الجزائر بين أزمتي الشرعية والثقة

11 ابريل 2019
+ الخط -
يَرفض "الثُّوَّار السِّلميُّون" في الـجزائر أيّ حكومة يُشارِك فيها رموز الاستعباد والاستبداد والإفساد.. في حين يَرَى مُلاحِظون أنّ "الثُّوَّار السِّلميِّين" قدْ يَضطرُّون إلى "اعتصامات" في السَّاحات والمَيادين حتّى لا يَنخفض مُستوَى إرادات وعزائم الشَّعب في استرداد حقِّه الـمُغتصَب بعْد المَسرحيّات الّتي يُخرِجها أعداء "الحرّيّة والعدل".
لِسابع جـمعة يَهتف الجزائريّون بِرحيل "العِصابة" كاملة العدد؛ بداية مِنَ "الباءات الثّلاثة" (بن صالـح وبلعيز وبدوي) ورفع مَطالِب الشَّعب إلى أعلى سقف.
فلْيُطهِّرْ كُلُّ قطاع نفسه الآن؛ ويَخرج مِن مُستنقَع وضعتْ فيه "مجموعة وجدة" الجزائر؛ ولا يَزال الشَّعب الـجزائريّ يَدفع ثمنه... وكذبوا على الشَّعب بأكثر مِن شرعيّة؛ تارة ثَوريّة؛ وتارة دستوريّة؛ وتارة أُخرَى الاستقرار؛ ولا يَزالون يَكذبون ويَتعنَّتون.
الجزائر تعيش "أزمة شرعيّة" ومِن ثَمَّ تَلتْها "أزمة ثِقة" بعْدما استولتِ "العِصابة" على "الدّولة" بعناوين مُزخرَفة وشِعارات كذوب.
حتّى الجمعة السَّابعة؛ لا يَزال "الثُّوَّار السِّلميُّون" يُردِّدون:"يا بوتفليقة رايح رايح؛ أدِّي معاك قايد صالـح؛ وماتنساش بن صالح" الّتي هُتف بها الجمعة السّادسة.. وهو شِعار مَرفوع ومَسموع في كُلِّ مُدن وقُرى الوطن وخارجه مِن أحرار وحرائر الجزائر.
مِن مدلولات ذلك الشِّعار أنّ الشَّعب هو صاحِب الحقٍّ؛ ويَمنح الشّرعيّة لِمن يَشاء متى يَشاء؛ ويَعرف أنّ "الجيش" لا يَحقُّ له مُمارَسة السِّياسة؛ ويُدرِك أنّ "قائد الأركان" ليس هو "الـمُؤسَّسة العسكريّة"؛ وأنّ "الـجيش" ليس عقلًا سياسيًّا بلْ هو قوّة دفاع وحماية للشَّعب والوطن"؛ وأنّ الشَّعب لا يَثق في أيّ رمز مِن رموز الاستعباد والاستبداد والإفساد الّتي كانت ولا تَزال ضِمن "العِصابة" الّتي تَختطف "الجزائر" منذ الاستقلال الوطنيّ؛ وانقلبتْ في "ربع السّاعة الأخير" كما انضمّ أمسٍ أعداء الشَّعب لثَورة التّحرير في التّوقيت نفسه.
الدّولة لجميع الجزائريِّين ودون استثناء؛ وإنْ يكونوا خارج الوطن؛ وقدْ دفعتْهمُ "المَنظومة البائدة" إلى الهجرة غير الطّوعيّة؛ وما أكثرهم؛ ويعيشون في كُلِّ قارّات العالَم لا سيما في أوروبا وأميركا.
تَتناوب شِرذمة أو عِصابة على حُكم البلد منذ الاستقلال؛ وتَتناوب على ظلم الجزائريِّين ونهب وإهدار مُقدِّرات الأُمَّة عبْر صفقات عموميّة وطنيّة ودوليّة في مَشروعات واهية ووهـميّة لذرِّ الرَّماد في عيون الشَّعب.
إنَّ السُّلطة كاملة للشَّعب وَحْدَهُ.. وهو ما يَهتف به "الثُّوَّار السِّلميُّون" حين المَسيرات والاحتجاجات دون كلل وملل... لقدْ قرّر الشَّعب تقرير مَصيره بنفسه؛ ورسائله جليّة "ارحلوا كُلّكم"... لا سيما أنّ أشباه سياسيِّين ركبوا موجة "الثَّورة السِّلميَّة" مِمّا يُسمَّى أحزاب "المَوالاة" الّتي تَقف مع "استمرار تَدخُّل الـجيش" في السِّياسة؛ وهو تموقع واضح؛ ولها أطماع مِن خلال "صناعة صنم أو فرعون آخر" بِجميع الوسائل؛ ولكنِ الحقيقة –هذه المَرَّة- أنَّ "مَنظومة الحُكم" لا يَبنيها إلّا الشَّعب بِمُمثِّليه الأُمناء كَمَا يُرِيدُ المُحافَظة على المُكتَسبات الّتي شيَّدها أوفياء الوطن.
أيّ التفاف على إرادة الشَّعب هو رهان خاسر بِجميع الـمَقاييس وبعيد كُلّ البعد عن ِالمَبادئ والأخلاق السِّياسيّة المُتعارَف عليها عبْر التّاريخ.
