسورية بموضوع رُفات الجندي الإسرائيلي، ولا بتفاصيل العثور عليه وتسليمه. لكن الرئيس الروسي كذَّب هذا الادعاء، وأكد على تعاون رجال النظام مع الروس، لإيجاد هذا الرُفات. كذبٌ ثم تكذيب ثم صمت.. وبعد يومين أو ثلاثة على حكاية الرُفات هذه، يتذكّر وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، الهدية الأميركية إلى إسرائيل، الجولان، فيطلق الأنشودة: "الخيار العسكري مطروح من أجل استعادة مرتفعات الجولان من إسرائيل".. فهل من حاجةٍ للتعليق؟
هَضَبة الجولان معروفة قصتها: حرب 1967 التي أفضت إلى احتلالها، مقابل تثبيت سلطة حافظ الأسد في أعلى سلطة لبلاده. والتي تحولت لاحقاً إلى مادة بروباغاندا كاذبة عن "تحرير كامل التراب الفلسطيني".. وما يساويها من رطانةٍ ممانعةٍ هي الدعامة "الفكرية" لنظام الأسد المخلَّد.
أما رُفات الجندي الاسرائيلي، فتعود إلى الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، وتُسرد وقائعه بحسب الرواة: هناك من قال إنه، بعد أيام قليلة من هذا الاجتياح، حصلت معركة بين الجيشين الإسرائيلي والسوري. وهناك من يوضِّح بأن المعركة حصلت بين الجيش الإسرائيلي من جهة، تقابله من الجهة الأخرى قوات فلسطينية ولبنانية مشتركة، ومعها الجيش السوري. وتبايُن النظر إلى أصحاب الأدوار يقف هنا: إذ يتفق الجميع على أن المعركة كانت فخاً وقع فيه الجيش الإسرائيلي، وانقضَّت عليه القوى الوطنية المشتركة، فأدى إلى مقتل ثلاثين جنديا إسرائيليا، واختفاء آخرين، من بينهم الجندي العائد رُفاتُه إلى مقابر الوطن، موضوع الهدية الروسية إلى إسرائيل. ويجمعون أيضاً، على أن القوات النظامية السورية انسحبت من هذه المعركة بعد ثلاثة أسابيع على إشتراكها فيها؛ ومن دون أثرٍ يُذكر غير تلك المعركة التي عرفت لاحقا بمعركة السلطان يعقوب (في بيادر العدس البقاعية). وبما أن الغزو الإسرائيلي للبنان دام أكثر من أربعة أشهر، يمكن القول هنا أيضا، بعد الجولان، إن الأسد توقف عن مقاتلة إسرائيل بعد هذه المعركة، حفاظاً، أيضاً، على نفسه.
مع الهدية الروسية، تطلّ حربٌ ثالثة؛ فبما أن رُفات الجندي الاسرائيلي وُجد في مخيم اليرموك
الهديتان الأميركية والروسية تنعشان فصول وقائع حربية، يُفترض أن وقتها قد مضى. ولكن لا. لا الحروب تنتهي في منطقتنا، ولا هزائمها تتوقف من توليد نفسها بنفسها، بحيث إنكَ تعيش على طبقاتٍ من الذاكرة المهزومة، كل واحدة منها تعود إلى حربٍ، إلى حقبةٍ حربيةٍ، أثمرت ما نحن مُصابون به الآن.
بين الهديتين، الروسية والأميركية، لا يتوقف الشبه هنا. الهديتان تفيدان نتنياهو في الانتخابات التشريعية؛ هذا مؤكّد. لكن صاحبتَي الهديتين، روسيا وأميركا، ليستا في خدمة رئيس الوزراء الإسرائيلي؛ بل بخدمة مصالحهما. فوق أنهما في هذه الهدايا، تجسدان، كلٌ على طريقتها، مدى تأثير قراراتها في لعبة الحرب على سورية. وتقيسان حجم الدور الملعوب على الأرض السورية: حيث تبدو أميركا فوق الجميع، على الرغم من عدم تورّطها عسكرياً، قياساً إلى روسيا. إنها أراض سورية تلك المهداة إلى إسرائيل، والعالم كله يقف ضد قرار اعتبارها أرضاً إسرائيلية. ولكن هذه أميركا حتى الآن، فيما هدية روسيا تبدو شديدة الرمزية، أقل استراتيجية من الجولان. ولكنها تعزّز سيطرتها على الأرض، تلك النقطة الصعبة للوجود الروسي في سورية في مقابل الوجود الإيراني. رُفات جندي قضى منذ 37 عاماً، مقابل الاستيلاء "القانوني" على 1800 كلم مربع من الأراضي السورية (مساحة الجولان)! الفرق شاسع بين الهديتين؛ مع أن وقع الهدية الرمزية انتخابيا لصالح نتنياهو قد يكون أقوى من ضمّ الجولان.
والاثنتان تصيبان عصافير عديدة، بعد تحصين العصفور الإسرائيلي: منها إيران، وإفهامها أن
انظر إلى ردّة فعل النظام على كلتا الهديتين: في الأولى، أي الجولان، التزم الصمت، وشغّل ماكينة "المقاومة" بالبطاريات المعتادة، هنا وهناك من حلفائه وإعلامه. في الثانية، حاول التملّص من ضعفه أمام الروس، فبَسَط دَجَله الأهبل، وادّعى وزير إعلامه، عماد سارة، أن لا علم لسورية بموضوع رُفات الجندي الإسرائيلي، ولا بتفاصيل العثور عليه وتسليمه. لكن الرئيس الروسي كذَّب هذا الادعاء، وأكد على تعاون رجال النظام مع الروس، لإيجاد هذا الرُفات. كذبٌ ثم تكذيب ثم صمت.. وبعد يومين أو ثلاثة على حكاية الرُفات هذه، يتذكّر وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، الهدية الأميركية إلى إسرائيل، الجولان، فيطلق الأنشودة: "الخيار العسكري مطروح من أجل استعادة مرتفعات الجولان من إسرائيل".. فهل من حاجةٍ للتعليق؟