لقدْ صمّم الشَّعب الجزائريّ على استرجاع كامل سيادته على البلد بِثَورة بيضاء ناصعة؛ لا مكان فيها للأحمر القاني... إنَّها سِلميَّة أقوَى مِنَ "العِصابة" وحاميها.. وهي حقيقة يُسجِّلها التَّاريخ بِحروف مِن ضياء يُنير للشُّعوب المُستضعَفة... لكن للأمانة ودون مُزايَدات وغرور؛ نقول: إنّ ثَورات الرّبيع العربيّ في تونس ومصر وسوريّة واليمن وليبيا والبحريْن والسّودان وغيرها سِلميَّة؛ وقدْ تـآمرتْ عليها دول عربيّة وأجنبيّة.. ويجب ابتكار طُرق الاحتجاج ووسائلها وتوقيتها الحاسم لا سيما بعْد تَنامي الوعي لدَى الشُّعوب بفئاتها الـمُتنوِّعة.
يَسعَى الشَّعب الجزائريّ - رغم أنّ الـمَخاض عسير- إلى إعادة الثّقة بيْن "الـجيش" والشَّعب مِن أجل "البِناء الوطنيّ" ومن دون أسلوب العِصابات و"المَافيا" السِّياسيّة والمَاليّة والعقاريّة والإعلاميّة والصّحافيّة والإداريّة والتّربويّة وغيرها.
ويُريد بِناء الثِّقة بيْن الحاكم والمَحكوم عبْر مُؤسَّسات دستوريّة تُعلِي الحقَّ والقانون... ويُريدُ بِناء شبكة مُخابَرات وطنيّة حقيقةً؛ بِأقسامها العسكريّة والـمَدنيّة؛ الدّاخليّة والخارجيّة للمُشارَكة في حماية الـجزائر والـجزائريّين ومَصالِحهم دون حماية "العِصابة" الّتي تَغتالُ الوطن وتاريخه وأمجاده وحاضره ومُستقبَله.
طوال سبعة أسابيع يَبعث "الثُّوَّار السِّلميُّون" الأمل فقدْ تَحرّرتْ فئات كثيرة كانت مُكبَّلة بِضغط "العِصابة" الّتي استحوذتْ دون وجه حقٍّ على "الدّولة الـجزائريّة".. وهي تُروِّج أكاذيب وأباطيل ولا تَزال تَسعَى للاستمراريّة بِموادّ دستوريّة مُكيَّفة أو وجوهٍ جديدة لاحقًا.. والـخطر قدْ يأتي مِنَ "الفضاء الرّماديّ" بعْد انقشاع الضَّباب.
"جيل نوفمبر" دفع ثمن الحرّيّة دماءه الطّاهرة الّتي جاوزتْ "مليون ونصف مليون شهيد" ضدّ "احتلال أجنبيّ"؛ وإنَّ "جيل فبراير" حرّر نفسه وغيره دون قطرة دم واحدة ضدّ "احتلال وطنيّ"؛ دامتِ الـمَسيرات 41 يومًا ليَسقط "فرعون" ظلّ في الحُكم 20 عامًا.
للجيل الحالي؛ وللأجيال القادمة؛ إنَّ "العِصابة" الّتي انقلبتْ على إرادة الشَّعب يوم 11 يناير/كانون الثّاني 1992عبْر دبّابة هي نفسها "العِصابة" الّتي انقلبتْ على إرادة الشَّعب يوم 19 يونيو/ حزيران 1965عبْر دبّابة أيضًا؛ وهي نفسها "العِصابة" الّتي انقلبتْ على إرادة الشَّعب صيْف 1962؛ وفي مَحطّات تاريخيّة أُخرَى... الحذرُ الحذرُ مِن صناعة "صنم" أو "فرعون" آخر... عسكريّ أو مَدنيّ.
التَّاريخ لا يُجامِل؛ وإنْ زوَّره أشباه الـمُؤرِّخين؛ ويَظلُّ تاريـخًا... فلْيحذرِ الّذين لا يَزالون يَحنُّون للغدر بِالشَّعب وهي خيانة عُظمَى؛ لـ"الـجيش" وظائفه الدّستوريّة... ولْيَحذرِ الـمُندسُّون الّذين يَسعون إلى اختراق "الثُّوَّار السِّلميِّين"وإبعادهم عن مَسارهم... ولْيحذرِ الّذين يَتدخَّلون سِرًّا وعلانيّةً في شؤون الشَّعب الـجزائريّ؛ والّذين يُحاوِلون حِماية "عِصابة" تَحكُم "بلدًا" يَنتسب للأُمم الـمُتَّحدة.
بِسلميَّةٍ باسـمة؛ ورغم الغموض؛ يُقاوِم الشَّعب الـجزائريّ "عِصابة" لاسترداد حقّ أصيل ومنْح "الشَّرعيّة" لـمَن يُريد ووضْع "الثِّقة" في مَن يُريد وما أكثر "أُمناء الوطن وكفاءاته".. هكذا يَرَى "الثُّوَّار السِّلميُّون" الـحلّ سياسيًّا وليس دستوريًّا فهُمْ يُريدون تغييرًا جذريًّا؛ وذلك هو اتّجاه بوصلتهم لتنفيذ خطّة تفصيليّة للـمَرحلة الانتقاليّة وفق رؤى الـمُستقبَل.
70595131-504F-4031-981B-65939A623027
70595131-504F-4031-981B-65939A623027
جـمال بوزيان (الجزائر)
جـمال بوزيان (الجزائر)